استمرت "البديل" فى انتقالها بين عشش أبو السعود وقابلنا "فتحية على"هذه السيدة العجوز صاحبة الوجه المليء بالتجاعيد ؛التى يمكنك أن تقرا منه خلاله ما مرت به من شقاء وتعب خلال حياتها،قالت "جئت مع زوجى من سوهاج منذ 45 عاما ،ولم نجد مكان نأوى اليه سوى تلك العشش بمنطقة أبو السعود ،وكان عمله غير مستقر من عمال اليومية الذين يحملون الرمل والاسمنت، بعدها بسنوات توفى وتركنى وحيدة فى هذه العشش، لم انجب ولكنى كافحت أن اأجد لنفسى مصدر رزق ،سواء فى تجميع الكرتون من القمامة أو الزجاجات البلاستكية وبيعها وأعيش بدخلها، والان وبعد مرضى واصابتى بهشاشة العظام للظروف غير الصحية للمعيشة فالجدران المبنية بالطين والمشروخة تنضح بالمياه ،قررت أن أبيع بسكويت وشيبسي للاطفال" . وأضافت "نعيش تحت الجدران المشروخة التى يمكن أن تقع علينا فى أى لحظة، فالبيوت أغلبها مبينة من الخشب أو الطين ،فبالامس لسعتنى عقربة ،سقطت من سقف الغرفة المبنى بالعروق الخشبية اثناء دخولى الحمام" . وقالت فتحية "أعيش بالكاد سواء على معاش زوجى الضيئل ،أو من خلال بيعى للحلويات ،ومع ذلك لا يرحمنى مالك الغرفة من دفع الايجار وقيمته 160 جنيها ،فضلا عن فاتورة الكهرباء التى ندفعها وتتجاوز الخمسين جنيه ،مضاف اليها قيمة القمامة التى نعيش وسطها ،ولا نرى أى عامل نظافة" . ومن بعيد استمعنا الى نداءات خافتة الصوت من منزل مجاور للحاجة "فتحية"، انها سيدة عجوز شعرها ابيض متشحة برداء اسود ،وبهدوء طلبت منا الدخول الى غرفتها لتفضى لنا بسر، وجلعتنا نقسم فى البداية الا نفضحها والا نذكر اسمها حتى تتعرض هى واولادها للخطر . بلاغ لمباحث الاثار ابو السعود على بحيرة اثار.. وحفر الاهالى مازال مستمرا قالت بصوتها المنخفض "كل العشش والغرف الموجودة بابو السعود على صفيح ساخن من الانهيار الحتمى ،ووقتها الكل سيدفع الثمن ،كما حدث فى صخرة الدويقة سيكون الانهيار فى ابو السعود قادم من اسفل ،حيث يوجد حفر الاثار ،ويقوم احد الاهالى معروف للجميع بانه يحفر فى منزله يوميا منذ اكثر من سنة، ويستأجر عمال الحفر مساء وعددهم اكثر من 15 شخصا ،وعمق الحفر يصل الى 30 مترا تحت الارض . وطالبت السيدة ان نذهب للمنزل ونطلب من صاحبه الدخول والتصوير مثل باقى العشش ،مؤكده انه سيرفض وسوف يطردنا . البديل تكشف منزل يحفر فيه مالكه عن الاثار وبالفعل تحركت "البديل" نحو المنزل المذكور ،وبمجرد دخولنا البوابة الحديدية ،والتى كانت علامة استفهام ،فمنذ دخولنا العشش ولم نجد سوى ابواب خشبية تكشف اكثر مما تستر من ورائها ،واستكملنا الدخول لنصطدم برجال كثيرة وشباب تتراوح فى مقتل العشرينات يغطيهم التراب من رأسهم الى قدمهم وبنظرة سريعة على الغرفة التى يخرج منها الشباب لاحظنا اكوام من التراب تصل الى السقف وحفرة بجوارها واخشاب وحبال وكانها "سقالة او نقالة "يهبط بها هؤلاء الشباب من الحفرة " . امراة كفيفة تريد ان تحمى ابنتها من براثن بلطجة العشش بشقة وفى مدخل احدى المنازل الخشبية وجدنا سيدة مفترشة الارض وعندما اقتربنا منها اكتشفنا انها "فاقدة للنظر"وكأن الزمن اشفق عليها أن لا ترى سوء الحال التى تعيش وسطها ،وتعيش أوجاعها وقسوتها دون أن تراها . وبفطرة لم تتلوث بعد ،ولايمكن تخليها وسط هذا المجتمع المتوحش الذى لوث مواطنيه بضغوطه واعبائه عليهم ،لتصدمك السيدة "حميدة حسين" بخوفها الذى يتخلص على انبوبة البوتوجاز التى تقوم بتحضير الطعام عليها وابنتها اليتيمة التى تربيها ،لتجد نفسك تخجل امام احلامك المستفزة فى اقتناء احدث موبايل او سيارة . وتضيف حميدة قائلة "الحمد لله زاد معاشى وأصبح 215 جنيها، بعد أن كان مائة جنيه ،ادفع مائة جنيه منهم ايجار،واعيش انا وابنتى بالمتبقى منه ،حيث لم يترك زوجى لنا اى مدخرات ،لانه كان يعمل "نجار" ارزقى عمله متقطع وغير مستمر . وطلبت حميدة قائلة "انا مش عايزة حاجة من الدولة غير شقة صغيرة مقفول علينا باب ،وانام وانا مطمنة على ابنتى الصغيرة ،فعشش ابو السعود لا امان فيها ،فالبلطجية وتجار المخدرات موجودين في كل مكان، واخشى يوما ان استقيظ من النوم لا اجد فتاتى بجوارى ،ونتمنى من الدولة ان تقوم بنقل اهالى العشش فى مكان جديد ، ولانمانع من الذهاب للمقطم او النهضة ،طالما نجد شقة نظيفة بها مياه ونور تحمينى انا وابنتى فليس لدينا رجل يقف بجوارنا ،بالاضافة الى كشك صغير استطيع ان انفق منه على تعليم الفتاة" . والتقت الحديث منها جار لها فى الغرفة المجاورة "عثمان محمد عثمان " –عامل محارة - قال "نريد اقالة رئيس حى مصر القديمة ،لانه متواطىء مع الاهالى المخالفة للقانون ،وتقوم بالبناء اراضى الاثار بالمسلح ،وعندما تنزل احدى الحملات لهدم هذه المنازل المخالفة ،تقبل رشاوى الاهالى وترحل فى هدوء" . حى مصر القديمة متواطىء مع الاهالى التى تبنى على الاراضى المخالفة وقال عثمان "الدولة لا تعترف بنا كمواطنين لنا حقوق عليهم ،ومن حقنا ان نعيش فى مكان نضيف لاتوجد به عقارب ،ولا نتعرض للموت سواء بسم الثعابين فى الصيف او مصعوقين بالكهرباء شتاء من شدة سقوط الامطار التى تخترق الاسقف الهشة والمبنية بالاخشاب ، والتالى عندما تصطدم بالاسلاك الكهربائية يحدث الماس بشكل مستمر"، مضيفا "نتمنى وعود الرئيس مرسى تتحقق ،والذى قال فيها انه سيوفر مساكن بديلة لاهالى العشوائيات" . الارملة الطروب بعد كبرها فى السن مازالت تحلم بجمع مبلغ مالى لترميم شروخ الحجرة اما "صديقة عبد الرحيم"- 60 عاما - تلك الارملة الطروب ،التى تمثل كل ست مصرية التى تتحمل اعباء اسرتها وهموم اولادها قبل الزواج وبعده ،رغم ضالة حجمها ،وملامح وجهها المرهق المتعب ،ويداها الخشنة ولكنها افضل من الاف الايدى الناعمة التى تسرق وتنهب وتهمل حقوق مواطنيها ،تعرفت "البديل" على كفاحها المرير . قالت انها جاءت فى العشش منذ اكثر 15عاما ،ولديها اربعة بنات وولد ، وتعيش هى وابنتها المطلقتين فى غرفة واحدة ،كما تقوم بتربية حفيدتها لابنها ،بعدما انفصل عن زوجته وتخلت عنها امها ،ومن ثم ورغم كبر سنها، نزلت للعمل حتى تنفق على هذه العائلات العائدة اليها واصبحوا تحت مسئوليتها ،مما دفعها للعمل في جمع الاوراق والكراتين وزجاجات المياه الغازية من القمامة ليعاد تدوريها فى المصانع البدائية ، وحتى تستطيع ادخار مبلغ من المال يكفيها لترميم شروخ حجرتها التى تحتمى بها مع بناتها . وتتخوف "صديقة" من سقوط جدران المنزل على رأسها ،وتعرضه للخطر ،خاصة بعد ان سقطت الاسقف ،وبعد ان اصبحت تحتمى بدولاب الملابس لتنكس به الجدران المشروخة ،وكل طموحها بعد ان فقدت الامل فى ان الدولة ستقوم بنقلهم الى مساكن جديدة ،ان يتم مساعدتها بشكل خيرى لاعادة بناء غرفتها التى تحتمى فيها مع بناتها المطلقات. وفى نهاية جولة البديل تذكرت شعارالثورة "عيش ..حرية ..عدالة اجتماعية ..كرامة انسانية " وتاكدت ان المشوار لا زال طويلا... من أهم علامات الصيف فى العشش هجوم العقارب والثعابين