الاسم:عشش "ابو السعود" لكن الواقع لا يمت بصلة للسعادة المكان: حى مصر القديمة لكن الواقع يعبرعن مصر قبل الميلاد. الزمان: متوقف حتى اشعار آخر يعلن فيه المسئولين احترامهم للمواطن المصرى، وان من حقه على هذه الدولة –اذا كانت هناك دولة - ان توفر له السكن والحياة الكريمة بدلا من الذل والامتهان الذى هو عليه . الحالة: "لاتسر عدو ولا حبيب "، آلاف من الأسر تحتمى بجدران على وشك السقوط، فشروخ الحوائط يمكنها ان تمرر قطة من شدة اتساعها، والغرفة الواحدة يعيش بها ستة أفراد،فهى غرفة متعددة الاغراض، تستخدم للنوم والمعيشة وكمطبخ وحمام. تجولت "البديل" من عشة الى اخرى تستمع الى مشكلات سكانها وتشاركهم ولو لبعض ساعات أوجاعهم وآلامهم وامالهم فى نفس الوقت، فبالرغم من قسوة الظروف الا انهم اناس مازال لديهم امل فى صلاح الاحوال وانعدال "المايلة " . بدأت الرحلة من طريق متسع يقع على ناصيته مركز شباب ابو السعود الخاوى على عروشه بطبيعة الحال، فأبوابه المهدمة وأكوام القمامة التى تتكدس أمامه تؤكد لك انه لامكان للترفيه او تنفيس الطاقات السلبية لدى أطفال وشباب هذه المنطقة العشوائية ، ومن ثم لا تتعجب عندما تجد أن يكون المنتج الشبابى لهذه العشش من متعاطى المخدرات والبلطجية ،ثم اخذ الشارع يضيق أكثر فأكثر لتجد نفسك داخل احد انفاق غزة ولكنه من فوق الارض ،فمن كثرة ضيق الازقة التى تكاد تلتحم اسقف بيوتها وعششها ببعضها البعض يجعلك تتصور انك تدخل فى نفق كبير. وعود المسئولين مجرد "طق حنك " قابلتنا هذه السيدة الصعيدية تفترش احد الطرقات امام باب عشتها تغطى وجهها ابتسامة عريضة رغم هيئتها البسيطة ،وبكل ود وترحاب قالت "ام احمد " اتفضلوا وتحملت مشقة القيام حتى تحضر لنا كرسى نجلس عليه، وبمنتهى الامل والتفاؤل اعتقدت اننا من المحافظة وقادمين لاعطائها "شقة " تنقلها من بؤس عشتها ،ولكن ما اعتقدته تبخر عندما علمت هويتنا الصحفية وتبدلت ملامح الفرحة الى خيبة امل وحسرة، قائلة "الشكوى لغير الله مذلة " ،اتصورنا كتير وطلعتونا فى الجرايد كتير ومفيش فايدة ،وبدون ان تدرى اخذت تحى قصتها رغم رفضها فى البداية . وقالت "أنا أعيش فى عشش أبو السعود من 55عاما، وتزوجت وترملت وأنجبت أولادي الثلاثة فى العشة ،والتى كانت فى البداية مجرد علب صفيح ومازال يوجد بعضه حتى الان ،وعندما تطورنا أكثر قمنا ببناء جدرانها من الطين الاخضر، ولكن هذه الجدران مع الزمن الطويل أصبحت أيلة للسقوط ،وتمددت بها الشروخ المتسعة ،بل أحيانا كثيرة يقع بعضها على أهلها ،والبعض ينجو وربنا يسترها علينا واخرين بيموتوا". وناشدت "ام احمد "الحى بإعطائهم شقق وان يحققوا وعودهم لهم بعد حصرهم اكتر من مرة ،والتى وصفت وعود المسئولين بانها "طق حنك" اى كلام مرسل ، وقالت "نفسى اعيش فى حجرة مقفولة على بدورة مياها اقضى فيها ايامى الاخيرة من حياتى بدل خروجى من باب غرفتى للذهاب الى الحمام المشترك الذى يبعد عنها" . المسئولين بيقرفوا يقابلونا فى مكاتبهم المكيفة وكأننا ريحتنا وحشة تركنا "ام احمد "مع حلمها الصغيرلنقابل "مصرية رجب" 36 عام –عاملة – وهى عائدة من عملها بوجهها الملتهب من حرارة الشمس وتحمل معها كيسا من الحلوى لاطفالها الصغار ،وقالت بحزن واعتداد بالنفس فى آن واحد "تعالوا صوروا وشوفوا عيشتنا كويس ،ووصولها للمسئولين اللى بيتهمونا بالبلطجة وبيقرفوا يقابلونا اما بنروح نشتكى فى مكاتبهم المكيفة وكاننا ريحتنا وحشة " . ابهرتنا بقوتها وطلاقة لسانها ،فهى تأخذ نصيب من اسمها فهى نموذج لاى ست مصرية من تلك 40% من الاسر التى تعولها امرأة ، وأضافت "زوجى ارزقى يعمل فى جمع الكرتون من القمامة كباقى رجال منطقة أبو السعود، ولكن عمله اليومى غير المستقر، دفعنى أن انزل للشارع وأكافح أيضا من اجل أولادي، ووجدت فرصة بإحدى المستشفيات لأكون عاملة نظافة . وتابعت مصرية وهى تستعرض لنا حال غرفتها التى تعيش فيها مع زوجها و بنتها "ايه " فى الصف الثانى الاعداى وابنها "محمد"- ثانية ابتدائى- وعندما ذكرت اسم ابنها الاكبر "ايمن "-13عاما- اغرقت عيناها بالدموع وقالت "اضطرت اطلعه من المدرسة ،ويشتغل مع عمه فى مسح الاحذية بالسيدة زينب ،عشان يساعدنا على المعيشة" ..ووقتها تدرك كيف لام تشعر بحسرة وانكسار للنفس ارتضتها على نفسها ،ولكنها مجبرة ان يذوقها فلذة كبدها. مسحت مصرية دموعها واستكملت قائلة "هل يصلح أن يكون مكان النوم هو نفسه المكان الذى نطبخ فيه ،فمطبقية الاطباق اضعها فوق السرير لاننى لا اجد مكان اخر ،وانا وابنتى ننام على الارض وزوجى وأولادي يناموا على السرير ،ورغم حقارة الغرفة الا اننا ندفع ايجار 100جنيه شهريا . اذا ارتضى مرسى لأولاده ان يعيش مثلنا سنتوقف عن مطالبنا بالنقل ويلتقت جارها "رافت أبو العز " الحديث وبعصبية شديدة متسائلا "هل يستطيع الرئيس مرسى واولاده أن يعيش مثل عيلتى وأولادى الاربعة فى غرفة واحدة ،مهددة بالانهيار، سقفها مصنوع من الخشب، فى الشتاء تصبح غارقة بالمياه ،وفى الصيف تكون مرتع للعقارب والثعابين التى تنزل من الجبال المحيطة بنا من هذه الشقوق والشروخ بالجدران". وأضاف رأفت صارخا "اريد شقة انتقل فيها انا واولادى الاربعة الايتام ،التى ماتت امهم مريضه بالكلى من سوء المعيشة وغياب النظافة، وملا المياه الملوثة بالجردال من مسافات بعيدة، مشيرا انه يخشى من هذا الاختلاط فى الغرفة بين ابنته واولاده الثلاث، حيث يرى أن غياب هذه الخصوصية مع بلوغ أولاده فى المرحلة المقبلة سيؤدى الى مخاطر كثيرة خاصة مع غياب الام وعمله طول النهار فى جمع الكرتون وصفائح المياه الغازية من الشوارع، مضيفا انه تعرف على هذه المعلومات من التليفزيون.