سلسلة طويلة من المواجهات بين البدو ورجال الشرطة، ومهما اختلف المستهدفون، فإن مطالب الخاطفين واحدة، وهي الإفراج عن ذويهم من السجناء، أيًّا كانت جريمتهم؛ مما يعتبر إحراجًا للسيادة المصرية على أراضيها؛ فهي معادلة شديدة التعقيد تلك التي تقف سيناء وأهلها في جانب منها، بينما تقف الدولة في الجانب الآخر، بعد أن تكفلت عدة أحداث غير مسئولة بتصعيد الصدام بينهما إلي درجة غير مسبوقة، ثار فيها البدو على الحكومة والأمن، ووصلت لدرجة أن تتعامل الشرطة مع البدو بقذائف " آر بي جي " في عام 2010، وما زال هذا السجال نشاهده ونسمعه على فترات قصيرة. ففي عام 2008 كانت واحدة من أعنف المواجهات بين الجانبين، حيث قام مجموعة من البدو بخطف 25 جنديًّا كانوا على متن شاحنة تابعة للشرطة المصرية وهم في طريقهم إلى معبر "العوجة" على الحدود بين مصر وإسرائيل، وكان مجموعة من البدو يستقلون ثلاث شاحنات صغيرة قد اعترضوا طريق الشاحنة الأمنية، وأجبروها على التوقف، وتم اصطحاب رجال الشرطة الذين كانوا بداخلها إلى مكان جبلي مجهول. وفي الحال أرسل وزير الداخلية حبيب العادلي 400 ضابط، وبدأت مواجهات دامية، تبادل الطرفان فيها إطلاق النار؛ مما أدى إلى مقتل ثلاثة من البدو، وإصابة بعض أفراد الشرطة، وكان السبب لهذا الحادث هو المطالبة بالإفراج عن سيدة تحتجزها الشرطة على خلفية تورط زوجها فى إطلاق النار على معاون مباحث قسم الشيخ زويد، فاحتجزتها الشرطة حتى يسلم زوجها نفسه، وهدد البدو باللجوء إلى إسرائيل إن لم يفتح تحقيق في هذه الواقعة. وحادث آخر قام به مجهولون باختطاف سائحين (بلجيكي وإسرائيلي) في شبه جزيرة سيناء، وأكدت الشرطة أن الخاطفين هم بدو مسلحون قاموا بإغلاق الطريق بشاحنتهم أمام المواطنة البلجيكية وصديقها الإسرائيلي من أصول عربية، وأجبروهما على الصعود إلى الشاحنة، ونقلوهما إلى مكان مجهول. وكشفت تحريات الشرطة أن الخاطفين أعلنوا أنهم يريدون إطلاق سراح قريب لهم مسجون بتهمة توزيع المخدرات مقابل إطلاق صراح السائحين. وفي أمر أدى لإحراج السلطات المصرية قام بدو مصريون في سيناء باختطاف 10 من أفراد قوة حفظ السلام ينتمون إلى دولة "فيجي"؛ للمطالبة بالإفراج عن أقاربهم المحتجزين في السجون، ووعدتهم الشرطة بالاستماع إلى مطالبهم ومحاولة تنفيذها؛ مما جعلهم يطلقون سراح الجنود. وقبل تلك الحادثة بشهرين أعلنت السلطات المصرية أن مجهولين وبحوزتهم أسلحة آلية قاموا باختطاف ثلاثة سائحات كوريات ومعهم مرشد مصري على بعد 30 كيلومترًا من دير سانت كاترين خلال عودتهم إلى القاهرة؛ للمطالبة بإطلاق سراح عدد من ذويهم الموقوفين لدى أجهزة الأمن. كما اختُطِف ضابط شرطة بالأمن المركزي ومجندون من قِبَل مجموعة مسلحة بالبنادق الآلية من أمام قسم طور سيناء كرهائن؛ للمساومة على الإفراج عن أحد المتهمين من البدو، والذي قام مع آخرين هاربين باختطاف سيارة مواد غذائية. وفجر يوم الخميس الماضي قام مسلحون باختطاف ثلاثة من أفراد الشرطة في منطقة الوادي الأخضر، و4 من أفراد الجيش على طريق العريش – الشيخ زويد بشمال سيناء، في واقعتين منفصلتين بفارق زمني بسيط؛ مما تسبب في حالة من الجدل بين الهدف من الخطف والجهة المسئولة عن ذلك، فأشار البعض إلى البدو، بينما اتهم آخرون الجماعات الجهادية، في حين نفت حماس صلتها بالحادث، وأغلفت الأنفاق على الفور، وحتى الآن لم يتم تخليص الجنود من المختطفين. وقال اللواء نبيل فؤاد مساعد وزير الدفاع الأسبق ل "البديل" إن الصدام بين البدو والجيش له أسباب داخلية وأخرى خارجية، وهي التي أدت إلى تفاقم المشكلة بين الطرفين، وشعور البدو بأن لهم ثأرًا عند القوات المسلحة والعكس؛ نظرًا للضحايا الذين سقطوا من الجانبين أثناء المواجهات، وأشار إلى أن الأسباب الداخلية تتلخص في أن هناك من قبض عليهم وصدرت ضدهم أحكام في عهد النظام السابق، وبالتحديد في تفجيرات طابا 2004، كما أن هناك البعض ممن قبض عليهم بدون تهم واضحة لذويهم؛ ولذلك فهم اتبعوا أساليب اختطاف جنود مصريين أو سائحين؛ للمطالبة بالإفراج عن أقاربهم. وأوضح فؤاد أنه لا يجوز الإفراج عن أي شخص صدرت ضده أحكام في قضايا إرهاب، مؤكدًا أن تنمية سيناء سبب جوهري؛ لأنها كانت خارج الحسابات والفكر المصري على مدار 30 عامًا؛ مما جعلها مهمشة، وانعكس ذلك على سكانها في أوضاعهم المعيشية ومستوى الخدمات التي تقدم لهم، لافتًا إلى أن النظام السابق كان يستخدم العنف الزائد في المواجهات، حتى وإن لم تكن تستدعي ذلك، وإذا وقعت أي أحداث فلا تتبع الأساليب القانونية، فكانت قوات الأمن تداهم منازل البدو ويقبض على ذويهم؛ مما خلف بعض الرواسب في النفس، ونتج عنها ما نراه في الفترات الأخيرة، ولم يتفهموا أن هذه المطالب المتعلقة بخطط التنمية وملف المعتقلين بدون تهم لا تنفذ حزمة واحدة. وتابع أن هناك أسبابًا خارجية وقوة تريد أن تشتت الجيش المصري؛ لأنه الجيش العربي الوحيد الذي ما زال متماسكًا، ويريدون التأثير على روحه المعنوية، كما أن الجهاديين والقاعدة يتخيلون أنه يمكنهم تكوين جماعات، وهذا أمر خيالي، إضافة إلى أن إسرائيل تتمنى انشغال الجيش عن الحدود، وفقد قدراته القتالية بعد الجهود التي يبذلها الفريق عبد الفتاح السيسي في رفع الكفاءة القتالية للجيش. وأشار إلى أن الحل في يد الرئاسة وباقي أجهزة الدولة؛ حيث إن التنمية لا بد أن تنفذ، ولكن على مدى طويل. أما الحل العاجل فهو فرض الأمن في سيناء، حتى لو تتطلب ذلك استخدام العنف؛ فلم تعد "الطبطبة" تفيد لإنهاء الأزمة، مؤكدًا أن الجيش عليه أن ينذر الخاطفين، وإن لم يسلموا الجنود، تكون هناك عملية عسكرية، ويسقط فيها من يسقط من الجانبين، ويتقبل الشعب هذا؛ حتى يعلم أي شخص أنه لن يفلت من يد القوات المسلحة، ولن يهدد الأمن العام. جدير بالذكر أن الكاتب الصحفي شريف عبد العزيز كان قد قال في وقت سابق إن الراصد لتاريخ أزمات سيناء مع الدولة يجد تاريخًا مفصليًّا وفارقًا في علاقة البدو بالدولة، هو تاريخ تفجيرات طابا في 2004، حيث قابلت الداخلية هذا الحادث بعنف غير مسبوق ضد البدو، ووضعت جميع أبناء سيناء في خانة الجاني، وتعاملت على هذا الأساس، مستخدمة كل ما تملك من أدوات وأسلحة. واقتيد الآلاف منهم لمراكز التحقيق، واستعملت معهم وسائل قاسية في التحقيق، وذلك دون مراعاة الخصوصية القبلية للبدوي الذي لا يصبر مطلقًا على أمثال هذه الممارسات، ووصلت حدة التصعيد الأمني للبيوت والعائلات، وهي أماكن مقدسة وخطوط حمراء عند البدوي، لا يقبل انتهاكها مهما كانت المبررات؛ ومن ثم كان الصدام الكبير بين قبائل البدو والأجهزة الأمنية. وأضاف أن التصعيد الأمني من جانب وزارة الداخلية أنتج فصامًا نكدًا بين قبائل البدو ووزارة الداخلية؛ بسبب الانتهاكات التي تقوم بها الشرطة ضده؛ مما أدى إلى فقدان الثقة في الجميع، دولة وشرطة وشيوخ قبائل عينتهم الأجهزة الأمنية واستخدمتهم لجمع أبناء القبائل وحبسهم على ذمة قضية تفجيرات طابا. مساعد وزير الدفاع الأسبق: على الجيش أن يقوم بعملية عسكرية لتحرير المختطفين انتهاكات الشرطة ضد البدو أدت إلى فقدان ثقتهم في الجميع شريف عبد العزيز: تفجيرات طابا تمثل تاريخًا مفصليًّا وفارقًا في علاقة البدو بالدولة