عمد نظام مبارك خلال عقود من حكمه إلى استخدام فزاعة التيار الإسلامي وبشكل خاص "جماعة الإخوان المسلمين" باعتبارها الوريث الوحيد لعرشه في حالة رغبة المجتمع المصري أو الدولي في التغيير، واستطاعت هذه الفكرة جذب العديد من نخبة التيار المدني التي أعلنتها صريحة وقتئذ "نار الدولة ولا جنة الإخوان"، ولكن الوضع قد تغير منذ بدايات الألفية الجديدة وانخراط عدد من الشباب في العمل العام واهتمامهم بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتبادلهم الأفكار مع أبناء نفس الجيل مع نشأة مواقع التواصل الاجتماعي، حيث خلق الشباب بصيصا من النور في بديل مدني طموح لديه الجرأة على معارضة مبارك ولا يخشى سطوة الجماعات الإسلامية. انفتحت طاقة النور على مصراعيها أمام هذا الجيل في 25 يناير 2011 بعد أن استطاع أن يصوغ رؤيته لإصلاح المجتمع في شعارات واضحة تبنتها ملايين المصريين وخرجوا يحملونها في 28 يناير ليكسروا داخلية مبارك ويسطروا صفحة جديدة في تاريخ الوطن يقودها شباب على استعداد دائم لبذل دماهم وأرواحهم في سبيل نصرة قضيتهم ،مما أجبر الخصمين الأصيلين "الدولة والإخوان" على التراجع عن المشهد وإخلاء الساحة لهم . سرعان ما اصطدمت القوى الثورية الشبابية بالواقع بعد أن اتفق الخصمان على القضاء على الثورة ووأد الوليد في مهده قبل أن يبلغ الحلم ويصير خطرا على رغبتهم في السلطة، وكانت التجربة الأولى في استفتاء 19 مارس 2011 ثم توالت الضربات من التيار الإسلامي والنظام القديم في عهد المجلس العسكري لتشويه صورة الشباب الثوري والثورة ككل رغبة منهم في عودة المشهد إلى ما قبل الثورة من حيث صراع بين النظام القديم والإخوان المسلمين على السلطة ويعود الشعب المصري الذي استحضره الشباب إلى مقاعد المتفرجين بعيدا عن أي مشاركة فاعلة، وكانت النتيجة الطبيعية هي جولة إعادة للانتخابات الرئاسية لا يد للثورة فيها بعد أن عاد المشهد كما كان النظام القديم بكل قوته أمام الجماعة ومواليها من تيار الإسلام السياسي، وانقسم الثوار بين مؤيد للمرشح الإسلامي ومقاطع . وكانت الانتخابات تقريباً هي أخر موقف واضح للقوى الثورية حيث بدأت تختفي من المشهد تدريجيا واتجه الشباب إلى بناء مؤسسات حزبية والتحول من العمل النضالي الثوري إلى العمل السياسي، واحتل المشهد نخبة قديمة ذات أفكار بالية وعقليات ضحلة ساعدت الجماعة فيما كانت تصبو إليه من تحويل الاستقطاب داخل المجتمع من منحاز إلى شعارات الثورة من حرية وعدل وكرامة إلى استقطاب من نوع مختلف إسلامي ومدني، حيث ساهمت "جبهة الإنقاذ" المتصدرة المشهد وقتذاك في إعادة الحياة إلى رموز من زمن البائد واعتلى منصات ميدان التحرير أفراد هم أبعد الناس عنه مبررة ذلك بالاصطفاف الوطني في مواجهة الفاشية الدينية، ثم منيت هي الأخرى بهزيمة في معركة الدستور أبعدتها تماما عن المشهد. وعادت الساحة الآن خالية إلا من جماعة الإخوان التي بدأت في تقليم أظفار حلفاؤها بعد أن اطمأنت إلى سكون الشارع، والقوات المسلحة التي تحارب بكل قوة للحصول على كافة الامتيازات الممكنة من النظام مقابل السكوت عن ممارسات الجماعة والتمسك بخيار الصندوق الانتخابي، كما تعالت الأصوات التي تنادي بعودة العسكر إلى الحكم وعودة الوضع إلى ما كان عليه قبل ثورة يناير. بعد شهور من السكون كسر الحالة عدد من الشباب الذين دشنوا حملة "هنحررهم" و"تمرد" والتي أعادت الروح إلى العديد من النشطاء بعد الزخم الشعبي للحملة وتقبل الشارع لها والتي أحدثت تمهيدا جيد جدا للشارع لعودة شباب الثورة بشكل ما الى المشهد السياسي عن طريق طرح مشروع بديل لمشروع الإخوان المسلمين ومشروع النظام القديم . على الشباب بلورة رؤية واضحة للدولة المصرية التي يحلمون بها، رؤية شاملة للاقتصاد والسياسة والاجتماع والعلاقات الدولية، يجب أن يكون مشروعاً متكاملاً يحمل حلولا خلاقة لمشكلات المجتمع ويحمل انحيازات حقيقية للشعب المصري ليس لفئة ولا لطبقة بعينها، يجب أن يكون هناك موقف واضح في قضية استقلال القرار المصري ورفض الهيمنة والتبعية الأمريكية ورفض التحالف مع الكيان الصهيوني تكون منطلقه في صياغة العلاقات الخارجية للدولة المصرية، يجب أن يخلق الشباب استقطابا من نوع مختلف حول مصالح الشعب المصري وحول شعارات الثورة بمضامينها الحقيقية من حرية وعدالة وكرامة ويبتعد عن تصنيف الأفراد بين علماني وإسلامي ووسطي ومتشدد، كما يجب أن يكون لدينا توجه واضح من رفض السياسات اليمينية للإخوان المسلمين ورفض السياسات اليمينية التي تبناها بعض رموز جبهة الإنقاذ. أعتقد خروج مثل هذا المشروع للنور ليمثل البديل الثوري لإصلاح المجتمع قد يغير المعادلة تماما ويعيد الشعب إلى المعادلة السياسية بخريطة طريق واضحة يتبناها المشروع للخروج من فخ الاختيار بين الفلول والإخوان، يصوغ شعارات الثورة في مشروع سياسي واضح وجاذب لقطاعات واسعة من الجماهير تتبناه وتسعى لتنفيذه رغم أنف أصحاب المصالح من موالين للنظام القديم والجديد ونخبة بالية .