أثارت الندوة المقامة ضمن فعاليات ليالي مهرجان الخليج السينمائي في دورته السادسة حول أفاق الفيلم السعودي جدلاً كبيراً بين الحاضرين وبين شباب مخرجي المملكة.اتفق بعضهم علي انه من الاسباب الاساسية التي تعوق عرض تلك التجارب في المملكة هو عدم وجود دور عرض، بالاضافة الي عدم وجود انتاج حقيقي بسبب عدم اقدام المستثمرين علي ضخ جزء من اموالهم لتمويل انتاج الأفلام السينمائية،موضحين ان المجتمع السعودي يفضل الخروج الي المدن الخليجية الأكثر انفتاحاً مثل دبي ليمارس حقه في المشاهدة. في سياق آخر آشار المخرج السعودي الشاب بدر حمود انه قام بتجربة عرض فيلم قصير صنعه مع بعض اصدقائه، ثم قام بطرحه علي موقع اليوتيوب ليتمكن الشباب السعودي من مشاهدته، وقد حقق الفيلم نسب مشاهدة مرتفعة تجاوزت المليون مشاهد في الاسبوع الاول من طرحه علي الموقع، بينما خرجت احدي السعوديات الي السوق السينمائي العالمي بفيلمها الروائي الطويل الأول "وجدة" والذي تم تصويره بالكامل في السعودية، وهي المخرجة هيفاء المنصور،التي استطاعت ان تصنع فيلماً يجمع عددا كبيرا من المشاكل التي تواجه المرأة في المجتمع السعودي وشاركت بالفيلم في كبري مهرجانات السينما في العالم، وخرجت به من نطاق المحلية الي العالمية. رغم ان الفيلم القصير في المملكة هو الأكثر انتاجاً من حيث العدد مقارنة بالأفلام الطويلة المحدودة، الا أن تلك التجارب القصيرة لم تنضج بعد ولم تعطي نفس الأثر الذي تعطية الأفلام الطويلة، فبعض التجارب القصيرة يميل فيها حماس المخرجين الي جمع كل الأساليب الفنية والانواع الفيلمية بالاضافة في عمل واحد و الي فتح اكثر من ملف في مدة زمنية محدودة التي تحكم مدة عرض الفيلم القصير، هذا التشتت جعل بعض المخرجين يدخلون اكثر من فكرة في مدة زمنية محددة متجاهلين أهم سمات الفيلم القصير وهو تحديد فكرة او مشكلة واحدة واختزالها في مشاهد محسوبة عدداً وتأثيراً لتصل الرسالة الي المتلقي،بينما نجد بعض الافلام الاخري تبرز في صورتها تأثير المخرج بالسينما الامريكية او الاوربية، حيث يقوم بجمع كل الانواع الفيلمية في عمل واحد، فتتداخل قصص الحب مع احداث العنف ومشاهد الرعب حتي يضيع المضمون الاساسي للفيلم. كما أنه يأتي المخرج بفكرة محلية هامة لكن اقحام اسلوب الفيلم الامريكي او الاوربي عليها يفسدها،وقد يعود هذا التاثير الي سطوة السينما الامريكية علي عقل المشاهد العربي والذي انعكس في اسلوب معالجتهم لموضوعاتهم المحلية وقد يحدث هذا التنافر صدمة لدي المتلقي، كما شاهدنا في الفيلم الروائي القصير "نصف دجاجة" الذي عرض ضمن مسابقة الافلام الخليجية القصيرة هذا العام، استلهم المخرج اسلوب الافلام الصامتة وبالتحديد افلام شارل شابلن ليعرض مشكلة البطالة داخل المجتمع السعودي، لكن الفيلم قدم صورة مغايرة للفكرة عندما اختار المخرج نموذج للشاب الكسول وهو نموذج لا يصلح ان يعمم علي المجتمع هذا النموذج اطاح بالفكرة الاساسية، المخرج قتل فكرته مرتين، الأولي عندما استوحي الاسلوب الشابلني لعرض مشكلة محلية اطاحت بتأثر المشاهد بالفيلم، والمرة الاخري عندما قدم حل للمشكلة وحول الشاب العاطل الي سارق رغم اننا حتي لم نراه يهم بالبحث عن عمل. المشكلتان الأكثر ملاحظة حول الفيلم الخليجي القصير هو تأثر المخرجين الشباب بنوعية الأفلام الأمريكية وظهر هذا التاثر بشكل كبير في مشاركات هذا العام ،تحديداً في الموسيقي التصويرية التي اصبحت ركن اساسي لهذه الافلام عوضاً عن ان نوعية الموسيقي المستخدمة هي موسيقي غربية تم تركيبها علي الموضوع المحلي،واستخدم المخرج لهذه الموسيقي منذ بداية الفيلم وحتي النهاية اصاب المشاهد بالتشتت والانفصال عن المجتمع التي تدور فيه الاحداث وبين ما يسمعه من موسيقي مصاحبة للمشاهد لم تتوقف حتي النهاية. لا تتوقف العوائق التي تعوق عرض الفيلم السعودي داخل المملكة عند عدم وجود عرض سينمائي ، فالعديد من الافلام القصيرة المستقلة في مصر لا تعرض ايضا في دور العرض، لكن مخرجيها قاموا بالبحث عن سبل اخري لعرضها ، في الساحات والمراكز الثقافية وبعد الاماكن الثقافية الخاصة البعيدة عن سلطة الدولة، لكن الوضع في السعودية اكثير تعقيداً المشكلة لا تتوقف علي عدم وجود دور عرض ولكن علي تصدي المتشددين لعرضها من الاساس، مما يجعل اي مستثمر ينأي عن ضخ امواله في صناعة السينما، وقد يكون بعض الاسلاميين المتشددين في المملكة لديهم تخوفات اذا ما انتشرت صناعة السينما بدعوي انها من المحرمات، لكن اعتقد ان التخوف الأكبر المواري لهذا العنف المضاد للسينما هو الدور التحريضي الذي قد تلعبه صناعة السينما والذي قد يثير بعض القلق عند البعض، لكن السينما بكل ما تقدمه من اساليب فنيه تستطيع ايجاد مخرج لها ان كانت تناقش مواضيع حساسة او تقدم افكار تتقدم الخطوط الحمراء، وهذا ما اتسمت به الافلام الايرانية وخصوصا التي انتجت خارج سيطرة الدولة، حيث اتجهت الي الرمزية المفرطة هرباً من مقص الرقابة بعد ان فتحت موضوعات كثيرة تهاجم النظام والمجتمع الايراني، لكنها رغم ما تشهده من مضايقات امنيه الي انها مازالت مستمرة ومازال انتاجها يبهر العالم. وهذا وان كان المجتمع في الداخل يرفض عرض الافلام السعودية او غيرها في دور العرض بالمقابل يفتح المخرجين السعوديين الشباب سبل اخري لانجاز افلامهم وتكريس الامكانيات التكنولوجية الحديثة لعرضها علي اكبر عدد من الجمهور وادراجها في مهرجانات السينما الدولية.