بعد مرور 28 عامًا على إغراق سفينة "اتابيروس" نشرت صحيفة "إسرائيل هيوم" تقريرًا لها حول العملية التى وقعت فى 13 مارس عام 1985. أبحرت سفينة "اتابيروس" وهى تحمل علم "بنما" وكان من المقرر أن تصل إلى نقطة الإنزال على بعد 60 ميلًا غرب تل أبيب، وكان من المفترض أن يغادر السفنية عشرون مقاتل كوماندوز من حركة فتح بواسطة ثلاثة زوارق مطاطية مدججة بالسلاح. وحسب تخطيط المجموعة الفلسطينية فكان مفترضًا أن تتحرك الزوارق المطاطية نحو شاطئ حى "بات يام" جنوب تل أبيب، وبعد الوصل إلى "بات يام" سيغرق رجال الكوماندوز الفلسطينى الزوارق المطاطية بالبحر أو سيتم دفنها على الشاطئ. وفى شاطئ "بات يام" خطط رجال الكوماندوز للسيطرة على حافلة ركاب إسرائيلية وقيادتها نحو مقر قيادة هيئة أركان الجيش الإسرائيلى فى تل أبيب فى الساعة التاسعة صباحًا لأنه فى تلك اللحظة بحسب تقديرات حركة فتح، سيكون المئات من الجنود الإسرائيليين عائدين من قضاء إجازاتهم. وخطط المهاجمون للسيطرة على بناية وزارة الجيش أو بناية رئاسة الأركان والسيطرة على رهائن كثر كى يتمكنوا من تحرير 150 أسيرًا فلسطينيًا كانوا فى السجون الإسرائيلية آنذاك، وبعد ذلك كان من المقرر أن يتم توزيع المهاجمين إلى خلايا لحراسة المبنى لإحباط أى اقتحام إسرائيلى، كما خطط المهاجمون فى حالة فشل الهجوم تنفيذ هجمات إطلاق نار بهدف القتل على حد زعم ضابط إسرائيلى. وبحسب التقديرات الإسرائيلية فإن رجال الكوماندوز الفلسطينى تدربوا على تنفيذ المهمة نحوأكثر من عام قبل أن يبدأو بتنفيذ الهجوم الذى لو كتب له النجاج لكان قد حول "يوم الاستقلال الإسرائيلى" إلى يوم أسود فى تاريخها. وقال الكاتب ميخائيل يتسحاك" قائد الذارع العسكرية لحركة فتح، أبو جهاد، شخص يمثل نقطة ضعف إسرائيلية فى منتصف عقد السبعينيات، فطوّر نموذج الهجمات من البحر وهو: سفينة تقترب على شواطئ إسرائيل، ومنها ينزل مخربون عبر قوارب مطاطية صغيرة وينفذون هجمات انتقامية". الهجوم الأول وفقًا لهذا النموذج حدث فى الخامس من شهر مارس عام 1975،عندما وصل ثمانية مقاتلين عبر زوارق إلى شاطئ تل أبيب مستغلين ظلمة الليل. واقتحموا فندق سافوى المحاذى للشاطئ، فى ذلك الهجوم قتل 11 إسرائيلياً من بينهم اللواء احتياط عوزرى يآيرى الذى كان ضمن قوة الاقتحام التى كلفت بالقضاء على مقاتلى حركة فتح الذين سيطرون على مبنى الفندق. وبعد ثلاثة أعوام من ذلك التاريخ فى الحادى عشر من شهر مارس عام 1978، وصلت مجموعة كوماندوز من حركة فتح إلى شاطئ ميخال وسيطرت على حافلة متنزهين سافرت على طريق الشاطئ وفى ذلك الهجوم قتل 35 إسرائيليًا وأصيب 70 آخرون. وحتى مغادرة منظمة التحرير من لبنان كانت موانئ لبنان تستخدم نقطة الانطلاق الأساسية للمنظمات الفلسطينية لتنفيذ الهجمات ضد أهداف إسرائيلية وبعد انتقال قيادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى تونس تغير الوضع. وقال "أبو جهاد عكف على تخطيط هجوم استعراضى ضخم بهدف أن يرى العالم أن الكفاح المسلح الفلسطينى ضد إسرائيل سيستمر رغم أنه تم طرد منظمة التحرير الفلسطينية، وكان أبو جهاد يؤمن بطبخ الهجمات على نار هادئة وبشكل بطئ وطويل حتى يكون مستعدًا جيدًا ولذلك عندما اكتشفنا فى عام 1984، أن فتح اشترت سفينتين تجاريتين هما سفينة "مون لايت واتابيروس" فهمنا أن أبو جهاد يخطط لنا وجبة دسمة". فى السابع من أبريل عام 1984، غادرت أربع سفن من الصواريخ الإسرائيلية صوب شواطئ الجزائر على بعد 2900 كيلو متر من شواطئ تل أبيب، وفى عملية سميت "طريق النسر" مقاتلو البحرية الإسرائيلية حددوا مكان تواجد السفينة "مون لايت" فى ميناء عنابا شرق الجزائر، وتم تفجيرها، ولكن سفينة "اتابيروس" لم تفلح إسرائيل بتحديد مكانها وعلى الفور اعتقد الجيش الإسرائيلى أن السفينة خرجت لتنفيذ الهجوم فبدأوا بحملة مطاردة. وقال ضابط الاستخبارات الإسرائيلى المتخصص ب"مكافحة الإرهاب البحرى" "كان السؤال الكبير أين السفينة المفقودة لأنه بناء على ذلك سيتم تقدير موعد وصول السفنية إلى الشواطئ المحاذية لإسرائيل". وقدرت الاستخبارات الإسرائيلية وقوع الهجوم بالاعتماد على السفينة فى يوم التاسع عشر أو العشرين من شهر أبريل أى قبل ستة أيام من احتفال إسرائيل ب "استقلالها"، وعلى مدار أربعة أسابيع مشطت طائرات سلاح الجو الإسرائيلى البحر، فى محاولة لتحديد مكان سفينة "اتابيروس" ولم يجدوا لها أثرًا. وفى يوم الجمعة التاسع عشر من أبريل قرر قائد البحرية الإسرائيلية اللواء "شمعون مائير" البدء بأعمال البحث بحرًا عن السفينة، واستدعى قائدى سفينتين حربيتين هما الملازم "دانى هليفى" 37 عامًا قائد سفينة مولدت والنقيب "يرون تساخر" قائد سفينة مبتاح. شرعت سفينة مولدت وهى من طراز ساعر 4 بدوريات على طول الشاطئ الجنوبي "لإسرائيل" وكان على متنها طاقمها المكون من نحو خمسين مقاتلًا ومن بينهم مقاتلو بحرية بحوزتهم 13 زورقاً مطاطياً. السفنية مفتاح من طراز ساعر 2 تحت قيادة "يرون تساخر" غادرت إلى دورية فى الشاطى الشمالى، وتلقى أمرا بالخروج للبحث عن "سفنية مخربين"، وفى ساعات الليل المتأخر تعرض أحد محركات السفينة "مولدت" للعطب الأمر الذى أثار الشكوك حول قدرتها على الاستمرار بالقيام بأعمال الدورية، وقائد السفينة قرر الاستمرار بثلاثة محركات بدلًا من أربعة. فى يوم السبت عندما كانت "مولدت" جنوب عسقلان حددت عبر الرادار عدة أهداف على بعد مئات الكيلو مترات جنوب مدينة بور سعيد المصرية، بعد الظهر من نفس اليوم اقتربت "مولدت" إلى مسافة 50 كليومترًا من ميناء بورسعيد، ويقول قائد السفنية الإسرائيلية مولدت " لقد علمت أنه فى الساعة السابعة مساء من المقرر أن تغادر قافلة سفن من قناة السويس صوب بورسعيد". فى الساعة العاشرة ليلًا بدأ قائد سفينة "مولدت" بفحص السفن المتوجهة من بورسعيد صوب سوريا ولبنان وكان عدد تلك السفن 25، تم فحص المسار المتفرض وسرعة كل سفينة ووجد واحدة من تلك السفن من المفترض أن تمر بمحاذاة شاطئ تل أبيب، وفى تلك اللحظة كشف قائد السفينة لطاقمه أن تلك السفينة تقل "مخربين فلسطينين". ما حدث أن السفينة التى تقل الكوماندوز الفلسطينى من ميناء بورسعيد المصرى كانت ترافقها عن بعد سفينة "مولدت" الإسرائيلية، فى الساعة الحادية عشرة والنصف اقتربت السفينة الإسرائيلية من السفينة الفلسطينية وتبين لقائد "مولدت" أن السفينة تحمل كوماندوز من حركة فتح. فى الساعة 23:37 توجه ضابط الإشارة فى السفينة الإسرائيلية إلى سفينة "اتابيروس" عبر قناة الاتصال الدولى وطلب منه تغيير مساره والتوجه نحو شمال غرب، لكن قبطان السفينة وهو من بنما رد أنه متواجد فى المياه الإقليمية المصرية وسيواصل المسير. فى الساعة 00:30 أطقلت السفينة الإسرائيلية النار بهدف التخويف على خرطوم السفينة "اتابيروس" ولكن السفينة واصلت الإبحار فى مسارها وفجأة أطلقت قذيفة "آر بى جى" ورصاص من سلاح خفيف صوب السفينة الإسرائيلية. فتحت السفينية الإسرائيلية النار بشكل مركز وتم إطلاق 42 قذيفة صوب السفينة "اتابيروس"، ووصلت السفينة الإسرائيلية إلى الموقع الذى توقفت فيه السفينة التى تقل الفلسطينيين حيث تعرضت للغرق وعندما وصلت السفينة الإسرائيلية لاحظت وجود "مجاهدين " أحياء فى البحر وتم اعتقال ثمانية منهم. واتضح من التحقيق مع الأسرى أنهم تدربوا على هذه المهمة مدة عام كامل وأنهم تدربوا فى الجزائر، ومكث الأسرى من حركة فتح فى السجن الإسرائيلى مدة شهر واحد حيث تم الإفراج عنهم بموجب صفقة تبادل الأسرى "صفقة أحمد جبريل" فى شهر مايو عام 1985.