"دير ياسين" في ذاكرة الفلسطينيين والعرب ليست موقعًا جغرافيًّا داخل أراضي 48 وحسب، بل هي جرح نازف ورمز لجرائم الصهيونية التي ما زالت تحرم الناجين منها ولاجئيها في الضفة الغربية من زيارتها، رغم مرور 65 عامًا على المذبحة التي وقعت في البلدة. تقع قرية دير ياسين على بُعد بضعة كيلو مترات من القدس على تل يربط بينها وبين تل أبيب، وكانت القرية الواقعة قرب قرية القسطل غربي القدس، تعيش حياة آمنة هادئة، حيث يقيم بها 775 نسمة كلهم مسلمون يملكون أراضٍ زراعية، وبالقرية مسجدان ومدرستان ونادٍ للرياضة. وفي فجر 9 إبريل عام 1948م دخلت قوات الأرجون من شرق القرية وجنوبها، ودخلت قوات شتيرن من الشمال؛ ليحاصروا القرية من كل جانب ما عدا الطريق الغربي حتى يفاجئوا السكان وهم نائمون. وقد قوبل الهجوم بالمقاومة في بادئ الأمر، وهو ما أدَّى إلى مصرع 4 وجرح 40 من المهاجمين الصهاينة. ولمواجهة صمود أهل القرية، استعان المهاجمون بدعم من قوات البالماخ في أحد المعسكرات بالقرب من القدس، حيث قامت من جانبها بقصف القرية بمدافع الهاون لتسهيل مهمة المهاجمين. ومع حلول الظهيرة أصبحت القرية خالية تمامًا من أية مقاومة، فقررت قوات الأرجون وشتيرن (والحديث لميرسييون) "استخدام الأسلوب الوحيد الذي يعرفونه جيدًا، وهو الديناميت، وهكذا استولوا على القرية عن طريق تفجيرها بيتًا بيتًا، وبعد أن انتهت المتفجرات لديهم، قاموا ب "تنظيف" المكان من آخر عناصر المقاومة عن طريق القنابل والمدافع الرشاشة، حيث كانوا يطلقون النيران على كل ما يتحرك داخل المنزل من رجال، ونساء، وأطفال، وشيوخ، وأوقفوا العشرات من أهل القرية إلى الحوائط وأطلقوا النار عليهم". وقامت القوات الصهيونية بعمليات تشويه سادية (تعذيب - اعتداء - بتر أعضاء - ذبح الحوامل والمراهنة على نوع الأجنة)، وأُلقي ب 53 من الأطفال الأحياء وراء سور المدينة القديمة، واقتيد 25 من الرجال الأحياء في حافلات؛ ليطوفوا بهم داخل القدس طواف النصر على غرار الجيوش الرومانية القديمة، ثم تم إعدامهم رميًا بالرصاص، وألقيت الجثث في بئر القرية، وأُغلق بابه بإحكام لإخفاء معالم الجريمة. وبلغ عدد الضحايا في هذه المجزرة الصهيونية البشعة 250 إلى 300 شهيد بين رجل وامرأة وأطفال رضع. التقى "البديل" ببعض قادة المقاومة والفكر؛ ليحكوا لنا عن تلك المذبحة البشعة ورؤاهم تجاه هذه المذبحة.. أسامه حمدان مسئول العلاقات الدولية بحركة المقاومة الإسلامية "حماس" يقول: " لا شك أن مجزرة دير ياسين شكلت علامة فائقة فى التاريخ الفلسطينى والعدوان الصهيونى على فلسطين، وفى هذه المناسبة يجب التأكيد على ثلاث مسائل رئيسية، أولها أن هذا العدو مجرم وإرهابى قتل الأبرياء والأطفال، الرجال والنساء، واستباح الدماء؛ للحصول على الأرض، وهذا الكيان الذى يحاول البعض أن يصورة بكونه نموذجًا حضاريًّا ينتهج سياسة التطهير العرقى فى أكثر من مجزرة بحق الشعب الفلسطينى، لكن دير ياسين كانت الأكثر تميزًا بعد أن استطاع توثيقها، ولا بد فى هذه المناسبة من ملاحقة المجرمين قانونيًّا دوليًّا". وأضاف حمدان "كما أن هذا العدو عندما يمتلك القوة، فهو لا يفهم غير لغة القوة، فبعد مرور 65 عامًا على مجزرة دير ياسين أقول وبكل وضوح إنه رغم هذه المجزرة استطاع الشعب الفلسطينى بصموده وبدعم من أشقائه العرب والمسلمين، وفى القلب منهم المصريون، أن يضمد جراحة وأن يتجاوز الآلام وينطلق فى مشوار المقاومة ضد العدو، والذى بدأه فى السيتينيات حتى اليوم، بعيدًا عن الفصائل الفلسطينية المختلفة التى تعاقبت على مر التاريخ، إلا أن الشعار كان "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ولا يفل الحديد إلا الحديد"، مؤكدًا أن "المقاومة هي السبيل الوحيد لعودة الحقوق". " وأشار حمدان إلى أنه "فى هذه المناسبة علينا أربع مسئوليات رئيسية، أولها الوفاء لشهداء دير ياسين وكافة المذابح وباقى الشهداء على مر العصور الذين ضحوا بدمائهم من أجل القضية الفلسطينية، سواء من الداخل أو الخارج، وذلك الوفاء يكون من خلال التمسك بالحقوق والاستمرار فى نهج المقاومة، المسئولية الثانية هي القيام بعمل دبلوماسى لتجريم هذا العدو، خاصة وأننا نمتلك الأدوات على المستوى الدولى بجانب عملنا كمقاومين ليدفع العدو الثمن". وأكد حمدان أن "ما يحدث اليوم فى القدس هو تكرار لمجزرة دير ياسين، لكن بطريق باردة، حيث يعرض الفلسطينيون للطرد والتهجير من بيوتهم، ويحاول الصهاينة الاستيلاء على المقدسات، ولابد ألا نسمح بهذه المجزرة فى القدس؛ حتى لا يكتب عليها كما كتب فى دير ياسين، والمطلوب من الجميع فى الداخل والخارج حماية القدس من التهويد". وطالب حمدان بأن "يعاد الاعتبار لكل الشهداء فى جميع الذكريات، من خلال تسمية الشوارع والقرى والضواحى والمؤسسات بأسماء الشهداء، فقد آن الآوان لأن نعيد تذكير التاريخ؛ حتى تتعلم الأجيال المقبلة من ذكريات الشهداء الأبطال". فيما يرى إبراهيم الدراوى مدير المركز الفلسطينى للدراسات أنه "فى ذكرى مذبحة دير ياسين علينا وضع رؤية واضحة من السلطة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبو مازن تجاه المذابح التى تحدث بحق الأسرى الفلسطينيين فى السجون الإسرائيلية فى الوقت الحالى، وهو ما يدل على عدم وجود هذه الرؤية، وإنما مصالح ومنافع شخصية مع العدو الإسرائيلى، وهو ما يتجلى فى رفض دعم المقاومة الفلسطينية". وطالب الدرواى الدول العربية والإسلامية ودول الربيع العربى والجامعة العربية بوضع رؤية واضحة للاستفادة من هذه المذابح التى تتم بحق الشعب الفلسطينى. وقال "فى كل ذكرى للمحارق والمذابح الصهيونية لا يستطيع الفلسطينيون والعرب الاستفادة من هذه المناسبات؛ لعدم وجود الرؤية في هذه القضية، وتكون الاستفادة من خلال رفع قضايا قانونية دولية؛ لمحاكمة الصهاينة كمجرمى حرب"، مشيرًا إلى أنه "حتى هذه اللحظة غابت القانونية عن القضية الفلسطينية عند العرب والفلسطينيين". وتابع "لا يجب أن تمر هذه الذكرى إلا وأن تقوم المقاومة الفلسطينية بعمل تفجيرات وعمليات استشهادية أو خطف جنود إسرائيليين؛ حتى لا ينسى الشعب العالمى والعربى هذه المذبحة الدموية بحق الشعب الفلسطينى المحتل". وأوضح الدرواى أنه "آن الآوان لأن يكون لدينا رؤية استراتيجية تجاه العدو الصهيونى، خاصة فى ظل حالة الانقسام الشديدة والواضحة بين فتح وحماس وحالة التشرذم تجاه القضية الفلسطينية من قِبَل بعض الدول العربية والعالمية، وفى النهاية هذه الانقسامات تعود لصالح العدو الصهيونى". 300 شهيد بين رجل وامرأة وأطفال رضع ضحايا إجرام الصهاينة في المجزرة حمدان: ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة الدرواى: على المقاومة إحياء الذكرى بالقيام بعمليات استشهادية