تعلم الفتى آليات تحليل مضمون الخطاب السياسي للحقبتين الناصرية والساداتية منذ أن كان غراً غريراً في مقاعد الدراسة بقسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، فأهداه أستاذه الدكتور محمود خليل أول مفاتيح الدلالات اللفظية والفروق السياسية للخطاب السياسي بين عصر الزعيم الخالد الملهم والشعب المعلم وبين عصر كان يسوق لرئيس مؤمن في دولة علم وإيمان، حسنا فلكل وقت آذان ولكل عصر رجال ولكل مقام مقال.. لكن هل خطر على قلب الفتى حينها ولو لومضة من الزمن أن يتسلل (القرد) إلى الخطاب السياسي في الحقبة (الاخو مرسية). القدر المتيقن من الحقيقة، أن استشهاد الرئيس المصري محمد مرسي في إحدى المناسبات مؤخراً بمثال (القرد والقرداتي) ومن قبله ولعه بفيلم (كوكب القرود) توظيفا إعلاميًّا أو تبسيطا للغة الخطاب السياسي بلمحة طريفة تسعى لكسر القالب البروتوكولي التقليدي للخطابات والأحاديث الرئاسية المصمتة بنكات أو قفشات ساخرة ترطب الأجواء المحتقنة، ومن الظلم مقارنتها بالصورة التاريخية الآسرة للزعيم الراحل عبدالناصر وهو يعزف على أوتار خفة الدم المصرية المعروفة مصافحا قردا خلال زيارته الهند والتي استقبله شعبها بهتافات "ناصر زندباد"، بل إن السياق العام يكشف عن مأزق حاد يعيشه مرسي وجماعته في لحظة فارقة خيمت فيها أجواء خريف الغضب من اصطدام مشروع الأخونة والتمكين بظرف تاريخي لا يسمح بإعادة عقارب الساعة للوراء. لا بأس في حديث مرسي عن القرود.. فربما يكون القرد وقفزاته البهلوانية من المفردات أو الشفرات السرية للربيع العربي الذي قفز بكل شيء من مكانه ولم يدع طوبة على طوبة تبقي أطلال جدران البيت، فقفزت أنواؤه وزوابعه بالتيارات الدينية للسلطة في صندوق أميركي ، وقفزت رياحه فوق قواعد اللغة والبيان ليتحول الإرهابيين والقتلة الى ثوار ودعاة حرية، وقفزت مخططاته داخل الأوطان لتمهدها بيئة خصبة للفوضى والتقسيم والانفراط، لكن هل هي النذر بأن تتحول أمتنا إلى قفص قرود كبير تتهادى كائناته بسمع وطاعة وامتاع السيد والاتباع؟!. على أية حال، لا خيار الا أن نتابع ومن موقع المضطرين مفردات العصر الجديد وكتاب مطالعته المطور حتى الضحك، ولا بأس أن نضيف لدراسات الإعلام فصلا جديدا تمنيناه أو لم نتمناه عن فنون القفز في ربيع العصر، لكن هل سنملك وجاهة الإجابة وخفة القرود التي ستقفز على سؤال اجباري عن عصر (ديمقراطي) مزعوم ساق فنان كوميدي ساخر لمجرد انتقاده الرئيس كما جرى العرف في الديمقراطيات العريقة، أم أن ديمقراطية الكهنوت الجديدة لها قفزاتها الخاصة فوق أي أعراف أو تقاليد أو تحولات ثورية بحيث ينفجر التساؤل عن حدود الصبر على المعارضة وإمكانية تجاسر القوم على النقد اللاذع لمبارك خلال حكمه، قافزا على ثورة شعب أسقط الاستبداد بتضحيات من الدم والمال، وإلى أي مدى يمكن التعامل بجدية مع ملاحقات للمعارضين تقافزت إلى طاولة نائب عام صدر حكم قضائي بعدم شرعية تواجده في منصبه؟! وهل من مثبطات لبراكين الغضب انفجرت سخريةً من صداقة حميمة لإسرائيل بعدما ملأ معارضو الأمس الفضاء بالقدح ووعيد السحق ل "الصهيونية" والتصهين في عصر مبارك؟! ليستمر قفز القرود.. قفز ضاحك كالبكاء.. تعثر به ومنه طريق مصر والعرب في مسار تعريف الذات والبحث عنها وسط خضم عصر جديد لم يختاروا لغته أو يستكشفوا خارطته، بل وجدوا لإجابته نماذج أشبه باللوغاريتمات التي تُعجز موهبة التقليد (القرداوية)، ولتتواصل تجارب الأميركي في هذا المختبر البشري الكبير على من سقطت انسانيتهم من الحسابات فتحولوا لبيئة خصبة وهدف معلن لتجارب نزع عقولهم واستبدالها بعقول قرود، فتاهوا في مساحاتهم الضيقة وضلوا في اطرهم المظلمة واصطدموا بأسوار الأقفاص، ولا عزاء لأبسط القواعد الأخلاقية والقيمية وحتى الدينية التي تم توظيفها لإرضاء نزوات الأميركي.