ولنبدأ الكلام عن الحلاج ببعض من أبياته : والله ما طلعت شمسٌ ولا غربت إلا و حبّك مقرون بأنفاسي ولا خلوتُ إلى قوم أحدّثهم إلا و أنت حديثي بين جالسي ولا ذكرتك محزوناً و لا فَرِحا إلا و أنت بقلبي بين وسواسي ولا هممت بشرب الماء من عطش إلا رَأَيْتُ خيالاً منك في الكأس إن أصعب المواضيع التي تكتب فيها أو عنها هي شخصيات يكون هناك تباين أو اختلاف عليها،خاصة إن كان هذا الاختلاف يمس الدين من قريب أو بعيد، وقد تتهم في دينك إن كتبت عن أحد هذه الشخصيات ولكن ما يبعث على النفس الطمأنينة إننا نكتب عن الشخصية بكل حيادية وننقل الآراء كما هي بدون إبداء وجهة نظر أو رأى في الموضوع، ولنبدأ موضوعنا بتعريف ما هو الحلاج. الحسين بن منصور بن محمى، فكانوا يكاتبونه من الهند بالمغيث، ومن خراسان بأبي عبد الله الزاهد، ومن خوزستان بالشيخ حلاج الأسرار، أما عن سبب تسمية بالحلاج لأنه كان يتكلم عن ما في قلوب الناس ولذلك أطلق عليه لقب حلاج الأسرار، وقيل لان ابيه كان حلاج ، وقيل لانه عمل قطان، ويعتبر من أكثر الناس الذين اختلف في أمرهم . اكتفى البعض بتكفيره بالاعتماد على ما قيل على لسانه من أقوال أو أشعار، بينما سعى البعض إلى تبرئته بالزعم بأن ما قيل على لسانه لا أساس له من الصحة وأنه كلام مدسوس عليه. أما أتباعه من فإنهم يقدسون أقواله ويؤكدون نسبتها إليه، ولكنهم يقولون أن لها معان باطنة غير المعان الظاهرية، وأن هذه المعاني لا يفهمها سواهم. بينما جنح المستشرقون إلى تفسيرات أخرى وجعلوا منه بطلاً ثورياً شبيهاً بأساطير الغربيين وعند الشيعة: ذكره الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة في المذمومين الذين ادعوا النيابة البابية. نشأ الحلاج بقرية بإقليم فارس وترعرع فى تستر بالعراق وتتلمذ على يد سهل التسترى وصاحب ببغداد الجنيد ، وأبا الحسين النوري ، وعمرو بن عثمان المكى ، حفظ القران فى سن مبكر ، وغلبت محبة الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم على قلبه وروحه حيث كانت تغيبه عن وعيه وحسه وإدراكه وعقله . جزء من سلسلة التصوف عند الحلاج جهاد في سبيل إحقاق الحق، وليس مسلكاً فردياً بين المتصوف والخالق فقط. لقد طور الحلاج النظرة العامة إلى التصوف، فجعله جهاداً ضد الظلم والطغيان في النفس والمجتمع ونظراً لما لتلك الدعوة من تأثير على السلطة السياسية الحاكمة في حينه. وقد ذاعت شهرته وأخباره وراج أمره عند كثير من الناس، حتى وصلت لوزير المقتدر بالله الخليفة العباسي ولم ترضي الفقيه محمد بن داود قاضي بغداد، فقد رآها متعارضة مع تعاليم الإسلام حسب رؤيته لها، فرفع أمر الحلاج إلى القضاء طالباً محاكمته أمام الناس والفقهاء. وقال عنه د.علي ثويني معمار وباحث - ستوكهولم لقد كان صوفيا ثائرا وربما استثنائيا بما وسم به الصوفية من الدعة والخنوع و"الدعوى للسلطان بطول العمر" . وتداخل لديه الإيمان مع الاحتكام الى المعرفة والإصلاح الاجتماعي والسياسي للدولة وكان يبشر بفكرة الحكومة المثالية . فانبرى بعض أقطاب الدولة بمهاجمته ثم أدانته بما ذهب إليه ثم رميه في غياهب السجن . ولم يطُلْ ذلك بسبب تدخل محبيه من ذوي التأثير وعلى رأسهم (والدة الخليفة المقتدر بالله) قالت عنه بأنه( مجاب الدعوة).فتحول بذلك سجنه الى إقامة جبرية في بيته يستثنى منها إقامته الصلاة والحلقات الدراسية في جامع المنصور في بغداد المدورة (الكرخية الأولى) قبل أن تتوسع وتنتقل الى الرصافة.وبدأ يتردد على بلاط الخليفة ويعظه ويحيط بمجالسه خلق كثير. ونتيجة لوشايات حاشية الخليفة وعيونهم المبثوثة في كل ركن بدعم الوزير حامد وبعض الشيوخ من فقهاء بغداد التي تحركهم غرائز الغيرة منه .فحوكم والبس التهمة بالجدف والشرك وحل سفك دمه على يد القاضي أبو عمر وفي يوم الثلاثاء 24 من ذي القعدة سنة 309ه وتم تنفيذ حكم الخليفة على يد الوزير حامد ابن العباس ، وعند إخراجه لتنفيذ الحكم فيه ازدحم الناس لرؤيته ، ويقال أن سبب مقتله يكمن في إجابته على سؤال أحد الأعراب الذي سال الحلاج عن مافي جبته، فرد عليه الحلاج (ما في جبتي إلا الله) فاتهم بالزندقة وأقيم عليه الحد. ومثلما هي إصطلاحات الصوفية الخاصة بمفاهيمهم، فقد يطلق المتصوفة على كلمة الحق النابعة من دواخل النفس "بالشطحات" وتعريفها هو (كلام يترجمه اللسان عن وجد يفيض عن معدنه، مقرون بالدعوى) .وقد أودي الحلاج حتفه بسبب تلك "الشطحات" الصوفية التي لم يفهمها (أولياء الأمر) كما هو ديدنهم في عدم الفهم أو افتعال ذلك وهو الأرجح حتى أوصلو الأمم الى خواء العروش وخراب الديار وإهراق دماء عباد الله. وشطحة الحلاج هنا قوله (أنا الحق) و(ما في الجبة إلا الله) التي علق عليها لاحقا الأمام (ابوحامد الغزالي) البغدادي مبررا (إنها من فرط المحبة وشدة الوجد) . وقد كتب عن شطحة الحلاج تلك قطب الزمان الصوفي (عبدالقادر الكيلاني البغدادي) بعد قرنين (عثر الحلاج ولم يجد من يأخذ بيده، ولو أدركت زمانه لأخذت بيده). وقال عنه (أبو العباس المرسي الإسكندري): (أكره من الفقهاء خصلتين ،قولهم بكفر الحلاج ،وقولهم بموت الخضر عليه السلام ..أما الحلاج فلم يثبت عنه ما يوجب القتل،وما نقل عنه يصح تأويله.). وقد قال فيه حافظ الشيرازي شعرا (إن تصلبني الليلة ،فان دمي يخط على الأرض :أنا الحق، مثل منصور الحلاج) .لقد رفض الحلاج "التقية" التي مارسها (الشبلي) أستاذه وقدوته مما يدلل على اختلاف سجية البشر وحتى من خلال رأيهم بما آل إليه حاله ،فهذا (الصولي) يقول عنه (أنه رجل جاهل يتعاقل) ويتعاقل هذه مازال العامة في بغداد يقولونها اليوم للدلاله على المراءاة والمكابرة. قالت الدكتورة فايزه خاطر أستاذه الفلسفة الإسلامية جامعة القاهرة إن الحلاج اعتقد فى الحلول وقد انحرف عن الطريق الصحيح ويكفى الصوفية شرفا ان يكون منها المرابطين ، كما معروف ان من انتصر على الحملة الصليبية بقيادة لويس التاسع وتم أسره هم الصوفية الثلاثة ، السيد البدوى ، وإبراهيم الدسوقى ، والمرسى أبو العباس ، وكان الله يؤيدهم بالكرمات ولكنهم لم يقولوا أن الله حل فيهم . وقال الدكتور علاء أبو العزايم شيخ الطريقة العزمية ، إن الحلاج من الصوفية العظماء وعندما قال ما تعبدون تحت قدمى لم يكن يقصد الله إنما كان يقصد الذهب ومعظم كلام الحلاج كان لا يفهمه العوام، فمن كان فى عصره عجزوا عن فهمه والحلاج كان مدرسة وحده فى التصوف، ولما قال ما فى الجبة إلا الله كانت من شطحاته ولم يكن يقصد بها الحلول وإنما كان يقصد انه أصبح عبد ربانى، وكان الاختلاف على ظاهر القول وليس باطنة.