كعادة الافلام التي تتعرض لموضوع التطرف الديني في المجتمعات العربية لابد ان تقابل هذه الأعمال بكثير من الجدل كونها تضع المسئولية علي عاتق الحكومات دوماً وخصوصا في الانظمة العربية التي يعمل معظمها علي زيادة معدلات الفقر والجهل. مشكلة التطرف الديني في اي مجتمع عربي هي تطور طبيعي ناتج عن تدني مستوى الوعي في المجتمعات العربية وانتشار الفقر الذي يؤدي بدوره الي الكبت الذي ينتج عنه عنف عشوائي، واذا أضفنا اليه الجهل ايضا وتهميش دور الشباب في المجتمعات العربية التي تسعي للحفاظ علي انظمتها بإقصاء الاجيال الجديدة يصبح الوصول الي هذه النتيجة حتمي، ففي السينما المصرية طرحت بعض الاعمال الدوافع التي تؤدي بالشباب الى الانخراط في التنظيمات الارهابية الجهادية وكان السبب الرئيسي هو الفقر والجهل، ليس في مصر وحسب بل في معظم المجتمعات العربية. عرض بالامس ضمن فعاليات مهرجان الاقصر للسينما الافريقية الفيلم المغربي "يا خيل الله" للمخرج نبيل عيوش، والفيلم مقتبس من رواية "نجوم سيدي مومن" لماحي بينبين من قصة حقيقية عن الهجوم الإرهابي الذي وقع في الدارالبيضاء عام 2003، حيث يتناول عيوش خلفية الاحداث التي ادت في النهاية الى هذا الهجوم من خلال قصة أخوين يعيشان في احد الاحياء العشوائية بالمغرب، حيث تقوم الشرطة بالقبض على الاخ الاكبر وتسجنه لسنوات في الوقت الذي يشب الاخ الاصغر وسط مناخ غارق في التطرف والفساد، داخل هذا الحي العشوائي الذي حبس المخرج نبيل عيوش انفاسنا داخله طوال عرض الفيلم، لم تخرج الكاميرا تقريبا من بين صفائح هذه البيئة العشوائية التي ينفصل سكانها عن زهو المدينة الكبيرة طوال الاحداث سوي في المشهد الاخير الذي قام فيه هؤلاء الشباب بعدد من التفجيرات وسط المدينة، وعمد عيوش الي جعل حركة الكاميرا حرة تتجول في كل زاوية من اسفل الي اعلي ،خلال سرد تفاصيل الحياة اليومية لسكان الحي العشوائي ليؤكد عزل هذه المناطق بسكانها عن الدولة، وتبدأ الاحداث بمباراة كرة قدم لعدد من الاطفال والتي تتطور الى شجار فيما بينهما، ونري تطور هذه الشخصيات من فترة الطفولة وحتي الشباب، كل يسلك طريقه داخل الحي العشوائي، فهناك من يتجه الي تجارة المخدرات واخر يقتل صاحب الورشة التي يعمل بها مع صاحبه ويؤكد الفيلم علي غياب دور الدولة في دعم هذه القطاع المنسي وكأن حياته ووجوده منفصل عن الدولة او لكان هذا المجتمع العشوائي صفة وفعلا يمثل دولة داخل الدولة، الامن فيها معدوم ولم يظهر سوى بعض افراد الشرطة التي نراها تفرض إتاواة علي تاجر المخدرات او لتقبض علي من تشتبه انه ينتمي لخلية جهادية، انه المناخ المناسب لتنبت فيه بذرة اي تطرف وليس فقط التطرف الديني ولكن التطرف الاخلاقي والجنسي. يقدم لنا نبيل عيوش ما يكفي من الشرح لمفردات حياة هذه الطبقة لنخلص في النهاية الي الطريقة التي تسمح للجهاديين باختراق عقل واحلام هؤلاء الشباب للسيطرة علي افكارهم وزرع ما تيسر لهم من الاوهام داخلهم، بداية من دفعهم الي الايمان انهم "خيل الله" على الارض، وحتى التضحية بحياتهم من اجل الجنة التي وعدهم بها زعيم التنظيم الجهادي. عرض الفيلم ضمن فعاليات مهرجان كان العام الماضي في برنامج "نظرة خاصة"، وقد فاز الفيلم ايضا بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في الدورة 27 للمهرجان الدولي للفيلم الفرنكفوني بنامور في بلجيكا،وجائزة "فرانسوا شالي" من مهرجان كان، والجائزة الكبرى للأسبوع الدولي للسينما في اسبانيا، وجائزة أفضل مخرج عربي في مهرجان الدوحة ترابيكا. المخرج نبيل عيوش ولد في باريس في عام 1969، واخرج عدة أفلام نالت اعجاب الجمهور والنقاد، منها فيلم "أرضي"٬ وهو فيلم وثائقي حول الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني٬ الذي تم عرضه في العديد من المهرجانات الدولية وحاز عدة جوائز خصوصا في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة (جائزة أفضل مونتاج وجائزة أفضل موسيقى)، كما أنتج عيوش أفلاما أخرى لقيت شهرة واسعة في مختلف المهرجانات العالمية منها " مكتوب" و علي زاوا" اللذين مثلا المغرب في جوائز الاوسكار عامي 1998 و 2001 أخبار مصر – البديل