تعرضت ثورة يناير العظيمة لخيانات عديدة، كان أولها متمثلاً فى هرولة من قادة الأحزاب التقليدية / الكرتونية التى نشأت وتربت فى ظل نظام مبارك، والتى لم تكن تسعى لثورة ولا تحمل أى جينات لمشاعر ثورية، إلى الحوار والترتيب مع عمر سليمان بينما كان الثوار يموتون فى الميادين، ومثلهم فعل قادة تيار اليمين المتشدد - تيار الإسلام السياسى - وكانت جماعة الإخوان المسلمين أول من أفصح عن نواياه عندما خرج سعد الكتاتنى وقتها عبر شاشة قناة الجزيرة و أشاد بلقاء عمر سليمان وأكد على أن الجماعة ترحب بمساعيه وأنها تريد احترام الشرعية ! وعندما وقعت مجزرة "موقعة الجمل" سقطت أخر ورقة توت كان يحتمى بها نظام مبارك وتأكد للثوار أن كل محاولات الحوار إن هى إلا مسكنات لهم ريثما يستعيد النظام ترتيب نفسه للانقضاض عليهم وإبادتهم، وعندما استمات الشرفاء فى الدفاع عن ثورتهم/ حلمهم تم إسقاط النظام وأسدل الستار على حلم التوريث الذى أدى إلى هذه النهاية المأساوية لمبارك. ولم يلبث الإخوان وحلفائهم أن أسرعوا فى التحالف مع المجلس العسكرى وتبعتهم بقية الأحزاب الهشة التى أدركت أن وجودها مرهون بالسلطة وأن النظام – أى نظام – هو الذى يضمن لها البقاء، وأسفرت تجربة مجلس الشعب المنحل عن الوجه القبيح للإخوان ولتيارهم السياسى، حيث باعوا الثورة وخانوا الثوار وتاجروا بدم الشهداء فتركوا الشباب يموتون فى محمد محمود ومجلس الوزراء ونهشوا فى عرض أشرف فتيات مصر حين نزلن إلى الميادين للدفاع عن المسار الثورى ومقاومة مساعى العسكر للالتفات على الثورة ، وللأسف لم يكن الإخوان وحدهم هم من خانوا الثورة بل خانها الجميع وتركوا الثوار الحقيقيين يواجهون استبداد وديكتاتورية المجلس العسكرى وفقد الوطن خيرة أبنائه على يد خير جنود الأرض!. ولو ظللت أعدد الخيانات فلن تكفى مئات الصفحات لإحصائها، لكن المؤكد فى مصر الآن أن الساسة التقليديون الذين تربوا على فكر المناورات وعلى مبدأ الصفقات والذين اعتادوا إبرام الاتفاقات فى الغرف المغلقة والإطاحة بكل من يقف فى طريق طموحهم السياسى، هم من يخونون الثورة و يبيعون دم الشهيد، وهم من يتركون البلاد تُجر لهوة سحيقة من التيه، الثوار الحقيقيون الآن إما مقتولون أو مسحولون أو مختطفون أو مختفون أو يتم تكفيرهم وتخوينهم أو يائسون محبطون، الثوار الحقيقيون الذين خرجوا حاملين أرواحهم فوق أكفهم يشاهدون الآن سرقتهم وسرقة حلمهم وثورتهم، يتعرضون لأقسى أشكال التنكيل والتعذيب بسبب قيامهم بثورة عظيمة شامخة كثورة يناير. لقد فعل نظام مرسى – المنتخب – الذى أتى عقب ثورة شعبية والذى جلس على كرسيه بمباركة الثوار فى ستة سبعة أشهر فقط جرائم فاقت بمراحل ما قام به نظام مبارك على مدار ثلاثين عاما كاملة ،لقد تم تسليم مصر لفصيل ظل يعانى من الشعور بالاضطهاد لسنوات طويلة، فصيل تربى على فكر التآمر وعلى ثقافة الإقصاء ونفى الآخر، كان لزاما على الشعب المصرى أن يُخضع جماعة الإخوان وحلفائها من تيارات اليمين المتطرف لبرنامج علاج نفسى تأهيلى يجعلهم قادرين على التصدر للحكم، لقد خرجت هذه النماذج من سجون أنفسها ومن سجون عقدها ومن غياهب حقدها لتحكم وتحاكم المصريين على حبهم للحياة والحرية، كان لزاما على الشعب المصرى ألا يبقى هذه الجماعة يوما واحدا فى السلطة بعدما سمح بقتل خيرة بنيه تحت أسوار قصر الرئاسة وعلى يد ميليشياتها، لقد اقترف محمد مرسى جرائم ستؤدى به وبجماعته إلى المحاكمة والسجن إن عاجلا أو آجلاً، لكن الأكثر من الإخوان إجراما وقبحا فى رأيي هم أولئك الذين يتخذون من الثورة ومن الثوار مطية لتحقيق مآرب سياسية رخيصة، وربما كان أيمن نور أكثر هؤلاء صدقا مع نفسه واتساقا مع ذاته فالرجل أظهر حقيقة مسعاه منذ البداية ولم يرتدى قناعا يخفى به حقيقته، وهو الآن يقوم بدور المحلل لهذا النظام المجرم الذى سينتهى لا محالة. الثوار خانهم الساسة نجوم الفضائيات، الذين يتصدرون المشهد الإعلامي دائما والذين يطلون علينا بياقاتهم البيضاء وابتسامتهم المرسومة ونظرياتهم العقيمة، والتى هى إعادة اجترار لما قالوه فى ظل مبارك ولكن هذه المرة مع إضافة بعض التوابل الثورية والإضافات الخطابية، والمدقق فى الدور الذى يقوم به رئيس حزب الوفد لن يجده يختلف كثيرا عما يقوم به رئيس أى حزب آخر من حلفاء الإخوان! بل المفارقة أن حزب النور السلفى والذى يحسب على الإخوان، يتخذ موقفا يتسم بالشجاعة والجرأة إذا قيس بموقف هؤلاء الذين ركبوا موجة الثورة وضحوا بخيرة شبابها. لقد بدأت موجة العصيان المدنى يوم أمس 17 فبراير فى مدينة بورسعيد الباسلة، ولو أن هناك سياسيا واحدا يحترم نفسه لدعا الآن للاحتشاد والوقوف خلف الثوار وإعلان العصيان المدنى العام فى مصر كلها حتى إسقاط هذا النظام الذى يسعى لاستئصال شآفة المصريين وتحويل البلاد لسجن كبير يتحكم فيه المهووسون المحملون بكراهية شديدة للجميع، وعلى الثوار الحقيقيين ألا يقامروا على سياسى أو حزب، تستوي فى ذلك الأحزاب القديمة والحديثة، وعلى من صنع الثورة وحطم أصنام الاستبداد أن يكمل الطريق حتى إسقاط دولة الكذب والمتاجرة بالدين والوطن . Comment *