إن المرء ليعجب وتتلبسه الدهشة حين يستمع إلى أحد كوادر الإخوان أو السلفيين يتحدث عن الثورة وعن الفعل الثورى، ومبعث الدهشة يرجع إلى أن المتابع لأدبيات الإخوان مثلاً منذ نشأتها فى عشرينيات القرن الماضى سيجد أنهم دائما يقدمون أنفسهم على أساس أنهم جماعة دعوية إصلاحية ولهذا كانت مواقفهم باهتة ومحايدة فى كثير من الأحيان، بل لقد اتخذوا موقفاً مؤازراً لمستبد مثل إسماعيل صدقى حين وضع دستوراً مستبداً عام 1930 هذا فى الوقت الذى حاربت فيه جميع القوى السياسية هذا الدستور ؟! لكن هذا هو دأب الإخوان دوماً فى تقربهم من السلطة وفى تحالفهم مع أى نظام مادام سيقدم لهم الثمن - ولعلنا لا ننسى تصريحات المرشد السابق مهدى عاكف الذى عبر فيها عن تقديره لمبارك ورغبته فى لقائه، وأيضاً موافقة المرشد الحالى محمد بديع على مشروع التوريث كما لا ننسى تصريحات القيادى – وقتها – بالجماعة محمد مرسى والذى أعلن أن كوادر الإخوان لن تترشح أمام رموز الحزب الوطنى فى دوائرهم الانتخابية لأنهم رموز وطنية ؟!،ولقد امتدت العدوى أيضاً إلى حلفائهم من السلفيين مما جعلهم يغيرون فى نهجهم بشكل كبير، فبعدما كانوا يروجون لعدم جواز الخروج على الحاكم حتى ولو جار - ومبعث ذلك أن السلفية الوهابية كانت الغطاء الدينى لمغامر ، ابن سعود، كان يسعى وقتها لتكوين دولة من شتات قبائل الحجاز ، وفيما بعد بسنوات نجح حفيده فى عمل ذلك وسميت الحجاز على اسم العائلة فى سابقة غريبة وفريدة من نوعها ، واستمر نفس دور دعاة الوهابية فى التكريس لتقديس الحاكم ووضعه فى مكانة لا تسمح لأحد بمعارضته أو بمجرد التفكير فى انتقاده – وعقب ثورة يناير 2011 حدث تغير جوهرى فى الخطاب الإعلامي للإخوان وبدءوا يستخدمون مصطلح الثورة والثوار وأصبغوا على أنفسهم صفة الثورية مع أنهم ليسوا ثواراً فى الحقيقة، فلقد لحق الإخوان وحلفائهم بالعربة الأخيرة لقطار الثورة وسرعان ما غادروا القطار سريعاً حين جلسوا مع عمر سليمان، ثم بعد ذلك تعاونوا مع العسكر على إجهاض الثورة وسرقتها، ومن الغريب أنهم استخدموا فى الترويج لاستفتاء مارس 2011 نفس المنهج الذى يروجون به للدستور الذى كتب بليل والذى اختلفت حوله كافة القوى الثورية – الثورية بحق - . ولبراجماتية الإخوان بصمة واضحة منذ ثورة يناير فنجدهم يضعون الثورة فى الثلاجة ثم يستدعونها حين الحاجة أو عند الطلب ، فهم ثوريون حين يخوضون انتخابات البرلمان لكنهم بعد ذلك تركوا الثوار يموتون فى محمد محمود وقالوا عنهم بلطجية ! وشغلوا بكعكة مجلس الشعب وصرح رئيس حزب الحرية والعدالة – الذراع السياسى للإخوان – وقتها محمد مرسى بأنه لا شرعية للميدان وأن الشرعية للبرلمان ؟!ثم بعد ذلك وإبان انتخابات الرئاسة فوجئنا بأن الدكتور مرسى قد أصبح الرئيس الثائر !!. وبعد استقراره فوق كرسى الحكم أسفر مرسى وجماعته عن وجههم الحقيقى، فرأيناهم يسيرون على نفس خطى النظام القديم ويسعون لتكريس استبداد جديد لكن هذه المرة بصك كاذب للثورة ، ومنذ حواره التليفزيونى الذى أذيع عقب الإعلان الدستورى الكارثى الذى أصدره الرئيس فى نوفمبر، والذى أعلن فيه أن الشرعية الثورية انتهت وأننا الآن فى مرحلة الشرعية الشعبية ملمحا لأنه الرئيس المنتخب، منذ ذلك الوقت ونحن نرى تصاعد الرفض الشعبى والكراهية للإخوان ولسياستهم ، ويستمر مسلسل الخداع والتدليس وتواصل الجماعة ارتداء قناع الثورة حين الحاجة إليه ثم خلعه بعد ذلك مباشرة بمجرد انتهاء الغرض منه . ثم كان مشهد جلسة الحوار العبثى الذى دعمته مؤسسة الرئاسة والذى ضم وجوها من تيارات الإسلام السياسى – حلفاء النظام – وبعض الوجوه الأخرى التى تحسب على التيار المدنى والتى كانت تُقدم على أساس أنها ثورية ولعل أبرزها هو أيمن نور ، السياسى الذى لمع نجمه منذ إحرازه نتيجة غير متوقعة فى انتخابات الرئاسة عام 2005 والذى نُكل به بسببها بعد ذلك فسجن وقيدت حريته ، والكاتب وائل قنديل ،الذى سطع نجمه عبر صفحات جريدة العربى التى يصدرها الحزب العربى الناصرى ، وكان قنديل من أبرز كتابها وأكثرهم جرأة ونقدا لنظام مبارك ، لكننا وجدناه يقترب بشكل أو بآخر من مربع السياسة والنجومية الإعلامية على حساب الكتابة التى هى أكثر أهمية وأعظم تأثيرا من ألعاب السياسة ومخططاتها ، وغيرهم كثيرين أرادوا أن يسهموا فى رأب الصدع فى الشارع السياسى المصرى ، لكنهم خدعوا واستدرجوا إلى حوار لا صدى له ولا طائل منه ، لكنه أظهر حقيقة هذه الشخصيات وأسقط أقنعة لطالما رأيناهم من خلالها . ومهما أسفرت عنه نتائج الاستفتاء الذى يجريه نظام الإخوان الآن على مشروع دستور إقصائى كارثى قسم الشعب المصرى وتسبب فى إراقة دماء المصريين ، لن يهدأ الشارع المصرى ولن تهن عزائم الثوار المخلصين لثورتهم ولبلادهم ولحلمهم ، خاصة بعدما تكشفت حقيقة الكثيرين وسقطت أقنعتهم ورأينا ثوارا تحت الطلب يرتدون قناع الثورة ويتحدثون بلغتها حين يستدعى المقام هذا، ثم ينزعون قناع الثورة ويرتدون غيره مما يلائم المقام الجديد . الثورة مستمرة ولن تهدأ قوى الثورة حتى تنجح بالفعل فى بناء دولة مدنية حديثة تناسب مصر بتاريخها وبمكانتها التى يتاجر بهما ساسة هواة سمحوا لأنفسهم بالتجارة فى كل شيء حتى أن الدين لم يسلم من هذا ، سقطت الأقنعة وذهب الثوار المزيفون إلى المكان الذى يستحقونه ، أما الثوار الحقيقيين فما زالوا يفجرون الميادين ثورة وكفاحا .. الثورة مستمرة والمجد للشهداء ، والخزى والعار للمزيفين المتاجرون بالوطن وبالثورة وبالتاريخ وبالحاضر وبالمستقبل . Comment *