في مثل هذا اليوم وبالتحديد في1فبراير 1905 ولد أديب الفلاسفة أو فيلسوف الأدباء زكي نجيب محمود ليعيش حياةً زاخرة بالفكر والأدب ليرحل عنها 8 سبتمبر 1993 تاركاً حصيلة معرفية وفكرية وأدبية وناقشاً أكبر الأثر في نفس تلاميذه ومعاصريه ولمن جاء بعده من أجيال. ولد زكي نجيب محمود في ميت الخولي عبد الله، مركز الزرقا، بمحافظة دمياط، بعد تخرجه عمل بالتدريس أكمل دراسته في إنجلترا في بعثة دراسية لنيل درجة الدكتوراة في الفلسفة، وتمكن من الحصول عليها من جامعة لندن 1947، وكانت أطروحته بعنوان"الجبر الذاتي"، وقد ترجمها تلميذه الدكتور إمام عبد الفتاح إلى العربية. نجح في تقديم أعسر الأفكار على الهضم العقلي للقارئ العربي في عبارات أدبية مشرقة، وفكّ أصعب مسائل الفلسفة وجعلها في متناول قارئ الصحيفة اليومية، واستطاع بكتاباته أن يخرج الفلسفة من بطون الكتب وأروقة المعاهد والجامعات لتؤدي دورها في الحياة, لذلك يمكن وصفه بأديب الفلاسفة أو فيلسوف الأدباء. التحق بهيئة التدريس في قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة، وظل بها حتى أحيل على التقاعد 1965م)، فعمل بها أستاذًا متفرغًا، وإلى جانب عمله الأكاديمي انتدب للعمل في وزارة الإرشاد القومي (الثقافة) وهي الوزارة التي أنشأتها حكومة الثورة، ثم سافر بعدها إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية في العام نفسه، وعمل أستاذًا زائرًا في جامعة كولومبيا بولاية كارولينا الجنوبية، وبعد أن أمضى بها الفصل الدراسي الأول انتقل إلى التدريس بجامعة بولمان بولاية واشنطن في الفصل الدراسي الثاني، ثم عمل ملحقًا ثقافيًا بالسفارة المصرية بواشنطن بين عامي 1954-1955. عهدت إليه وزارة الثقافة في عهد وزيرها محمد عبد القادر حاتم بإنشاء مجلة فكرية تعنى بالتيارات الفكرية والفلسفية المعاصرة، فأصدر مجلة "الفكر المعاصر" ورأس تحريرها ودعا كبار رجال الفكر في مصر للكتابة فيها، وشارك هو فيها بمقال شهري ثابت تحت عنوان "تيارات فلسفية"، وظل يرأس تحريرها حتى سافر إلى الكويت للعمل في جامعتها. وبعد عودته انضم إلى الصفحات الأدبية بجريدة الأهرام وشارك بمقاله الأسبوعي الذي كان ينشره على صفحاتها كل ثلاثاء، وبلغ من اهتمام الصحافة بهذه المقالة الرصينة أن خمس صحف عربية كانت تنشر هذا المقال في نفس يوم صدوره بالقاهرة. دعا زكي نجيب محمود إلى فلسفة جديدة برؤية عربية تبدأ من الجذور ولا تكتفي بها، ونادى بتجديد الفكر العربي، والاستفادة من تراثه، وقال: "إن ترك التراث كله هو انتحار حضاري؛ لأن التراث به لغتنا وآدابنا وقيمنا وجهود علمائنا وأدبائنا وفلاسفتنا"، وكان يتمنى ألا نعيش عالة علي غيرنا، إنما نشارك في هذا العالم بالأخذ والهضم والتمثيل ثم إعادة إفراز ما أخذناه مثلما فعل المسلمون حينما أخذوا العلم والفلسفة الإغريقية وهضموهما ثم أفرزوهما وزادوا عليهما زيادات مهمة. وكان يرى أيضاً أن السر وراء تخلف العالم الإسلامي المعاصر هو أنهم يكتفون بحفظ القرآن الكريم وترديده دون العمل بما يشير إليه من وجوب العلم بالكون وظواهره، فإذا تنبه المسلم بأن البحث العلمي في ظاهرالكون من ظاهرة الضوء إلى الصوت إلى الكهرباء والمغناطيسية والذرة، كل ذلك يشجع عليه ديننا، وإذا أيقن أن البحث فرض ديني، لكان المسلم الآن هو صاحب العلم وجبروته، ولكان الآن من راكبي الصاروخ وغزاة الفضاء، لكن المسلم لم يعقل ذلك كله وظن أن العبادة وحدها هي الأمر الإلهي. ودعا أيضا إلى جعل إسلامنا على النحو الذي كان عليه إسلام الأسبقين فيما يختص بالحياة العلمية، فقد كان عالم الرياضة أو الكيمياء أو الطب مسلما وعالما، بمعنى أن اهتمامه بالفرع الذي يهتم به من فروع العلم الرياضي والطبيعي كان جزءًا من إسلامه، أو بعبارة أخرى كانت العبادة عنده ذات وجهين يعبد الله بالأركان الخمسة ويبحث في خلق السماوات والأرض وما بينهما كما أمره القرآن الكريم. ترك زكي نجيب محمود أكثر من أربعين كتابا في ميادين مختلقة من الفكر والأدب والفلسفة، منها: "حياة الفكر في العالم الجديد"، "برتراند راسل، وديفيد هيوم، "والشرق الفنان"، "وقشور ولباب"، "وتجديد الفكر العربي"، "المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري"، "ورؤية إسلامية"، "وجنة العبيط"، بالإضافة الى العديد من التراجم إلى العربية منها: "محاورات أفلاطون"، "وتاريخ الفلسفة الغربية"، والمنطق "نظرية بحث". قدم زكي نجيب محمود ما يشبه سيرته الذاتية في ثلاثة كتب هي: قصة نفس، وقصة عقل، وحصاد السنين، توقف بعدها عن الكتابة، بعد أن شعر أنه أدى رسالته ولم يعد لديه جديد يقدمه، بالإضافة إلى ضعف بصره الذي اشتد عليه ومنعه من القراءة والكتابة حتى لاقى ربه. وفي قراءة لكتابه "قصة نفس" يقول الكاتب محمود الفقي" أراد زكي نجيب أن تكون ترجمة ذاتية له لكن من الباطن لا الظاهر يعني ألا يغفل الأحداث البسيطة التي قد لا يهتم بها البعض في حين أنها قد تكون عاملاً في تغيير الشخصية بل ومسار الحياة كلها. أما في كتابنا هذا فقد أبان زكي نجيب عن قيمة العقل في حياته هو ودعوته الخالدة بإعطاء العلم في حياتنا مزيدا من الاهتمام. وقد رتب زكي نجيب نشاطه على مدار السنين كما يلي: من عام 30 إلى عام 40 كان عقله يقتصر على مجرد نقل أفكار الغير ثم من 40 إلى 50 كان ينقد الحياة المصرية في مقالات مركزة ثم من 50 إلى 60 فإنه قد حشد طاقاته في التأليف للجامعة ثم من 60 إلى 70 حلل الأفكار التي شاعت في تلك الفترة ثم من 70 إلى 80 - وهي أهم ما أود التركيز عليه، وقد انصرفت همته لمحاولة البحث عن نقاط يلتقي فيها جوهر تراثنا بجوهر العصر الحاضر لإيجاد صيغة تجمعهما في وعاء ثقافي واحد. في قصة نفس يقول زكي نجيب إنه رأى شخصية يصنعها الآخرون لكن في قصة عقل رأى عقلا يصارع لصنع نفسه بنفسه". أخبار مصر - البديل زكى نجيب محمود Comment *