وردت في الآونة الأخيرة من القاهرة بعض الأخبار توحي -حتي و إن كانت بلا أدلة ملموسة- بتورط حكومة حماس في الصراع الدائر حاليا في مصر. والحقيقة أنه قد دأب نظام مبارك البائد علي استغلال تلك الطريقة ناهيك عن إعادة إحياء ملفات استيطانية فقدت بريقها داخل الكيان الصهيوني"كفكرة تهجير الفلسطينيين لسيناء"لكسب جولاته الداخلية بأقل مجهود تحت شعار نحن ندافع عن مصر في وجه الأطماع الخارجية. وهكذا أخبار قد تكون غير مهمة في الأوقات الطبيعية لكنها عظيمة التأثير في أوقات الأزمات و خصوصا في ظل حالة الضبابية التي يعيش فيها المجتمع المصري حاليا مما ينذر ببوادر أزمة. فالإعلام المصرى في ظل نظام مبارك كان قد دأب على إلصاق معاناة الفلسطينيين بهم و بأنهم هم سببها فضلا عن وصفهم بعديمى الوفاء كلما حصل شئ يعكر صفو العلاقة بين الفلسطينيين من جهة و النظام المصرى البائد من جهة أخرى، أضف إلى ذلك نزوع الأفراد فى أوقات الأزمات للتعميم و من ثم العقاب الجماعى وبالتالي أصبحت الأرضية جاهزة ومعدة لزرع بذرة الفتنة بين الشعبين. كان ما سبق استهلالا لابد منه و جرس تحذير للحكومة الفلسطينية فى غزة ألا تتورط فى الأزمة الدائرة فى مصر من قريب أو من بعيد بل إن عليها القيام ببعض الإجراءات التى من شأنها رفع الحرج عن قرابة المائة ألف لاجئ فلسطينى مقيمون فى ربوع مصر . ويتبادر إلى الذهن فورا وللتذكير قصة مشابهة لا يفصلنا عنها زمان بعيد وهي مأساة ما يقرب من ال400,000 فلسطيني طردوا من الكويت عقب انتهاء حرب الخليج الأولى. لا لشيء سوى لأنهم دفعوا ثمن موقف منظمة التحرير الفلسطينية غير المفهوم من غزو الكويت .عرفات اتخذ قرارا دفع ثمنه الأبرياء من شعبه. وأتمنى ألا تكون القيادة الحالية لحركة حماس وتحت نفس الضغوط والأجواء تسير في الاتجاه نفسه كأن التاريخ يأبى أن نتفرغ لقضيتنا المركزية. العهد القريب يحدثنا عن اتفاق مبارك- فتح غير المكتوب للحد من نمو تأثير حماس في المنطقة. المصالح الضيقة لقيادات حركة فتح والرغبة المصرية في القضاء على الإخوان لم يمنعا الشعب الفلسطيني من اختيار حماس. النظام المصري كان يعلم خطورة وجود نظام إسلامي ناجح على بوابته الشرقية. هذا الاتفاق تم بمباركة معسكر الاعتدال العربي واللجنة الرباعية وهذا التقارب تضمن الكثير من الدعم من السلطة الفلسطينية ماديا و لوجستيا حيث تم تدريب وحدات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في معسكرات مصرية استعدادا للحسم . لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن وتنقلب الطاولة على الجميع بعد سيطرة حماس على قطاع غزة في العام2007. و بعد سقوط فتح في غزة لم يلق النظام المصري بالا لفتح وتمت بمساعدة الغرب فرض حزمة إجراءات مجحفة في حق شعب غزة كان أهمها إغلاق المعابر من أجل معاقبة أهل غزة. وفي النهاية ذهبت فتح إلى رام الله وتركوا خلفهم أهل غزة يدفعون الثمن مرة أخرى بلا دواء و لا غذاء و لا كهرباء. الدرس المستخلص لصانعي القرار السياسي هو أن عليهم أن يتعلموا من الماضي . الأنظمة تأتى و تذهب و تبقى الشعوب. صانع السياسة عليه أن يراهن على الشعوب و ليس على الأنظمة. يجمع الفلسطينيين بالمصريين ما هو أكبر من أدبيات قطب و رسائل القرضاوى كما يجمع المغاربة بالجزائريين ما هو أكبر من خلاف الصحراء و العراقى بالسورى ما هو أكبر من خلافات حزبى البعث. الأخبار القادمة من القاهرة لا تبشر بالخير. فالاعتلال فى المزاج العام تجاه الإخوان يتبعه بالضرورة للأسف اعتلال تجاه سكان غزة لا لشئ سوى لربط المواطن العادى بين حماس و حركة الإخوان المسلمين فى مصر، هذا الاعتلال فى مصلحة كيان واحد وعدو واحد يعادى الجميع بكل صلف و غرور و يتركنا نقوض وحدتنا بأيدينا. وأخيرا الوقت انتهى لمثل هذه التقديرات الخاطئة، أنا أعلم جيدا أن الرئيس مرسى مهم لوجود حماس ولكن مصر هي أكثر أهمية لنضال الشعب الفلسطيني نحو الحرية، وفلسطين ينبغي أن تأتي أولا لا السياسات و المكاسب الحزبية الضيقة. أنا شخصيا أعرف شعب مصر و أعرف مقدار ما تمثله القضية الفلسطينية في عمق الهوية المصرية لكننى لا أخفي قلقي من تبعات التورط فى الأزمة الحالية فى مصر. من عاش أزمة مفاوضات السلام ورأى حزمة الإجراءات التى اتخذها الرئيس السادات فى أواخر عهده ضد الوجود الفلسطينى فى مصر يعلم كم جعلت هذه الإجراءات الحياة والعمل شبه مستحيل للسواد الأعظم من الجالية الفلسطينية فى مصر و أجبر الآلاف منهم على النزوح مجددا ناحية دول الخليج الغنية بالنفط. وختاما أرى أنه يجب على الحكومة الفلسطينية فى قطاع غزة القيام ببعض الإجراءات التطمينية التى تعكس موقفها المحايد من الوضع المتأزم فى مصر. "مصر باقية و الأنظمة إلى زوال و من يدعم المقاومة هى الشعوب و ليست الأنظمة" كلمة أهمس بها فى أذن كل صانع قرار ضع ثقتك فى الشعب فمن خلصك من مبارك لم يكن غير شعب مصر بكل طوائفه و هو من يستحق دعمك لا غيره. Comment *