من المثير للدهشة أن نتهم حماس بأن تكون لها يد أو حتى أصبع فى الاعتداء الدنىء على جنودنا فى رفح، والذى استشهد فيه 17 جندياً وأصيب خمسة، ثلاثة منهم فى حالة خطرة شباب زى الورد فقدوا حياتهم فى الدفاع عن الوطن وأخذوا على غرة وهم يتناولون طعام الإفطار.
من الظلم الإسراع باتهام حماس، ربما تكون حماس قد فقدت السيطرة على بعض العناصر الأكثر تشددا، وغزة تعانى من فترة من تواجد ملحوظ لجماعات سلفية خرجت عن سيطرة وطاعة حماس، ولذلك لا يجب أن يدفعنا الحزن أو الغضب المشروعين بالإسراع فى توجيه الشتائم أو أصابع الاتهام لحماس، ثم يقفز بعضنا إلى نتائج من نوع إغلاق المعابر تماما، وقطع يد العون إلى الفلسطينيين فى غزة.لا يجب أن نأخذ من حماس شماعة نعلق عليها أخطاء أو بالأحرى خطايا المسئولين عن حكم مصر.
فى الحقيقة نحن لدينا متهمون سياسيون بالتقصير والتحريض، ولدينا انفلات أمنى غير مسبوق فى سيناء، والأخطر لدينا رئيس لا يعرف الفارق بين دعم الفلسطينيين والتفريط فى الأمن القومى وذلك بتعريض أمن وحدود مصر وأبنائها للخطر والقتل.
ومنذ عدة أسابيع بثت وكالة أسوشيتدبرس تقريرا خطيرا عن تغيير الإجراءات المتبعة لدخول إخواننا الفلسطينيين سواء من المعابر أو المطارات، وكان من بين هذه الإجراءات إلغاء ما كان يعرف بالاستعلام الأمنى ومعرفة سبب الزيارة، ولم تعلق الرئاسة على هذا التقرير لا نفيا ولا تأكيدا، ولكن الوكالة قالت فى تقريرها إنها تأكدت من بعض الفلسطينيين القادمين لمصر عبر المطار بتغيير الإجراءات.
فى البداية لسنا ضد تسهيلات أو تسييرات للإخوة فى كل فلسطين، ولكن تغيير إجراءات الدخول لمصر كان يحتاج إلى وقت وإلى استعداد من مصر وأجهزتها الأمنية والمخابراتية، بحيث لا يتسلل إلى أراضى مصر عناصر إرهابية أو فرق جهادية تأخذ من مصر أو سيناء مقرا لعملياتها، وفتح المعابر يحتاج إلى تشديد الإجراءات الأمنية، والتخلص أولا من الانفلات الأمنى فى سيناء وفى مصر كلها، وبذلك يستفيد الشعب الفلسطينى من القرار، ولا تخسر مصر شعبا وكرامة وأمناً قومياً من القرار
ويبدو أن هذا القرار اتخذ بعد آخر زيارة لإسماعيل هنية رئيس الوزراء فى حكومة غزة لمصر، ودون الإعلان عن القرار رسميا حتى التقطته الوكالة الإخبارية الأمريكية.
ولكن هناك تقريراً أخطر بثته نفس الوكالة حول لقاء للرئيس المصرى مرسى وهنية، وقالت الوكالة إن مصدراً مقرباً كشف لها عن بعض ما دار بين مرسى وهنية فى اللقاء المغلق، وبحسب التقرير فإن مرسى طلب من هنية أو بالأحرى من حماس أن تسانده بضبط الأوضاع فى غزة، ومشددا على أنه فى اختبار حقيقى حول طريقة تعامله مع المتشددين الإسلاميين فى سيناء وفى غزة، وتابعت الوكالة فى تقريرها أن هنية طلب من الرئيس المصرى التخفيف من ضغوط الحصار على أهالى غزة، وفتح المعابر للتجارة، وفى هذا الإطار أو اللقاء فقد ظهرت تصريحات بأن مصر ستمد غزة بالكهرباء والسولار.
ولاشك أن ترك غزة وأهلها تحت الحصار عمل خسيس بكل المقاييس، ولكن فتح الباب على مصراعيه عمل طائش، وبالمثل فليس مطلوباً من رئيس مصر أن يتوجه بطلبات أو يعقد صفقات مع حماس أو غيرها لينجح فى اختبار المجتمع فى تعامله مع الاسلاميين أمن مصر القومى مسئولية مصرية خالصة، ولا يجوز ربطها بدعم أهل غزة بصفة خاصة أو دعم مصر للقضية الفلسطينية بشكل عام.
فى مجال أخطائنا الداخلية فإن علاقة الرئيس الإخوانى مرسى بحماس وزيارات هنية المتكررة استفزت الكثيرين من الشعب المصرى، فمرسى يقلد الرئيس المخلوع مبارك فى انحيازه لطرف من أطراف القضية الفلسطينية، والانحياز المصرى إلى أى طرف يفقد مصر قوتها كراع وداعم لكل الفلسطينيين، وحتى القرار بمد أهلنا فى غزة بالكهرباء والسولار جاء فى توقيت سيئ، فالملايين من المصريين يعانون يوميا من انقطاع المتكرر للكهرباء بالساعات، وفى نفس الوقت تعانى مصر من أزمة حادة ومتكررة فى السولار، وتشهد طوابير تمتد لمئات الأمتار أمام محطات البنزين، وفى وسط هذا النقص فى الكهرباء والسولار، فقد واجه الكثير من المصريين الغلابة قرار مد غزة بالكهرباء والسولار باستياء ؟، ورددوا المثل الشعبى (اللى يحتاجه البيت يحرم على الجامع )، وهذا التوقيت أساء للقضية الفلسطينية، وللرئيس الجديد، وثبت صورته كراع لحماس على حساب المصريين، وليس هناك رئيس مصرى أكثر من جمال عبد الناصر أوفى عهدا وأكثر دعما للقضية الفلسطينية، بل إن الرجل دفع حياته ثمنا لمنع القتال الفلسطينى، وكانت آخر أعماله هى محاولة التوفيق بين الفصائل الفلسطينية المتناحرة.
وفى عهده قدمت مصر للفلسطينيين وطنا وتعليماً وعلاجاً وبيتا لأهل فلسطين، ولكن عبد الناصر لم يقصر فى حماية الأمن القومى المصرى، ولم يسمح لأحد الأطراف أن يفكر مجرد التفكير فى اتخاذ مصر قاعدة لأعمال ضد أى طرف فضلا عن أعمال ضد مصر وأمنها القومى، والأهم أن عبد الناصر وفر لشعبه الطعام والكهرباء والحياة الآدمية قبل أن يدعم أى شعب عربى.
فمرسى وإخوانه فى الجماعة قد ساهموا فى غضب المصريين على حماس، ومن ثم مهدوا الأرض لاتهام البعض لحماس بالتورط فى هذا الحادث الخسيس.
ولا يجب الانسياق أو الاستباق باتهام حماس، المهم الآن هو أن يتعلم الرئيس المصرى من أخطائه، وأن يدرس تجارب الرئيس والزعيم جمال عبد الناصر فى دعم القضية الفلسطينية دون الانحياز لطرف أو التفريط فى أمن مصر القومى.
هناك أفكار ومبادرات تحل أزمة حصار غزة دون الدخول فى المغامرة بأمن مصر القومى، أهل غزة لا يطلبون أرضا أو سلطاناً أو صفقات سياسية أهل غزة يرغبون فى شراء الغذاء ومتطلبات العيش والبيع لمنتجاتهم، وهذا الأمر لا يتطلب فتح المعابر سداح مداح، ولا إلغاء الإجراءات الأمنية فى الدخول لمصر، ولكنه يتطلب إنشاء منطقة تجارة حرة تمنح أهل غزة طريقاً آمناً وساعات محددة بقواعد للشراء والبيع، فلا تعاقبوا أهل غزة بأخطاء المسئولين المصريين.لا تشتموا حماس لأن الأولى أن تهاجموا الرئيس المصرى الذى يحتاج أن يعود بمصر إلى نقطة التوازن فى العلاقة مع أشقائنا فى فلسطين.نقطة تحفظ أمن مصر القومى، وتقدم العون لأهل غزة، ولكل الفلسطينيين دون انحياز لطرف على حساب طرف آخر، ودون استفزاز للمصريين بهذا الانحياز الذى يضر بأهل غزة البسطاء المحاصرين، حتى لو كان يفيد قيادات طرف فلسطينى.