مع تصاعد الأحداث وتنامى حالة الاستقطاب "السياسى والاجتماعى" والانشقاق داخل بنية المجتمع المصرى مما يرشح الأجواء للإنفجار، يتزايد الحديث عن دور القوات المسلحة، وتتصاعد الترشيحات لأن تكون هى صاحبة الكلمة الأخيرة بما تتمتع به من قوة تسليحية وبشرية تمكنها من حسم الأمور فى الداخل، هذا إلى جانب ما تتمتع به من تأييد شعبى ليس وليد اللحظة وإنما هو مغروس فى وجدان المصريين، تم بناؤه على مراحل زمنية طويلة. وأيا ما سيكون موقف النخب السياسية على الأخص "الليبرالية منها" من الرفض والقبول لعودة البدلة العسكرية إلى ميدان الحياة العامة، إلا أن كلامهم سيتوارى امام الأغلبية الشعبية التى ستؤيد المؤسسة العسكرية عند إحساسها بالخطر الداهم الذى يهدد الوطن خاصة فى ظل عجز أجهزة الأمن عن إعادة الانضباط إلى الشارع "عجز لا يتوقع منه براء". بينما يؤكد عدد غير قليل من قادة الرأى فى المجتمع المصرى أن خطورة الأحداث لن تصل إلى الحد الذى يحتّم على قوات الجيش النزول إلى الشارع، وهذا الرأى يعضده عدم وجود رغبة لدى قيادات الجيش فى لعب دور سياسى مكشوف خاصة بعد تجربة أليمة وعبثية عايشها ضباط وجنود الجيش عقب ثورة يناير متمثلة فى صدامات متتالية وقعت بينهم وبين جماعات ثورية، كذلك فهم من وجهة نظر هذا الفريق اكثر تفاهمًا مع جماعة الإخوان، وبين فريق آخر يرى أنه من المستحيل فى دولة كمصر، تعانى اخطارا خارجية وتحتاج إلى الجيش بانضباطه ومؤهلاته العلمية والبشرية فى عملية البناء الداخلية، إزاحة قياداته من الصورة التى يصطف فيها أصحاب القرار السياسى، وأنصار هذا الفريق لديهم من الحجج والشواهد ما يؤكد ان الأوضاع لن تمر بسلام وان شبح الحرب الأهلية آخذ فى التصاعد وسيصل إلى حد إراقة الدماء الكثيف فى الشوارع، وأن الدولة آخذة فى التفكك مع تجرأ غير مسبوق على المحاكم وأقسام الشرطة، ومن هنا يرون حتمية نزول الجيش بآلياته ومعداته وعناصره المدربة لإعادة الأمن، وأن الشعب عند انفجار الأمور سيلوذ حتما بالمؤسسة الأكثر انضباطاً وتماسكاً ولا يملك قاداتها -على أى شكل هم- حينها إلا النزول على رغبتهم. كما أن العلاقة مع الإخوان كما نفهمها تشهد مدًا ظهر مثلا عندما فوض الرئيس مرسى الفريق السيسى لقيادة أمور البلاد أثناء رحلته للصين رغم وجود نائب للرئيس وقتها المستشار مكي وكذلك عند منح الضبطية القضائية لرجال القوات المسلحة أثناء فترة الاستفتاء علي الدستور، وجزرًا يظهر فى المواقف المفصلية كالذى بان عند الحديث عن إمكانية تقديم المشير طنطاوى والفريق عنان للمحاكمة، أو فى أحداث الإتحادية حين جاء بيان المؤسسة العسكرية ليؤكد أنها لم تتغير وأنها ستظل دائما في صف الشعب دون الإشارة ولو بجملة واحدة إلي حمايتها للرئيس وهو ما كان بمثابة رسالة للجميع بموقف الجيش في حالة تصاعد الأحداث، ومما يزيد من الطعون فى القول بأن هناك تماهيًا وانسجامًا تامًا بين الإخوان وقيادات الجيش ما يطلق بين الحين والآخر من تصريحات كالتي هاجم فيها مرشد الجماعة القوات المسلحة وقال أن جنودها طيعون في حاجة إلي إدارة رشيدة بعد أن تولي أمرهم فاسدون، أضف إلى هذا كله تهنئة الأقباط فى بيان رسمى بعيد الميلاد، وكذلك قرار حظر تملك أو انتفاع الأراضي والعقارات الموجودة بالمناطق ذات الأهمية العسكرية, كما شمل القرار المناطق المتاخمة للحدود الشرقية لمصر، كما أن بيانات السيسى المتتالية ولقاءاته وتصريحاته تؤكد أنه سيرفض وضعية الصمت السياسى الضامن لولاء الجيش للحاكم . وبين هذا وذاك نلفت إلى أمر يغيب عند مناقشة هذه المسألة التى تطفو على السطح كلما اشتدت الأمور وتنامى الحديث عن اعمال عنف. وهو موقف القوى الدولية وعلى رأسها أمريكا ودول الإتحاد الأوروبى من عودة المؤسسة العسكرية إلى صدارة المشهد "الانقلاب العسكرى على مؤسسة الرئاسة"؟! وهو السؤال الذى يحتاج إلى مزيد من البحث والتحليل للوقوف على إجابة شافية تروى عطش السائلين - ولا أظنها موجودة - خاصة بعد عجز المحللين السياسيين عن الوقوف على المقصود بخروج الإدارة الأميركية عن صمتها فى 13 ديسمبر من العام الماضى، لتحذر أكثر من مرة خلال يومين متتاليين " الرئيس مرسي وجيشه " بأنها ترفض أي عودة إلى الأيام السيئة في عصر مبارك، وكان هذا عقب دعوة الفريق السيسي، أطياف المجتمع للحوار حول الأزمة التى كانت تعيشها البلاد فى هذا التوقيت، بعد فشل مؤسسة الرئاسة في جمع القوى المعارضة للحوار، وهى الدعوة التى اعتبرها عدد من قادة الإخوان ضربة للرئيس مرسي . على العموم المتتبع لنهج الإدارة الأمريكية فى التعامل مع هذا النوع من الانقلابات العسكرية يراه محصورًا على الغالب فى ثلاث سيناريوهات نقدمهم باختصار: الأول: تأييد الانقلاب طمعًا فى تحقيق استقرار عاجل يضمن مصالحهم الإقتصادية فى المقام الأول، ويؤكد أن النهج الذى سار عليه مبارك باقيًا كما هو، بواسطة قادة عسكريين فًرضت عليهم الوصاية الأمريكية عقب معاهدة العار "كامب ديفيد" والتسليم بان 99% من اوراق اللعبة بأيدى أمريكا، وأصبحوا مكبلين بالمعونة العسكرية التى تقدم لهم، بالإضافة إلى الملاحق الأمنية لمعاهدة السلام المزعوم التى منعت الجيش من التواجد بقوته الكاملة فى ثلثى سيناء. الثانى: التلويح والتهديد بإمكانية التدخل العسكرى نصرة للرئيس محمد مرسى لاعادة تنصيبه بحجة حماية الشرعية والديمقراطية (( وهو ما سترحب به جماعة الإخوان بل وستسعى إليه إن وجدت لدى القوى الدولية نية حقيقية إليه، وستجد ما يبرره دينيًا، ولنا فيما حدث بليبيا خير دليل حين هلل الإخوان ورحبوا بتدخل قوات الناتو للإطاحة بمعمر القذافى كخطوة نحو نهب خيرات البلد وتقسيمها وإخضاعها لسلطة الغرب الإستعمارى))، بالضبط كما تدخل الاحتلال الانجليزى فى أواخر القرن التاسع عشر لنصرة الخديوي توفيق الخائن "والذى بالمناسبة كان يملك شرعية الحكم والتى كان يهبها حينها السلطان العثمانى" الذى كان قد أحس بالخطر من ثورة الزعيم أحمد عرابى فلجأ إلى الإسكندرية طالباً من الإنجليز المتربصين بسفنهم حماية عرشه. الثالث: إزكاء نار الصدام المسلح بين الاخوان وأنصارهم من جانب وبين الجيش المصرى من جانب آخر، مع إمداد الإخوان بالأسلحة المتطورة عبر وسائط ك"قطر"، مع الإدلاء بتصريحات المقصود بها عدم حسم الموقف، مع بعض الدموع المزيفه علي الضحايا من الجانبين. ولأن هدف القوى الدولية "أمريكا وأوروبا" بالتأكيد ليس سوى مصلحتهم فالثلاث سيناريوهات قابلة للتطبيق وتحققها، فالأولى كما أشرنا تضمن مصالحهم الإقتصادية بالأساس خاصة وأنهم ضمنوا سلامة عبور سفنهم بقناة السويس وبقاء المصريين كمشترين لسلعهم التى ينتجوها، أما الثانى فهو بوضوح احتلال عسكرى يحقق لهم إمكانية إنشاء مزيد من القواعد العسكرية بالمنطقة بالإضافة إلى النهب المباشر للثروات، والثالث هو استنزاف لقوة الجيش المصرى على غرار ما يحدث للجيش السورى وإزكاء نيران التناحر وتدمير البلد داخليًا وتحطيم اى أمال فى النهضة والتقدم خدمة لمصالح الكيان الصهيونى. والثابت وفقا لفهمنا أن الشعب المصرى سيكون ظهيرا وعونًا لجيشه فى السيناريوهين الثانى والثالث وسيسانده ضد أى تدخل خارجي او فى حالة الصدام مع جماعات مسلحة، كما أنه سيكون لقوى دولية كروسيا والصين وإيران أراء بالطبع ستتعارض مع مصالح القوى الغربية، إلا أن تركيا ستقف فى صف الحلف الذى تنتمى إليه "حلف الناتو" . وأياً ما كان الحال وسواء تطورت الأحداث وصولاً إلى هذا الحد أم لا،فما نخلص إليه هو أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لا تزال حاضرة وبقوة فى أى محاولة لقراءة أو تفسير الأحداث فى مصر فحتى وإن ظن البعض أنه شأنا داخليا فخيوط أبطال هذه الأحداث تتشابك دومًا مع مصالح القوى الدولية، فمصر ما بعد الثورة بعامين لا تزال تحت الوصاية الأمريكية، ولم تخطو خطوة واحدة نحو التحرر من ذلك، ولا يزال البيت الاسود له الكلمة العليا في بلادنا، والكل متورط في ذلك بحسب طريقته. فحين يغيب المشروع الوطني والقومى تمامًا عن برنامج الإخوان "النظام الحاكم" وعن برامج قطاع واسع من معارضيهم، مع تزايد الفقر وتفشى الجهل وتفكك الدولة وغياب للسلوكيات الحضارية الوسطية، فلا تنتظر من بلد يسكنه 90 مليون إلا الانقسام والتشرذم والدفع بمصير البلاد إلى حافة الهاوية. Comment *