منذ أن وعيت على الحياة أتذكر إني بكيت 4 مرات فقط . ثلاث منها في حالات وفاة لأشخاص عرفتهم و الرابعة كان يوم فوز الأهلي على الزمالك 6-1 من الفرحة. و كلهم كانوا عبارة عن دمعتين أو ثلاث وليس أكثر من ذلك. و لكني في حياتي لم أبكي بأستمرار لمدة 6 ساعات متواصلة كما بكيت يوم فخر جيلي في الحادي عشر من فبراير 2011. في الساعة الحادية عشر صباحا بتوقيت الساحل الشرقي للولايات المتحدة رأيت السيد عمر سليمان – أو عمر أجندة كما أطلق عليه – و على وجهه عبوس الدنيا كلها , فقد نجحت الأجندات الخارجية و وجبات الكنتاكي اللي كانت على العموم من غير رز بالخلطة و بمساعدة الاجهزة السوداء التي عليها علامة تفاحة مقضومة من الخلف في أن تجبر نظام دكتاتوري كبس على قلوبنا لثلاثين عاما على الرحيل. عندما نطق بجملة (تخليه عن منصب رئيس الجمهورية) و كأني كنت أحتفظ بمخزون من البكاء على مدى سنين حياتي ثم قررت أن أفرغه فجاءة. ولم أستطع أن أبكي وحدي. فاتصلت بصديقتي سلمى الدالي فوجدتها منهمرة في البكاء و كل ما قلناه لبعضنا على التليفون (أهئ أهئ مشي يا سلمى و هي ترد :أهئ أهئ أه مشي) ثم أنهينا الأتصال لأتصل بالمتحدثة الاعلامية بإسم ثورة المصريين في الولاياتالمتحدة منى الطحاوي التي كانت في وسط لقاء على أحد المحطات الأذاعية في نيويورك و لم تكن تدري بالخبر و أبلغتها نفس الكلمتين (أهئ أهئ مشي يا منى. أنت بتتكلم جد؟ أهئ أهئ أه يا منى) ثم أنفرطت منى في البكاء في اللقاء الإذاعي. و كحال كل المصريين التي أختلطت سعادتهم الغامرة بدموع فرحتهم ظللت أرقص في مكاني و أنا غير مصدق أننا فعلناها أخيرا بعد سنيين من القهر نسينا فيها كرامتنا و عزتنا. أحس فيها شعب عملاق أنه قزم صغير لا عزة و لا كرامة له. ثم بكيت و أنا أتذكر مرات تظاهراتنا الصغيرة في ميدان التحرير و على سلم نقابة الصحفيين و الناس ينظرون لنا بأستغراب أو يضحكون علينا. و الامن المركزي يحيطنا ثم يضربنا و يعتقل منا . بكيت و أنا أتذكر إهانتنا و إتهامنا بالعمالة الخارجية لأننا نطالب بحقوق شعبنا.و أتهامنا بفبركة فيديوهات التعذيب و تلقي أموال من جهات أجنبية.و بكيت عندما تذكرت تصنتهم على محادثاتنا و أتصالاتنا . و بكيت عندما تذكرت أعتداء ضابط شرطة على لأني لم أرم السيجارة و أنا أحدثه. و بكيت عندما تذكرت أني اعتقلت بلا سبب. وأعتقل الألاف بدون سبب. و لم أستطع أن أوقف بكائي عندما تذكرت شهداء الوطن. لم و لن أنسى و جوههم. هم ضحوا بحياتهم من أجلي و من أجل شعب بأكمله. ليقف مرفوع الرأس بكل عزة. ليعطي درسا للعالم أننا لم نبني حضارة منذ 7 ألاف عام فقط . بل ما زلنا نعلم العالم معنى الرقي حتى الآن . ذكر المصريون أنفسهم و الدنيا أنهم أحرار. فهتف جيل لم يشعر أبدا بكرامته المقموعة. أرفع راسك فوووووق . أنت مصري .