في الجزء الثالث من رواية هاري بوتر، يقف هاري ليقول لصديقه رونالد ويزلي وصديقته هيرمونى جيرينجير : ” هناك شئ في الروح عند كل إنسان ينشد إلى الحرية . كانت الكلمة بالنسبة لي غير مفهومة بعض الشئ ،ولذلك حفظتها ،وسالت أبي ذات مساء ،ونحن نجلس أمام العاشرة مساء عن معنى الكلمة . وكأنه كان ينتظر الكلمة، ورح يشرح ،ويفيض ، وكان حتي ساعة خلت عائدا للتو من مظاهرة في ميدان التحرير . أغلقت التليفزيون حتي أستطيع فهم معنى جملة هاري بوتر من سيل كلمات بابا. يعني عاوزني أحب ياسي بابا علشان أفهم كويس؟ كان السؤال يخرج من فمي بهدوء . في الحقيقة يجب أن أعترف أني لست خجلة مع أبي . تعددت الأمثلة التي ضربها أبي حتى أفهم ، وأنا أتحسس المعرفة حتي دقت الساعة السابعة من مساء يوم جمعة الشهداء كما سميت ، وأعلن السيد النائب قرار الرحيل . لحظة ذاك عرفت أن في روحي جزءا كبيرا كان ينتظر الحرية . رغم أنني مازلت صبية إلا أنني شعرت أنني حصلت على حريتي كما حصلت مصر كلها على الحرية . والله سعدني زماني وهدخل الجامعة من غير ما أشوف حراس علي بابها. والله وسعدني زماني وهدخل علي بابا بعد كتابة الكلام ده وأقول له بالفم المليان : يلا يا بابا على الميدان . إحنا كنا جدعان ومن حقنا نحتفل في الميدان . كان أبي وأمي قد رجعا للبيت منذ نصف ساعة . قالت أمي لنأكل لقمة قبل ما ننزل ، ولكن يجلس هادئا والدموع تملأ عيونه . قلت مش مهم : نشتري أي حاجة وإحنا في الطريق حين سمعت كلمة نائب الرئيس كأنني مسكت من داخلي . شئ كنت أبحث عنه . تصدقوا وتآمنوا بالله كأنني رأيت عمتي سعاد اللي ماتت واللي بيحكوا لي إني أشبهها .مسكتها ورقصت معها، وأنا أرقص مع أمي .وقلت لها في وجهها المنور : عارفة ياعمتي أنا بعد شوية هحلف أخوكي بيكي علشان يرضى يوديني تاني للميدان .وفي لحظة رجعت أرقص مع أمي تاني.كنت أريد أن أقول لبابا علي رؤيتي لعمتي في لحظة . عمتي كانت واقفة تبص لي في فرح، لكنه كان جالسا هادئا و رزينا .فنسيت حكايتي ورحت أتعجب من جلوس أبي هكذا .وكأن ما كان يعمل علي تحقيقه طوال السنوات التي عرفت فيها معنى الحياة لم يفاجؤه .رحت أرقص مع أمي مرة ثانية سريعا ثم سحبت يدي من يدها ودخلت سريعا إلي حجرتي وجلست على اللاب توب أكتب تفاصيل لقائي مع عمتي وأسترجعه معكم، ثم تذكرت النص الأول في رواية أبي ملاك الفرصة الأخيرة . أحسن حاجة أعمله لبابا دلوقتي إني أنقل بعضا من الرواية ، وأنشره بسرعة وأقول له بجد شكرا يا بابا لأنك كنت دائما بالنسبة لي ملاك الفرصة الدائمة وليست الأخيرة . سعاد نوح ملاكُ الفرصة الأخيرة حينما يستنفد المرء كل السبل، ويصل إلى أقصى قدرةٍ له على الصمود،حين ذلك يظهر ملاكُ الفرصة الأخيرة، ذلك الذي يمُدّنا بأسباب البقاء. يظهر من مكانٍ غير معروفٍ. يمد يده بالكيس الأرجواني،ثم يختفي تحت جنح الظلام أو في وجود شمسٍ حارقةٍ، لا يهم . يتركك تتعجب وتروح تسأل نفسَك :هل كان ذاك ملاك الفُرصة الأخيرة فعلاً ؟! أم شُبّه لك؟! ربما جاء في صورة مطرٍ يسقط في شهر أغسطس أو ريحٍ عابرةٍ للقارات .ربما تنكّر في صورة قطٍ يَخْمُشُ بابَك أو عصفورٍ رقيقٍ، لكنه أبدًا يأتي ياأحبة . يأتي حينما نكون محطمين ومرتعشي الفؤاد. يأتي حين لم تعدْ هناك أدنى قدرةٍ لدينا علي الصمود. يأتي حينما نكون في أمس الحاجة إليه. لانه هو في الحقيقة لا في الخيال هو الشخص الوحيد الذي ننتمي إليه. يأتي في الوقت الذي يكون النفي فيه شيئًا غير مرغوبٍ وغير متوقعٍ . وحينما يأتي ياأصدقاء تحلُّ فينا البصيرةُ النافذةُ،فتُوَسّع منظور الرؤية لدينا ،ونرى أنفسنا للمرة الأولى الأكثرَ جمالاً والأرحبَ في الأبعادِ الروحية. لقد تمَّ إعادة تشكيلنا . فصرنا أنقياءَ وطاهرين وأبر ياءَ. إنها الثقةُ بالنفس التي يُقال عنها. لا، إنها الثقةُ في الروح ،روح ملاك الفرصة الأخيرة، وحينما يتحقق لنا ذلك،فإقسم لكم إننا لا نستمر في الاضطراب والتلعثم . بوجود روح الملاك نُصبح حكماءَ . يصير المِنْجلُ في أيدينا منجلاً صحيحًا،لا يحصدُ غير الأكيد، وغير المشكوك فيه. ولكن هل يُصدر ملاك الفرصة الأخيرة صوتًا؟ آه . ما تلك الصرخة القادمة من المجهول؟! هذا الصوت الذي أرَّق الأجنةَ في بطون الأمهات؟! يالله. إنه صوت أتي من روح بلا جسدٍ. لا استغرب صنعك والله يالله. ربما ظنه بعضُ الناجين صوتًا يخرج من الداخل. لكني أقول لكم : إن الصوت يأتي في أي وقتٍ . إلا أنه يأتي على وجه الخصوص عندما تكون النفس في محنةٍ. ومصر في محنة يارب. ماذا تقول يارب. .أخيرا يارب .شكر لك لأنك لم تكسر بخاطري.يارب بالغدة تسمع صوتي.وبالغدة أيضا أوجه صلاتي نحوك .لأنك أنت لست إلها يسر بالشر. لا يسكنك الشرير. لا يقف المفتخرون إمام عينك. لحظة ذلك تُطْوَى المسافاتُ ،ويقول قلب الناجي : شكرًًا للآلهة، لأنها أرسلتْ إلىَّ روح ملاك الفرصة الأخيرة، شكرًا لكلِ الآلهة. سعاد نوح