مع سقوط الخلافة الإسلامية وإعلان مصطفى كمال أتاتورك عن إلغائها في 3 مارس 1924م، وإقامة جمهورية علمانية على أنقاضها في تركيا، وإحلال قانون مدني على غرار القانون المدني السويسري، مما أدى إلى حدوث ردود أفعال مختلفة على مستوى العالم العربي والإسلامي، تمخضت بتكوين وظهور الحركات والتيارات الإسلامية بكافة توجهاتها المختلفة، مع وجود عوامل مساندة ومساعدة كاحتلال فلسطين وهزيمة العرب أمام الكيان الصهيوني في عام 1967م، وذلك إيذاناً بفشل المشروع القومي العربي في مواجهة ذلك الكيان، كما ساهم الاغتراب الفكري الثقافي في المجتمعات العربية والإسلامية في إحياء الحركات والجماعات الإسلامية، إضافة إلى عوامل الاستبداد والفساد والظلم الاقتصادي، واستئثار الطبقة الحاكمة بثروات البلد وإحكام قبضتها عليها، كلها عوامل مهمة أسهمت في بلورة معالم خطاب إسلامي معاصر تمثل في ما بات يعرف بالحركات الإسلامية "الإحيائية"، محاولة الدخول في المعترك السياسي والاجتماعي لإرجاع الأمة إلى أمجاد الخلافة الإسلامية التي كانت سائدة في العصور الذهبية الأولى للإسلام. لكنّ البعض لا يرى بأنّ العوامل السابقة الذكر هي أسباباً كافية لنشوء وبروز الحركات والتيارات الإسلامية، فهم يعتبرونها امتداد طبيعي وقديم للرسالة المحمدية الإسلامية وليست ظاهرة أو طرقاً جديدةً لم تكن معروفة، مادام أنّ العمل الإسلامي على مر العصور السالفة كان عاملاً شمولياً على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والفكرية وهذا هو جوهر الإسلامي الحقيقي لكن الشيء المختلف يتمثل في أدوات ووسائل العمل الإسلامي التي طرأت ضمن المعطيات الجديدة على الساحة الدولية، أدت إلى إلزام هذه التيارات والحركات مراجعة الكثير من الأفكار المتغيرة والوسائل المتعددة لإحداث أكبر قدر ممكن من التغيير الجذري على مستوى المجتمعات العربية والإسلامية. وفي مقابل هذا الوضع دارت في مصر خلال العشرينات مناقشات تتعلق بإشكالية الدين والدولة والإسلام والسياسة تمثل ذلك من خلال كتاب "الإسلام وأصول الحكم" للشيخ علي عبدالرازق، وكتاب "في الشعر الجاهلي" لطه حسين، لكنّ كتاب عبد الرازق أثار ضجة أكبر من كتاب حسين، بسبب اكتسابه أهميته الفكرية من التوقيت السياسي الذي قدم فيه عام 1925م، حيث كانت مصر والعالم الإسلامي مهمومة بمسألة الخلافة وشكلها، والتصور الجديد الذي يمكن أن يحل بديلاً عن النمط السابق. وخلاصة القول فقد ذهب علي عبد الرزاق إلى القول بتنافي العلاقة بين الإسلام والخلافة، وبأنّ الإسلام لا يعرفها كأساس من أسس الحكم قائلاً: "والحق أنّ الدين الإسلامي بريء من تلك الخلافة التي يتعارفها المسلمون، وبريء من كل ما هيئوا حولها من رغبة ورهبة، ومن عزة وقوة، والخلافة ليس في شيء من الخطط الدينية، كلا، ولا القضاء ولا غيرهما من وظائف الحكم ومراكز الدولة، وإنّما ذلك كله خطط سياسية صرفة لا شأن للدين بها، فهو لم يعرفها ولم ينكرها ولا أمر بها ولا نهى عنها وإنّما تركها لنا لنرجع فيها إلى أحكام العقل وتجارب الأمم وقواعد السياسة"، والكتاب بهذا المعنى يؤكدّ على حقيقة هامة مفادها نفي كون الحاكم نائباً عن الرسول صلى الله عليه وسلم يقوم بمقامه، كما أنّه ينفي وجوب الحكم الذي ارتبط تاريخياً بفكرة الخلافة وهو الحكم الفردي، وقد أدت هذه الأفكار الجديدة التي جاء بها الكتاب إلى حملة ضخمة من الهجوم على الشيخ وكتابه، وخاصة أنّ الكتاب قد صدر متزامناً مع الفترة التي أعقبت إلغاء الخلافة العثمانية وتطلع الملك فؤاد إليها. مثل هذه الأطروحات لم ترق رواجاً كبيراً بين مختلف الشرائح الفكرية والسياسية الإسلامية في المجتمعات العربية والإسلامية فقد كان الردّ سريعاً عبر إنشاء جماعة الإخوان المسلمين عام 1928م بقيادة الشيخ حسن البنا والذي شكلت انطلاقة حقيقية وإضافة جديدة للفكر والسياسية على الصعيدين العربي والإسلامي لكن برؤية انفتاحية وأكثر عمقاً وتميز أوسع عن سواها من الحركات الإسلامية لما تحمله هذه الجماعة من توظيف للإسلام السياسي في إطار أقرب إلى الحركة الوطنية ضد الاستعمار وتحقيق الاستقلال، مع رفض الجماعة للمضمون العلماني للوطنية، ولتحقيق العلاقة بين الإسلام والسياسة الذي يقيم علاقة الولاء بين الفرد والدولة على أساس الانتماء لرقعة من الأرض تكون إقليم الدولة، في حين لا يقيم أي اعتبار للعقيدة كأساس لهذا الولاء بحجة الحفاظ على النسيج الاجتماعي وتحقيق مبدأ الوحدة الوطنية بين المسلمين وغير المسلمين. * . تنوع التيارات الإسلامية: وتنوعت التيارات الإسلامية في العالم العربي وتحديداً في مصر إلى تيارين رئيسين: 1: التيار الإصلاحي: ويمثله في مصر "الإخوان المسلمين"ومن على شاكلتها من الجماعات الأخرى التي لا تسعى إلى تغيير فوري وسريع عبر القوة المسلحة. 2: التيار الثوري وأبرز ما يمثله في مصر "تنظيم الجهاد" ومن على شاكلته من المنظمات التي تسعى إلى إجراء تغيير سريع وشامل بالقوة المسلحة. لكنّ هذا التقسيم يعدّ مبدئياً من حيث الإطار العام فقد حاول أحد أبرز المفكرين السياسيين في تنظيم الجهاد المصري وهو الدكتور أسامة حميد، وضع تقسيم أكثر عمقاً في ورقة قدمها لمؤتمر عن "الفكر السياسي الإسلامي" كان قد نظمه المعهد العالمي للفكر الإسلامي بلندن في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، حيث قسّم الحركة الإسلامية إلى أربعة تيارات: 1:تيار الإسلام الإصلاحي: ويمثله الإخوان المسلمون ومن على شاكلتهم ممن يسعون إلى تغيير متدرج سلمياً، وربما جزئياً.وأن أدبيات الإخوان كانت مناهضة لكل الأساليب الثورية . 2: تيار الإسلام الثوري: ويمثله جماعة الجهاد في مصر ومن على شاكلتهم ممن يسعون إلى القيام بتغيير شامل وفوري بالأساليب المسلحة. 3: تيار الإسلام السياسي: ويمثله في تاريخ مصر الحديث جماعة "مصر الفتاة" بقيادة احمد حسين، ويقصد به كل من يتبنى الإسلام كمنهج ومرجعية سياسية في مواجهة الحاكم دون أن تتجذر لديه المفاهيم الإسلامية الأصيلة سواء كإسلام إصلاحي أو كإسلام ثوري، فالإسلام بالنسبة إليه مجرد شعار ونوبة حماسية يواجه به ظلم الحاكم. Comment *