اجمع الكثير من المحللين السياسيين انه لو كانت هناك قيادة واضحة للثورة بعد رحيل مبارك لأختلف الوضع كثيرا , فعندها لم يكن المجلس العسكرى يستطيع الاستيلاء على السلطة ولا كان يستطيع ادخالنا فى ذلك المسار المعيب الذى أدى الى تلك الفوضى والاستقطاب الذى نعيش فيه الان وسنظل نعانى منه لفترة طويلة, ولكن كان هناك من يعمل على عدم وجود جبهة موحدة ويعمل جاهدا على التشكيك فى أى بديل. فحتى فترة ال 18 يوم التى ابهرت العالم كله لم تخلو من التخوين والاتهامات بين المجموعات بعضها البعض , ففى خضم المعركة مع نظام مبارك كان هناك من يسعى من داخل الثورة لاسقاط زميلة والصعود على اكتافه,وكلما كان يتم الاقتراب من أى فكرة توافقية كمجلس رئاسى مدنى او حكومة انتقالية, كان هناك من يخرج ليقول , البرادعى لا يمثلنى , دا مبعوث امريكا ومش هانسمح انه يركب عالثورة , وأخر يقول انا مش موافق على وجود حمدين , وأخر يقول انا مش موافق على وجود العوا , النخبة كلها لا تمثلنى , فلان خاين فلان عميل. خطاب التخوين ومحاولة اقصاء الاخر كان لها دور كبير فى تعطيل الثورة وتفتيت الجهود , بمجرد ان يتم الاختلاف فى الرأى يبدأ التخوين , اصبح التخوين هو الوسيلة المثلى لتفريق التحالفات وتفكيك التنظيمات وبدء المناوشات والمصادمات. قبل الثورة كانت كل اطياف الثورة فى نفس المركب ضد النظام قبل الثورة وكان العدو واحد ,الا ان الصورة لم تخلو من بعض التشويه والتراشق الطفيف بين بعضها البعض ولكن سرعان ما كان يعلوا صوت العقل ويتذكر الجميع ان هذه التفاهات مقصود بها الفرقة وتفتيت الجبهة ضد مبارك ونظامه. انت خاين وعميل , اجندات , مؤامرة ... مصطلحات استخدمها نظام مبارك واعلامة لتشويه معارضيه بكافة اطيافهم, لم ينجو من هذه الاتهامات لا ليبراليين ولا اسلاميين ولا اشتراكيين ولا حتى القوميين أو الاشتراكيين المعادين لأمريكا عداء شديد. قبل الثورة كان النظام يشوه معارضيه ويتهمهم بالخيانة والتمويل والاجندات الاجنبية , واثناء وبعد الثورة استكمل هذه المهمة انصار مبارك وانصار النظام القديم ووسائل الاعلام التى يتحكم بها رجال مبارك , وبعد أن ضاق المجلس العسكرى بمعارضيه من الحركات الشبابية خصوصا 6 ابريل بدأ فى استخدام نفس السلاح بهدف ضرب المصداقية وفض الناس عن المعارضة. استخدمت القوى الاسلامية هذا السلاح ايضا عندما تحالفوا مع العسكر وبدأ التشوية والتخوين من قبل الاسلام السياسى الذى معه الاغلبية البرلمانية ضد الحركات الشبابية والثورية والقوى المدنية , رغم ان التخوين والقاء الاتهامات بدون دليل وتشويه المعارضين هى افعال تخالف شرع الله. ليس الأخرون ملائكة, بل بعد فوز مرسى بكرسى الرئاسة بدأ العديد من الافراد والمجموعات المحسوبة على القوى المدنية فى مهاجمة الاخوان وكل من دعم مرسى من الشخصيات والمجموعات الثورية , واتفقت مجموعات محسوبة على الثورة للأسف وانصار بعض المرشحين (الثوريين) الخاسرين مع فلول النظام, على مهاجمة وتشوية الاخوان وكل من دعم مرسى مثل 6 ابريل وكل شخصيات الجبهة الوطنية التى اصطفت خلف مرسى فى جولة الاعادة, وعادت الاتهامات المرسلة ولكن فى ثوبها الجديد, وسمعنا قصص صنعتها خيالات مريضة عن مؤامرة كبرى ماسونية امريكية اخوانية ابريلية. والآن عادت مرة اخرى قوى اليمين الدينى فى كيل الاتهامات للمعارضة بالاشتراك فى مخطط لهدم الدولة واسقاط الرئيس المنتخب واسقاط الدولة بمخطط خارجى. التخوين لا دين له, استخدمته كل الطوائف والمجموعات ضد بعضها البعض, حديث بدون دليل عن صفقات ومؤامرات وشاى بالياسمين , التخوين هو سلاح ضعيف الحجة ضد الاخرين, لا يختلف كثيرا عن التكفير, فالتخوين والتكفير وجهان لعملة واحدة هى سلاح الفاشل وضعيف الحجة للهجوم على الآخر. التخوين والتكفير يعتبره البعض مبرر للعنف وسفك الدماء, فالأخر خائن وعميل دمه حلال أو كافر مهدر دمه. بعض الباحثون فى علم الاجتماع فسر هذه الظاهره وتقبل الشعب لتلك الحواديت عن المؤامرات بأن كل الشعوب التى خرجت من فترات استعمارية وحكمها الفكر القومى لفترة بعد الاستعمار الاجنبى والنضال الطويل ضده اصبح التخوين والحواديت عن المؤامرات هو اللغة الدارجة بين أفراد تلك الشعوب. وكثرا تستخدم الانظمة المستبدة هذا الحديث لحشد الجماهير وتخويفها من العدو الاستعمارى وقمع أى معارضين او منتقدين للأداء الفاشل للسلطة,حتى فى الدول الاوروبية حدث فيها مثل هذا فى فترات سابقة سواء اثناء حكم الانظمة المستبدة أو بعد التحرر منها. ولكن فى مصر تحتاج هذه الظاهرة الخبيثة لمزيد من الدراسة والتحليل والبحث عن طرق لعلاجها فى المجتمع قبل ان تزداد نبرة التخوين والتكفير ويستباح الدماء ويزداد الانقسام والعنف السياسى, فمن الخطير جدا ان نسمع هذه العبارات فى الاوساط الشبابية مثل : دول خونة ودمهم حلال ... السلمية ماتت ... احنا مالناش قيادة ومش عايزين يبقى لينا قيادة, احنا مش معترفين لا بالبرادعى ولا بحمدين ولا ابوالفتوح ولا ب 6 ابريل كلهم خونة . اصبح الجميع يخون الجميع ويحل دم الاخر , وان لم يكن هناك حل.. فنحن فى طريقنا للفوضى Comment *