أكتب إليك رسالتى هذه وأنا هادئة تماماً عكس ما توقع الجميع أن أبكى بكاءً مراً وأن أرتدى الأسود عشرات المرات، بل ان هناك سلاماً عميقا يملأ كيانى وهناك طمأنينة تملأ قلبى، أنا التى كنت أخاف من الموت أصبحت لا أخشاه تماماً لأنه ليس أشرف ولا أكرم من أن نموت من أجل ما نعتقد ونصدق ونحن نؤدى واجنبا المهنى والوطنى والى جوار أحبائنا. سأحاول ألا أسترسل وسأكتب ما يخطر فى بالى بغير ترتيب فأرجو أن تعذرنى لأن الأفكار تتزاحم فى رأسى وأجد رسالتى مشوشة بعض الشئ لأننى حاولت أن أكتب إليك منذ أيام ولم أستطع، وكنت دائماً أتخيل أننى جماد بلا روح أو جثة هامدة يحملها أصدقاؤها الى مثواها الآخير. كنت أتمنى أن تظل الى جوار والدتك وأصدقاءك، وأن نتعلم من طموحك وأفكارك وشغفك بالعمل، وأن نراك تهتف وتبتسم وتشجعنا ألا نهاب الموت أو الحب وألا نأخذ قرارات نكرهها وألا نفعل شيئاً غير راضين عنه. وألا نترك الكلام يمر مرور الكرام دون أن يكون له صدى على حياتنا وحياة الآخرين، وبغض النظر عما ستبدو علية الحياة بدونك فأنت تعرف انك تعيش فى عقل كل واحداً مننا وتعرف انك اخترقت أنانيتنا لترسم أبعاداً اخرى لحيواتنا، فلم نعد الأشخاص ذاتها ولم نعد نعيش على نفس الاختيارات لأنك أوجدت عمقاً اخر لسطحيتنا. عزيزى: لم أعد أكره الظلم لأنه بات يعلمنى ويهذبنى ويشذب أخلاقى أكثر من الحق نفسه، ولم تعد الانتصارات الصغيرة تشغلنى لأننى صرت على معرفة عميقة بأن الحرب مستمرة، وهى عبارة عن معارك صغيرة، نكسبها أو نخسرها فهذا لا يهم. لأن الحرب مستمرة بين الخير والشر، الحق والظلم، الشرف والخسة، البطولة والخيانة، الحياة والموت. وحينما نختار الحياة يجب ألا نكون سجناء وطننا وألا نخون مبدأ ننادى به لأننا بهذا نفشل كل الضمائر الأخرى. وإن كنت لازلت مشوشة من وهل الصدمة، وبالرغم من أن كلامى يبدو لا معنى له، إلا أننى أعلم جيداً أنك فارس شجاع وسيذكر التاريخ أنك بطلاً وحياة الأبطال لا تضيع سدى وسيشفى موتك أمراض كثيرون يرون استقرارهم أفضل كثيراً من حريتهم. ولأننى لا أريد أن أطيل عليك فأنا أريد أن أقول لك لا تخشى على مصرلأن دماؤك ستجلب لنا الأفضل وإن كنت غير راض عن الوضع الآن فاعلم أننا أيقننا أننا لا يمكن أن نموت مرتين، ولذا فإن رسالتك لن تموت وانت بحق كنت نموذج يحتذى به فى الأمانة والوطنية. عزيزى: يحدثنى الأصدقاء أنك أخذت روحهم معك فرجائى لا تجعلهم بلا روح واجعلهم ينسون فراقك ويتذكرون صخبك وضحكك ومثاليتك، لأننى فى الحقيقة لا أعرف ماذا أقول لهم وهم فى قمة الحزن؟. رغم أننى حدثتهم انه كان المقصود من حياتك أن نظل ثواراً، وأن نثبت للعالم أننا قمنا بثورة لا تموت. لأنك علمتنا أن نؤمن بالثورة والحرية والمساواة بين البشر وأن نجهر بعروبتنا ونفتخر بمصريتنا. من باب الاحتياط أيضاً أريد أن أطمئنك أننا سنردد كل ما كنت تقوله وسننادى بمبادئك لأن هذا الضمان الوحيد بأنك ستكون معنا وسنكون معك دائماً. ورغم أن هناك أراء لم تكن تعجبك و كنت تحاول دائماً ان تثبت لنا في حياتك أنك على صواب إلا اننى أعدك بأننا سننحى تلك الاراء جانباً وسننادى فقط بكلامك وبطريقتك الخاصة فى الشعور والتعبير. وبرغم من أنك قتلت غدراً أمام قصر الرئاسة وكان قتلك محاولة لإخفاء القصة بأكملها إلا ان الرسالة علمها الجميع وقصتك قلبت الأمور وكشفت المستور فى نواح عدة، فى حياتك وفى موتك كشفت حقائق لا يستطيع أحد أن يمحوها. لا تغضب ستظل مصر فوق الجميع فقط أدعو لنا بالرحمة. Comment *