اعتبر منتدى رفاعه الطهطاوى التابع لمؤسسة عالم واحد للتنمية، أن الإعلان الدستورى الصادر يوم الخميس 22 نوفمبر الماضى قد أثار أزمة كبرى بين جموع الشعب المصري الذى انقسم بين مؤيد ومعارض، بالرغم من أن المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية قد ذكر أسباب صدور الإعلان ومنها حماية مكتسبات ثورة يناير، وتلبية طموحات الشعب المصري وتحقيق آماله، والقضاء على بقايا النظام السابق وغير ذلك من الأسباب العريضة التى طالما استمع لها الشعب طوال الخمسة أشهر الماضية. و قدمت وحدة تحليل الخطاب السياسى كجزء من عمل منتدى رفاعة الطهطاوى دراسة تحليلية لخطاب استلام الرئيس محمد مرسي للمسودة النهائية للدستور المصري الجديد وإعلان الاستفتاء الشعبي عليه في 15 ديسمبر الجاري فى عشر ملاحظات وهى: 1- أرقام ودلالات يسردها المستشار حسام الغرياني في بداية حديثه. حيث سرد المستشار حسام الغرياني رئيس الجمعية التأسيسية لصياغة دستور مصر خلال كلمته فى المؤتمر الذى عقد لتسليم الرئيس مرسى المسودة النهائية للدستور الجديد العديد من الأرقام والمعدلات التي تدل على مدى نجاح عمل الجمعية التأسيسية، وانها كانت دائما في حالة من التوافق والتأييد من جموع الشعب المصري حيث ذكر "تشكلت الجمعية التأسيسية من ست لجان وأربعة لأبواب الدستور ولجنة صياغة ولجنة الحوار المجتمعي، وقد جابت اللجنة الأخيرة طول البلاد وعرضها واستمعت إلى آلاف المواطنين من جميع الفئات والأعمار، وتلقت أكثر من35 ألف رسالة لكنه لم يذكر في السياق ذاته عدد الانسحابات التي جرت أثناء عمل الجمعية، وما مبرراتها وكذلك ماإذا كان يتم توجيه النقد لها أم لا خاصة مع وجود قطاعات كبيرة لم تكن على رضاء بما يحدث داخل الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور، وجدير بالذكر أننا سمعنا عن ذهاب أعضاء الجمعية التأسيسية للمحافظات المختلفة لتفعيل الحوار المجتمعي حول مواد الدستور. 2- المبادئ الأساسية التي عمل عليها أعضاء الجمعية التأسيسية. أشار المستشار الغرياني إلى أن أعضاء الجمعية التأسيسية قد تخلو عن عباءاتهم الحزبية جميعاً ورفعوا شعار "المواطنة وحب مصر" وأكواد على ذلك خلال كلمته التى ألقاها، وذلك على الرغم من وجود خلافات جوهرية وحقيقية كانت تدور بين التيارات السياسية المتواجدة داخل الجمعية التأسيسية خاصة مع وجود أغلبية تيار الإسلام السياسي فكان بطبيعة الحال يسطر عليهم خلفياتهم السياسية ومرجعياتهم وهذه الأمور لم تكن معلنة بشكل مباشر على الرأى العام ونظراً لهذا كانت تعرض الجلسات العامة فقط على القناة الرسمية " قناة صوت الشعب" ولم يتم عرض جلسات اللجان المختلفة والتي كان يظهر بها قدر كبير من الاختلاف، وهذا أيضاً انعكس في انسحاب العديد من القوى المدنية المتمثلة داخل الجمعية التأسيسية نظراً لعدم الوصول لأرضيات مشتركة في الحوار بينها وبين الأطراف المتمثلة للحزب الحاكم وتيار الإسلام السياسي حيث وصل عدد الانسحابات من الجمعية التأسيسية لما يقرب من 26 عضواً من الأعضاء الأساسيين. 3- احتشاد مؤيدي الرئيس مرسي أمام جامعة القاهرة وتسلمه للمسودة النهائية لدستور مصر الجديد في قاعة المؤتمرات. في مشهد جديد من نوعه والذي بدأ من صباح يوم السبت الأول من شهر ديسمبر الجاري توجه فيه الآلاف من مؤيدي الرئيس محمد مرسي أمام مقر جامعة القاهرة لتأييد قراراته وهذا على غير ما تعودنا في الدول الديمقراطية والتي تخرج فيها المظاهرات والاعتصامات من المعارضين والرافضين لقرارات معينة، ولكنه مع نهاية اليوم بدأ ملامح هذا الاحتشاد تظهر جلياً في الأفق حيث تم الإعلان بأن الرئيس مرسي سيلقي كلمة أمام أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور فمع كل كلمة كان يلقيها الرئيس محمد مرسي خلال خطابه كان على الجانب الآخر صوت الهتافات يعلو لمجرد أنه تحدث وليس لقرار بعينه، قد ينم ذلك عن ظاهرة جيدة وهي وجود عدد كبير من مؤيدى الرئيس محمد مرسي بينما قد ينبئ بكارثة على جانب آخر وهو عدم الاكتراث بعدد كبير أيضا ليس ضد الرئيس محمد مرسي ولكنه قد لا يكون متفقاً معه بشكل كبير، ومثل هذا المشهد كان قد حدث في السابق عندما حاول مؤيدو النظام السابق تأييده أمام قصره الرئاسي في حين وجود قطاعات أخرى تعارضه وتطالبه بالرحيل. 4- كلمات براقة يطلقها الرئيس محمد مرسي في حفل تسلمه مسودة دستور مصر الجديد. في مستهل كلمته أطلق الرئيس محمد مرسي العديد من الكلمات البراقة والقوية لوصف يوم الانتهاء من الدستور حيث وصفه قائلاً "إنه في هذا اليوم العظيم من هذا الوطن الكبير مصر وفي هذا اليوم الأغر من واقع مصرنا الحبيبة .. يسطر فيه الشعب المصري العظيم صفحة ناصعة جديدة في تاريخ حضارته وكتاب مجده بعد ثورته الكبيرة .. ثورة 25 يناير". حيث إن الرئيس قد تعود على إطلاق العبارات والكلمات الرنانة التي قد تثلج قلوب المصريين ولكنه في نفس الوقت يبالغ أحياناً في استخدام هذه الكلمات والعبارات فعلى الرغم من كون إعلان دستوراً جديدا للبلاد هو يومُ ينتظره المصرييون ولكن في الوقت ذاته هذا الدستور خصيصاً يظهر في وسط أجواء ملبدة بالغيوم فلا يمكن اعتبار هذا اليوم هو اليوم العظيم الذي انتظره المصريون طوال الفترة السابقة. 5- اختزال نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير في عدد من المحطات الانتخابية. يحاول الرئيس محمد مرسي في كثير من خطبه السياسية أن يبرز قيمة الانتخابات بمراحلها المختلفة بل ويصدرها دائما كمشهد رئيسياً لممارسة الديمقراطية، ويعتبر ذلك هو النجاح الأكبر الذي حققته ثورة الخامس والعشرين فقال الرئيس محمد مرسي في خطابه" إصرار المصريين على إنفاذ إرادتهم ظل هو العنوان الأبرز وقاموا جميعا ليرسموا ملامح هذه المرحلة ابتداء من الخامس والعشرين من يناير بداية الثورة ومرورا باستفتاء 19 مارس عام 2011 ، ومرورا بالانتخابات البرلمانية بمراحلها المختلفة والانتخابات الرئاسية بجولتيها ليؤكدوا إصرارهم على إنجاح ثورتهم ..المصريون مصرون على المضي قدما إلى الأمام للوصل إلى اهداف هذه الثورة المجيدة". ولكن ذلك جزء بسيط من ممارسة الشعب لحقوقه التي كفلتها له المواثيق والعهود الدولية ضمن الحقوق المدنية والسياسية والتى تقرها كل دساتير العالم، وعلى الرغم من ذلك يعتبر الرئيس مرسي المحطات الانتخابية التى مرت على الشعب المصري هي انعكاس لنجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير، ولكن في الوقت ذاته علينا الأخذ في الاعتبار أن الانتخابات بأدوارها ومراحلها المنتخبة لم يصوت بها كل من يحق لهم التصويت. 6- التأكيد على فكرة المؤسسات المنتخبة. حرص الرئيس محمد مرسي على جعل الشرعية هي شرعية صندوق الانتخاب ويؤكد باستمرار أن مؤسسات الدولة هي المؤسسات المنتخبة وأن نظامه لم يأت سوى عن طريق شرعية صندوق الانتخاب، وأكد ذلك أيضاً في خطابه أن الجمعية التأسيسية لصياغة دستور مصر الجديد هي الجمعية المنتخبة الأولى في تاريخ مصر الحديث حيث قال في ذلك " إن هذه الجمعية هى التي وضعت هذا المشروع وهي أول هيئة تأسيسية مصرية منتخبة طوال التاريخ الحديث حيث إن لجان وضع الدساتير السابقة في تاريخنا كانت معينة سواء كانت ملكية أو رئاسية ..فلم يكن في تاريخنا لجنة منتخبة وضعت مشروعا لدساتير سابقة وهو أمر له دلالة كبيرة". فالانتخاب لا يضع في الاعتبار التمثيل الجيد لكل طوائف الشعب ولكنه يأخذ بفكرة الأغلبية والتي تكون صاحبة السيطرة على اتخاذ القرار. فبعقد مقارنة بين هذه الجمعية المنتخبة بتشكيلها الحالي مع لجان وضع الدساتير السابقة على سبيل المثال في عام 1923، ودستور عام 1956 كانت لجان مشكلة من قبل السلطة الحاكمة وعلى الرغم من ذلك كانت ممثلة لأطياف المجتمع المصري آنذاك. ومن هنا تجدر الإشارة إلى أن انتخاب هذه الجمعية جاء عن طريق مجلس الشعب الذي تم حله بعدم دستورية قانون انتخابه، على الرغم من الاختلاف حول مدى الشرعية القانونية التي جاءت بها الجمعية التأسيسية الحالية خاصة أنه يثار حولها كثير من التشكيك. 7- مسودة الدستور المصري يفجر أزمة بين القوى الوطنية والرئيس يشيد به. في الوقت الذى نجد الرئيس محمد مرسي يشيد بالمنتج النهائي للدستور المصري حيث قال في ذلك " لقد حققت مسودة الدستور التي تابعتها كما تابعها الملايين من الشعب المصري عبر وسائل الإعلام، الطموحات المأمولة في اتجاهات عديدة من بينها أنها أكدت سيادة الشعب، ونجد أن صفوف القوى المدنية ترفض مسودة الدستور بشكل كبير لعدة أسباب منها: - وجود العديد من المواد التى بها كلمات فضفاضة وتحمل أكثر من تأويل مثل المادة رقم (16) والتي تنص على أن" تلتزم الدولة بتنمية الريف والبادية وتعمل على رفع مستوى معيشة الفلاحين وأهل البادية. -رفض المادة رقم (14) والتي تنص على "يهدف الاقتصاد الوطنى إلى تحقيق التنمية المطردة الشاملة، ورفع مستوى المعيشة وتحقيق الرفاهية، والقضاء على الفقر والبطالة، وزيادة فرص العمل، وزيادة الإنتاج والدخل القومي...." ويرجع أسباب رفض هذه المادة لكونها تربط الأجر بالانتاج وليس بعدد ساعات العمل أو بالاسعار. -الدستور يعد استنساخًا لدستور 1971 بل إنه سحب العديد من الحقوق والتى كان يكفلها الدستور السابق ولكن هذا الدستور أغفلها مثل حقوق المرأةإ وكذلك جاءت المواد الخاصة بحرية التعبير لتحمل في طياتها مزيدا من التقييد على حرية الرأى والتعبير. - الدستور أغفل ذكر المواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان ولم يوضح كيفية التعامل معها فهى تقع بمكانة تعلو على القوانين وتوازي الدستور في نفس الوقت. - الدستور تم التصويت عليه في غياب عدد كبير من الأعضاء الأساسيين بدون الاكتراث أو أخذهم في الاعتبار. 8- تقليص صلاحيات الرئيس في الدستور المصري الجديد. في سياق استلام الرئيس محمد مرسي لمسودة الدستور المصري الجديد وخلال إشادته بالدستور ككل ركز على تقليص سلطات الرئيس في الدستور الجديد وذلك في جانب واحد حيث قال " ولأول مرة في تاريخ مصر ينتصر الدستور لإرادة الشعب، فتقلصت صلاحيات رئيس الجمهورية، ولم يعد يستطع رئيس الجمهورية حل البرلمان إلا بالاستفتاء، فإذا كانت نتيجة الاستفتاء بالرفض وجب عليه أن يستقيل" بالفعل قد يكون تم تقليص صلاحيات الرئيس في هذا الجانب ولكن تم ترك ابواب كثيرة لممارسة سلطاته الواسعة بشكل كبير فرئيس الجمهورية في الدستور الجديد يكزن له حق (تعيين رئيس الحكومة، تحديد السياسة العامة للدولة، القائد الأعلى للقوات المسلحة والشرطة، هو وحده له الحق في العفو عن العقوبات، رئيس مجلس الدفاع الوطني، له حق اتهام رئيس الوزراء وكل ذلك مبين في مواد الدستور مثل المادة (139, 140, 141, ......150). 9- الدعوة لفتح حوار وطنى جاد حول هموم الوطن. في إطار الأزمة الحالية والتى تنذر بوقوع كارثة كبرى إذا لم يتم احتواء الموقف من جانب صانعي القرار دعا الرئيس محمد مرسي في كلمته لحوار وطني وجاء ذلك محاولة منه لاستيعاب الموقف على الرغم من أن كثيرًا من رموز العمل الوطني والسياسي طالبت منه إجراء ذلك احتواءً للأزمة قبل وقوعها ولم يلتفت إليهم أحد، فما جدوى الدعوة التي أطلقها الرئيس مرسي، للحوار الفوري مع بقية القوى الوطنية، بعد تجاهل اعتراضات قطاعات واسعة من الشعب المصري، تظاهرت مؤخرا في القاهرة وكل ميادين مصر، احتجاجًا على الإعلان الدستوري فالجموع تطالب بإلغاء هذا الإعلان والتأني في إصدار الدستور النهائي لمصر فليس من مصلحة أحد التعجل بإنتاج دستور لايلبي مطالب وطموحات الشعب المصري. 10- دعوة الشعب للاستفتاء على الدستور في 15 ديسمبر الجاري. دعا الرئيس مرسي في ختام خطابه الشعب المصري للاستفتاء على الدستور المصري الجديد قائلا " والآن وبعد متابعتنا لجهود الجمعية التأسيسية واتسلم بكل حب وتقدير لمشروع الدستور من رئيس الجمعية ..وحرصا مني على بناء مؤسسات الوطن دون تراجع أو تباطؤ فسأصدر قراري اليوم بدعوة جموع الشعب المصري إلى الاستفتاء على الدستور وذلك يوم السبت الموافق 15 من ديسمبر عام 2012" وذلك في تجاهل منه لمطالبات التيارات المدنية والقوى السياسية المختلفة بإلغاء الإعلان الدستوري وعدم تحصين الجمعية التأسيسية وانتظار الفصل في القوانين والتى حاولت التعبير عن ذلك بطرق عدة إما بإنسحاب ممثليها من الجمعية التأسيسية للدستور أو من خلال الاعتصامات التي دارت في المحافظات المختلفة لجمهورية مصر العربية. وقد اختتمت الدراسة بعدد من التساؤلات التى طرحتها الدراسة أهمها ما أسباب الاستعجال في التصويت داخل الجمعية التأسيسية على مسودة الدستور؟ لماذا لم يذكر الرئيس المعاهدات والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان التي صدقت عليها مصر، وهي على المستوى الدولى تقع في مرتبة تعلو القوانين الأساسية وتوازي الدستور؟ لماذا تم تجاهل معتصمي التحرير الرافضين للإعلان الدستوري فوجود جماعة مؤيدة وظاهرة لا تعني تجاهل المعترضين؟ Comment *