يذكر التاريخ دائما ً أن المجتمعات إلى وصلت إلى مرحلة الشيخوخة ظهرت بها جل الأمراض الاجتماعية وعلى رأسها التبلد والأنانية والسلبية القاتلة حتى تكاد تشك بموت هذه المجتمعات لكن التاريخ نفسه يذكر أيضا ً أن الشعوب ذات التاريخ العريق لا تموت أبدا ً فتبقى بها جذوة من نار الحماسة تتخبأ تحت رماد الوهن والضعف والاستكانة حتى إذا ما أراد الله لها الصحوة وأرادت لنفسها الحياة اشتعلت من جديد وولد الحماس فيها فنفضت ركام الأيام عن كاهلها وانتفضت فصنعت تاريخا ً آخر يضاف إلى تاريخها العريق. وما وصل إليه مجتمعنا المصري العريق يشبه بدرجة ٍ ما هذه الحالة السالفة ... فرغم حالة الغلاء الغير مسبوقة والتدني في الأجور وقلة ذات اليد والحيلة والفقر الشديد فلا تكاد تسمع همسا ً ولا اعتراضا ً على تلك الأوضاع القاسية . ولذلك فإن حكومتنا الرشيدة استغلت سلبية الشعب المغلوب على أمره وراحت توزع ما تبقى من كعكة الوطن ، وصاحب الوطن لا يعنيه ذلك من قريب أو بعيد . ولم تكتف الحكومة الرشيدة بذلك بحسب لكنها راحت تفتري عليه الكذب وتؤكد أن هذا المواطن (الجاحد) –رغم أنه لم يتكلم ببنت شفه – يعيش أزهى عصور الترفيه ورغد العيش ، وراحت تعد عليه أعداد التكييفات التي تم شراؤها في عام واحد ، في الوقت الذي قد تجد أكثر من خمسين بالمائة من المصريين البسطاء لا يعرفون ما معنى كلمة تكييف !! ورغم ذلك كله... لم ثر المواطن ولم يصرخ... فمتى يصرخ ؟! وعلى الجانب الآخر من معادلة الظلم الاجتماعي التي يدخل فيها المصري البسيط طرفا ً مرغما ً دون اختيار ، يقف رجال الساياسة ممن يسمون بالمعارضة ، يملأون الكون ضجيجا ً وصخبا ً سياسيا ً يخلو من السياسة والحكمة . ففي الوقت الذي تم فيه تزوير انتخابات الشعب بصورة لم يسبق لها مثيل راح كبار المعارضة يكونون برلمانا ً شعبيا ً بديلا ً ، وكأنهم يعيشون في بريطانيا مثلا في ظل ديموقراطية حقيقية فالحكومة سدت كل نوافذ الحياة السياسية أمام الجميع ، ووأدت كل فرص التغيير والفساد قد وصل إلى (فوق السرة ) ولا يزال الفقر يزداد ويزداد في ظل قانون الطوارىء الذي يكبل المواطن ويزيد طينته بلة. ورغم كل ذلك لا تتفتق عبقرية المعارضة إلا في تكوين برلمان شعبي ، رغم أنهم لم يغيروا شيئاً في الوقت الذي كانوا ضمن منظومة البرلمان (الرسمي ) المزور بالأساس. ورغم ذلك كله .. لم يثر المواطن لا على حكومته ولا على معارضي حكومته ، فمتى يثور؟! إن التغيير في مجتمع أصبحت الحكومة راعية للفساد ، وأصبحت المعارضة ديكورات لن يأتي إلا من نافذة واحدة ، هي نافذة الشعب ، لذلك توجب على الشعب – إن هو أراد الحياة – أن يخرج من سلبيته وينطلق نحو إرادة التغيير ، وهذا ما فعله شعب تونس الذي أسقط الطاغوت وغير واقعا ً لم نكن نعتقد أنه سيتغير قريبا ً . ورأينا خلال الأيام السابقة ردود فعل أحزاب المعارضة (الكرتونية ) والتكتلات والجماعات السياسية التي تؤكد أنها ليست إلا أبواقا ً للجعجعة السياسية والأنانية في التعاطي مع مع دعوة الشباب للتظاهر في الخامس والعشرين من يناير . فحزب التجمع الذي يدعي مناصرة الفقراء صرح على لسان رئيسه د. رفعت السعيد أن هذا اليوم يوم لتكريم الشرطة ولا نريد تشويهه بالتظاهر !! كما أعلن حزب الوفد أنه لن يشارك بشكل مؤسسي في المظاهرة ... وكذلك قال الاخوان بنفس المنطق ، عدم المشاركة الرسمية وعلى من يريد المشاركة فليتفضل... ومعظم الأحزاب جاءت تصريحاته مشابهة .. ولا أعرف كيف نسمي هذا إلا بالجبن السياسي ، والأنانية السياسية ، فالجميع يخشى أن يتحمل المسؤولية ويواجه المعركة بصدره متصدرا ً المعركة . وبالطبع ربما لا ألوم هذه الأحزاب التي تقوم أساسا ً على المصالح الشخصية لذلك تآكلت وأصبحت منظومات مهترئة جامدة نسمع جعجعتها ولا نرى طحينها . لكن إن كان ثمة لوم فسألوم جماعة الاخوان المسلمين صاحبة التاريخ العريق في النضال وتصدر الصفوف ، والمنوط بها أن تقود الأمة في مرحلة حالكة مثل تلك التي نمر بها. فالجماعة تختلف عن هذه الأحزاب في شيء جوهري ألا وهو أنها قائمة على أسس إسلامية . ذلك الإسلام الذي يأمر أتباعه أن يتصدروا الصفوف وألا ينتظروا مدحا ً ولا يخافوا ذما ً لأن عملهم لله وحده ، لكن الجماعة –كما يتردد – تخشى أن تتحمل تبعية القضية منفردة في حال فشل المظاهرة ، كما أن الحجة الإعلامية هي أن المظاهرة لم يتم التوافق عليها ولم يعد لها جيدا ً ولم يتم تنظيمها بشكل لائق ، وهنا سؤال : لماذا إذن لم ينظمها الاخوان ويرتبوا لها؟ ثم إن من هذه الحجج أن كل الأحزاب لا تبالي وتريد الجماعة أن تتحرك ، وحتى وإن كان هذا حقا ً فما يضير الاخوان إذا قعد الناس جميعهم عن قضية التغيير وقاموا هم وشمروا عن سواعدهم وقادوا مشعل التغيير ، أليس الإسلام آمرهم بذلك مهما قعد المخلفون وثبط المثبطون ؟! لذلك كان لزاما ً على هذا الشعب العظيم أن ينفض عن كاهله الكرى وينتفض مطالبا ً بحقه فهو الأحق بأن يحمل شعلة التغيير بنفسه بعد أن أعرض الجميع عن الصدارة وارتضوا بأن يكونوا تابعين لا قادة .. وفي شعب تونس الأبي عبرة لشعب مصر العظيم .