خذوا الأمة في رفق، فما أحوجها إلى التدليل، وأعدوا لها الدواء في صيدلياتكم، ولتقم على توزيعه فرقة منكم، فإذا الأمة أبت، فاوثقوا يديها بالقيود، واثقلوا ظهرها بالحديد، وجرعوها بالقوة، فإن وجدتم فيها سرطاناً خبيثاً فاستأصلوه، وكونوا جنوداً منهجكم السمع والطاعة. هكذا كتب عبدالرحمن البنا، الأخ الأصغر لحسن البنا، المشهور بعبدالرحمن الساعاتي، في مجلة النذير، التي كانت الجماعة تصدرها، تحت عنوان: استعدوا يا جنود. وعلى مدى ثمانين عاماً، تمثل تاريخ الجماعة، من العمل في ظلمات السراديب، ظلت تتردد الصيحة: استعدوا يا جنود، ولا تترددوا على أن تجرعوا أمتكم الدواء بالقوة، فالنقاش مع الأعداء إنما هو مكر وخدعة، ولا بأس من تضليل ومهادنة، حتى يتمكن المسلم من الكافر فيقتله، كما يقول محمود الصباغ، القيادي الأسبق بالتنظيم السري للجماعة، في كتاب وضع مقدمته مصطفى مشهور المرشد العام الأسبق للجماعة. كلام لا يختلف كثيراً عن تصريحات قميئة صفيقة، أدلى بها في أمس قريب، صبحي صالح القيادي المعروف بالجماعة، إذ قال: إن الله يرضى أن يتاجر الإخوان بالدين، هذا بالطبع قبل أن يتراجع، وينفي كعادته، وقبل أن ينهي النفي، كعادته أيضاً، بالدعاء على الإعلام العلماني، الفاجر والكافر والمزور والفلولي والعميل. ولا تختلف "متاجرة" صبحي صالح بالدين، عما وصفه الساعاتي، بالرفق والتدليل في البداية، ثم الانقضاض بقوة في النهاية، في مقاله، فعلى الإخوان إذن أن يمارسوا "الدحلبة" وأن "يتمسكنوا"، وصولاً إلى "التمكين"، ومن بعده يستأصل أخيار الجماعة "الأغيار"، في سلوك يشبه كثيراً سلوك اليهودي شيلوك المرابي بتاجر البندقية لوليام شكسبير، إذ استغل حاجة أنطونيو للمال، فأقرضه بعد أن وقّع له، على صك بأن يقتطع ما يشاء من لحمه حياً، إن حان وقت السداد ولم يستطع. الحملات الدعائية للجماعة، إبان انتخابات الرئاسة ليست تبعد كثيراً، عن هذه الأفكار، عبر عبارات العاطفية، روجت للدكتور محمد مرسي: "ليت أهلنا يعلمون أنهم أحب إلينا من أنفسنا".. "نحمل الخير لمصر".. "سأكون رئيساً لكل المصريين".. ثم وفي غمرة النشوة بالنصر "ها أنا بينكم أفتح صدري ولا أرتدي قميصاً واقياً". كلام أوهى من بيوت العنكبوت، فالرئيس ليس يشعرنا بأنه يحمل خيراً، ولا هو على مسافة واحدة من الجميع، والانقضاض على الوطن مازال على أشده، وكل المناصب المهمة تتأخون، والتكفيريون يغادرون السجون، وقتلة الثوار بمنأى عن الحساب، ومطالب فئات الشعب تحسين أجورهم مطالب فئوية، تضغط على الميزانية، في حين لا تشكو الميزانية من زيادة رواتب ضباط الجيش والشرطة، فهؤلاء يحمون الرئيس التقي، الذي نذكر من وعوده أيضاً، قولته: سأصلي الجمعة كل يوم بجلباب في حي شعبي، من دون حراسة! على أن الأمر لم ينته بعد، ولا يمكن أن يتوهم واهم، أن الاستحواذ على الدستور وصياغته، أو أخونة المناصب منتهى ما يطمح إليه الإخوان، فالأمر أعقد وأبعد شأناً، والنوايا معقودة منذ ثمانين عاماً على تأسيس المجتمع المسلم، على الطريقة الإخوانية، ومن ثم التمكين والأستاذية والخلافة، وما إلى ذلك من أفكار زئبقية، ربما يكون اللجوء إلى العنف منهجاً ضرورياً لتحقيقها، وهو أمر ليس مستبعداً من جماعة، يكشف تاريخها عن ضلوعها في جرائم ضد معارضيها، وهي جرائم تحصنت بتعاليم سيد قطب الذي يقول: "نحن والجاهلية على مفترق طرق، فإما إسلام أو جاهلية، ووظيفتنا وضع التقاليد الإسلامية محل الجاهلية، والناس ليسوا على صحيح الإسلام ويجب ردهم إلى الدين" هل يعني هذا الكلام شيئاً إلا تكفير المجتمع بأسره؟ وماذا على المسلم أن يفعل إذ يتأهب لحرب المرتدين عن الدين، غير أن يعد لهم ما استطاع من قوة؟ أليس يوحي اكتشاف حجارة وقطع رخام في مقار حزب الحرية والعدالة، بأن العدة قد بدأت، وبأن الجماعة أطلقت النفير، واستعادت الصيحة: استعدوا يا جنود؟ لاشك في أن الجنود مستعدون، والأسلحة جاهزة، لإقامة المجتمع المسلم الذي يريدون، أو بالأحرى لأخونة الإسلام.. الإسلام الذي يتاجرون به، كي يجعلوا رئيسهم رجلاً يسير على الأرض، بصلاحيات سماوية، لم يحظ بها نبي في الأولين ولا الآخرين.. ويزعمون أنها فترة انتقالية تستغرق فقط ثلاثة أشهر. [email protected] Comment *