سيستغل الخبثاء عبارة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، الدكتور محمد بديع، في مديح الرئيس محمد مرسي، إذ قال: إن مثله كمثل ذي القرنين، فيشنون حرباً ساخرة على الإخوان، وسيلجأ الذين يريدونها هزواً، إلى عبارات لاذعة، تعزف على وتر "خرفنة" المنتمين إلى الجماعة، كما دأبت صفحات إلكترونية، على شبكات التواصل الاجتماعي. والخرفنة التي يقصدها هؤلاء: مفردة تنتسب إلى الخرفان، ربما تظهر لها اشتقاقات مستقبلاً، فيقال: خرفنّ ويخرفنُ خرفنةً، أي يردد الكلام بلا فهم، ويعتنق السمع والطاعة بلا تفكير، وقد يشيع استعمالها، مثلما أشيعت مفردة "أخونة" نسبة إلى الإخوان، بحكم مستجدات السياسة. على أن الخبثاء لا يعلمون، من يكون ذو القرنين؟.. وهذا متوقع من شراذم العلمانيين، و"الأنجاس الليبراليين" على حد التعبير البذيء، لوجدي غنيم. وحتى ينقطع سبيل السخرية على الفجرة، فإن ذا القرنين، كان ملكاً صالحاً، وقد استصرخه مستضعفون، من ظلم ياجوج ومأجوج، فبنى لهم سداً منيعاً، وأذاب الحديد والنحاس ليكون البناء حصيناً، فحقق نهضة، عمادها الأمن والأمان، لا نهضة كالطائر، له عنق وجناحان ومؤخرة "زلموكة بالعامية"، كما وصفها رئيسنا الميمون، ذات خطبة جمعة، من خطبه البليغة، المليئة ببديع اللغة، وخيرات البيان. ويقول المرحوم سيد قطب، عضو مكتب الإرشاد الأسبق، عن ذي القرنين: "إنه نموذج الحاكم الصالح، لا يتجبر ولا يتكبر ولا يطغى ولا يتبطر، ولا يستغل البلاد والعباد، يستخدم القوة التي يسرها الله له في الإصلاح، يحق الحق، ويجعل السلطة للتعمير والإصلاح والعدل". إذن.. لا مجال للسخرية من ذي القرنين، ولا مجال للمقارنة أيضاً، بينه وبين الرئيس، فالملك الذي ورد ذكره في سورة الكهف، حقق عدالة اجتماعية، ووفر عيشاً كريماً وكرامة، ورسخ عدلاً من دون أن تتظاهر الشعوب التي يحكمها لمطالبته بمحاكمة قتلة أبنائها، فإذا بحراسه يقتلون المزيد منهم، وهو عن الدم المراق، منشغل بميزانية تأمين صلواته! إن الرموز والقيم الدينية السامقة، كذي القرنين، والعبد الصالح، وأنبياء الله، وملائكته، وصحابة الرسول، في مكانة نقترب إليها فقط، لنتعلم ونتتلمذ ونقتدي، ومن ثم فإن المرشد على الأغلب، قد اعترته حماسة عارضة، وحرارة مباغته، وربما ارتفعت نسبة الأدرينالين في دمه، فقال جملته الطائشة، التي أرجوه مخلصاً، أن يتوب عنها ويستغفر، قبل أن يغضب التكفيريون ممن غادروا السجون، في أوكازيون العفو الرئاسي، فيعلنونه كافراً، ما يستنزف ميزانية الدولة على تأمين فضيلته، لأن من المنطقي، وإذا كان تأمين صلاة الجمعة للرئيس يكلف نحو ثلاثة ملايين، كما يتردد، فإن تأمين الرجل الكبير، الذي يقبل الرئيس شخصياً يديه، في خشوع السمع والطاعة، سيكلف أضعاف هذا المبلغ. لكن المرشد وبعدما بالغ وجانبه الصواب، حين قارن الرئيس الذي تربى على حجر فضيلته بذي القرنين، لم يقف عند هذا الحد، فقد استهزأ في كلامه من الزعيم الكبير جمال عبدالناصر، ومن السد العالي، الذي أنار مصر بالكهرباء وما يزال، في حين أن عهد ابن الجماعة، بدأ بأزمة كهرباء، لم يتفتق ذهن عباقرة حكومته عن حل لها، سوى دعوة الشعب لارتداء القطن! الهجوم على ناصر، في خطاب الجماعة، التي حاولت اغتياله حياً، فلما نجا، عادت تحاول اغتيال إنجازاته، وهو بين يدي الله، يكشف عن عقدة إخوانية مركبة، يحار سيجموند فرويد نفسه في تحليلها.. عقدة تزداد تعقيداً في الأيام الراهنة، فيما ثوار ميدان التحرير وشارع محمد محمود، يرفعون صور القائد الراحل، ويهتفون بمبادئ العدالة الاجتماعية، التي رسخها واقعاً، ولولاها لربما مكث المرشد العام، عمره كله، في قرية صغيرة بمحافظة المحلة، حيث ولد وهو يزرع أو يرعى الأغنام، ويسوس البهائم في الغيطان، لا أن يصبح أستاذ طب بيطري، يشار له بالبنان، ويقصده كل من له بهيمة مريضة، فيجد لديه الدواء والترياق. الميادين التي ترفع صور ناصر وتهتف: "بيع بيع بيع الثورة يا بديع" كشفت عن أن ناصر مازال معنا، يبتكر الثورات صادقةً، يقود الشعب إلى صناعة حاضره ومستقبله، وهكذا ربما علينا تفسير كلام المرشد، ولا نسخر من زلة لسانه إذ شبّه الرئيس، بذي القرنين، ولا مبرر أيضاً، "لخرفنة" عبارات كهذه، تنضح "لا تنطح" توتراً وشعوراً بالضآلة. [email protected] Comment *