* مواطنون يؤكدون: الاستفتاء مرحلة انتهت والآن وقت بناء الدولة جوبا – سليمان سري: “بلد طلع خلاص” أو “بلد مرق خلاص”، هي عبارات شاعت بقوة في جوبا يتداولها المواطنين يقولها بعضهم للبعض الآخر بعد التحايا وبعد النقاش حول الاستفتاء، وكأنها عبارة توافقية بين المتحدثين عن حسم مصير الجنوب، يقولونها في عجالة باللغة الدارجة، باعتبارها حقيقة ثابتة لا تحتاج لتوقف أمامها، والعبارة تعني بوضوح أن الجنوب انفصل عن الشمال. “أجراس الحرية”، سألت أحد المواطنين بالقرب من أحد مراكز الاقتراع، عن معنى الجملة. كان عدد من الشباب يتجمعون لمتابعة إجراءات عملية الاقتراع كجزء من المراقبة التابعة للحركة الشعبية، يشرف عليها أليكس لوتيت موسيس. ببساطة شديدة كان رد المواطن الجنوبي إن العبارة تعني الاستقلال وتعني أن الجنوب أصبح دولة، وأنه “تحرر من الشمال” وتعني أيضا أن الجنوبيين “تحرروا من بعض السلوكيات في الشمال التي تتعامل بعنصرية مع الجنوبيين”. وأمنيا، عاد السكون إلي مدينة جوبا عاصمة حكومة جنوب السودان بعد انتهاء عمليات الاقتراع في كل مدن الولاية. وشهدت المدينة هدوءا عاما في الحركة العامة للمواطنين في الشوارع وانتهي الزخم الإعلامي والجماهيري لعملية الاستفتاء وغادرت الوفود الإعلامية الفنادق التي وصلت أعدادها إلي (2600) صحفيا ومصورا ومراقبا، تاركين البلدة بعد حالة انتعاش مؤقتة في سوق الفنادق حيث وصلت أسعار الغرفة إلى ما بين 150 و200 دولارا أمريكيا في اليوم بعدما كانت 100 دولار. وفي غضون ذلك، وجدت دعوة رئيس حكومة جنوب السودان سيلفا كير ميارديت مواطني الجنوب إلى مسامحة الشماليين على الحروب التي خاضوها ضدهم استحسانا. وكان كير قد حث في أول كلمة له بعد انتهاء عملية الاستفتاء في جنوب السودان، وخلال قداس كاتدرائية القديسة تريزا، الجنوبيين على مسامحة الشماليين بعد الحروب التي خاضوها ضدهم. وقال كير في كلمته: “من أجل أشقائنا وشقيقاتنا الذين فقدناهم، وخصوصا الذين رحلوا عنا خلال المعارك، ليباركهم الله وليعطهم الراحة الأبدية، أما نحن فعلينا مثلما فعل السيد المسيح على الصليب أن نغفر للذين تسببوا بقتلهم”. أما نائب الرئيس جوزيف لاقو، فقد اعتبر أن الباب “سيظل مفتوحاً بين الشمال والجنوب”، وتوقع عودة البلدين مستقبلا مسترشدا بعدد من الدول التي نالت استقلالها وعادت للاندماج وقال لاقو في حفل اقامه وزير الإعلام في حكومة الجنوب تكريماً للصحافيين الذين شاركوا في تغطية الاستفتاء: إن الوحدة يمكن أن تعود “حتى بعد خمسين عاماً”. وأضاف “لقد رأينا ألمانيا تتوحد بعد خمسين عاماً من الجدار الفاصل بين الشطرين وأصبحت ألمانيا موحدة”، وتابع قائلا: “اتركوا الباب مفتوحاً بين الشمال والجنوب وعلينا ألا نغلق التعايش بيننا”، مؤكدا أنه “بالاستفتاء انتهت الحرب بين الشعبين إلى الأبد”. من جهته قال وزير الإعلام، برنابا بنجامين في حفل التكريم الذي وزعت فيه شهادات للصحافيين إن الإعلام الذي قام بتغطية عملية الاستفتاء قدم جنوب السودان بصورة جيدة وحيوية وشهد العالم “الأسلوب الحضاري لشعب الجنوب”. وقال إن عملية الاستفتاء لم تراق فيها نقطة دم واحدة في كل الجنوب، كما أن الإقليم، الذي يعتبر أكبر من دول كينيا وأوغندا وراوندا مجتمعة، حدثت فيه “تطورات هامة”. وأضاف برنابا لقد: “بدأنا من الصفر بعدما خرجنا من حرب طويلة، ولم يكن هناك طريق واحد معبد والآن شهد العالم كيف أننا عازمون على المضي قدما لتحقيق التنمية”، وقال إن فرص الاستثمار في الجنوب كبيرة وأن الجنوب أصبح لديه خمس شركات اتصال إضافة إلي عدد من البنوك، هذا بخلاف عدد كبير من السفارات الأجنبية. وبعث برسالة إلى المشككين في الوضع الأمني في الجنوب مفادها أنه “لو لم يكن هناك أمن في الجنوب لما شهدنا هذه السفارات الكثيرة هنا”. وبعدما استمرت الحياة العملية في جوبا، دون تعطل ولو ليوم واحد، أثناء سير عملية الاقتراع، بدا المواطنون واثقون من أن النتيجة محسومة لصالح الانفصال وارتسمت علي وجوههم علامة الرضا والقناعة ببناء الدولة الوليدة. إلي ذلك، اعتبر المواطن بيوس أوجوك فرنسيس أن يوم التاسع من يناير مثل لهم احتفالا تاريخيا وقال إن الجميع “هنا رقصوا وتغنوا بأغاني الحرية وهتفوا”. وقال جويس الذي يسكن في مواجهة مراكز العمارات إنه صوت في اليوم الأول واصطف مع المواطنين في الصفوف الطويلة وقال إنه بات يوم الثامن من يناير في الشارع خارج المنزل وقال: “كان بإمكاني الانتظار ليومين حتى تهدأ عملية الازدحام علي التصويت ولكني فضلت الانتظار في الصفوف الطويلة وأن احتفل مع أهلي وعشيرتي” وأضاف أن الجميع ينتظرون يوم الاحتفال الكبير (يعني يوم إعلان النتيجة أو الاستقلال) واعتبر أن التجربة أكدت “قدرة شعب جنوب السودان علي الحفاظ علي السلام والتعايش السلمي”، وأنهم قدموا “نموذجا لكل دول العالم بديمقراطية الممارسة وعدم وجود عنف مصاحب للعملية”، معبرا عن اعتقاده بأن الاستفتاء “أزال كل المخاوف في أذهان الذين كانوا يتصورون أعمال عنف تصاحبه خاصة بعدما جزم البعض باحتمال عدم قيام العملية من أساسها لكن قدرة حكومة الجنوب وشعب الجنوب وإصرارهما وحرصهما علي ممارسة حقوقهم التي نصت عليها اتفاقية السلام الشامل دفعهم لتنظيم الاستفتاء في موعده” وأكد جويس أنه عاود عمله في اليوم الثاني حيث لم يشغلهم الاستفتاء عن حياتهم العملية، كما أنه لم يلاحظ إغلاق محال تجارية بعينها، بل سارت الأمور كلها “بشكل طبيعي”. أما المواطن إليان كور أدور فقد رأي أن الاستفتاء مرحلة وانتهت ولا نحتاج إلي التوقف عن العمل الجميع كانوا في انتظار اللحظة التاريخية والآن تبقت “مرحلة بناء الدولة”. وقال إن الجنوب يستعد الآن لبناء دولته وأن شعب الجنوب عليه أن ينتج وألا يعتمد علي المنح والهبات. وأضاف إليان الذي يعمل في مؤسسة حكومية إن العمل لم يتوقف والحركة التجارية كانت طبيعية وحتي اليوم الجميع ذهبوا إلي أعمالهم بمعنويات عالية وتابع “شعب جنوب السودان الآن يفكر في بناء دولته والجميع سيساهمون في تنمية بلادهم كل في مجاله. فالاستفتاء مرحلة انتهت والآن تبقي بناء دولة الجنوب ذلك هو التحدي الذي ينتظر الجميع حكومة وشعباً” ينشر بالتزامن مع جريدة أجراس الحرية السودانية