كان لميلادي ذكرى أرهقتني، حيث سجلت اللحظة الأولى بذاكرتي، الدماء التي لطخت وجهي، هذا الألم، الصراخ؛ والاختناق الذي حدث من تلك الهزة القوية التي دفعت بي خارجا، من كوة حشرتني بداخلها تسعة أشهر، أنقضت دون أن تضاف لعمري. لعل الموت لا يربكني مثل وجودي بالحياة، كلاهما لا إرادي، الحياة الرحمية والحياة المستهترة التي يعيشها الآخر بداخلي، جعلتني لا أفزع من الموت، كانت أنفاس الندم لا تصاحبني، ولا لحظات الفزع. دربت نفسي، مثلما كنت في غيمة الرحم لتراني في تابوت الموت، لقد غزوت الموت بنشوة ونرجسية. تخيلت نفسي، ملفوفة بالبياض، أراني وليمة لجحافل الدود، إنه يفترسني بشهية، يحتشد حول عيني، يبني كوخا داخل دائرتهما بعد أن تلذذ بالمقل، يرتشف رئتي بروية، طرية، لزجة؛ حتى يصل بطني وقد أنتفخ، وتعفن ينقض ويزحف تسيل الجيفة، يتجه لقلبي، يستريح بجانبه، يسمع بداخلي جرحا نازفا، ينكأه للمرة الأخيرة ويلتهم اللحم والعظم,........ يستريح حتى يتجدد ويكرر. هكذا كل شيء لا إرادي بحياتي يمر دون أن يضاف لعمري، ولعله من الفرضيات المسبقة أن تحصرني في شخصية واحدة. لا أخفيكم أن تصوري للموت دفعني للحياة بحب، ودفع الآخر بداخلي أن يخوض في لجة موج هذا الحب، كنت أنظر له وأرى فيه ازدواجيتي. أصواته بداخلي كوسادة تحتية أنام عليها، أعصابه المشدودة توقظني، تحديه للموت، للناس، للشجر الذي يستنبته ليعلمه الطيران، للأسماك؛ الفراشات التي تحرسها الذئاب، للبئر, للقافلة. كانت مهارتي في تجسيد نفسي، تدفع بي لأوقات كثيرة إلى العزلة، لا يصاحبني فيها سوى هذا الآخر، الذي ظل يلاصق روحي كاللحاء الملتصق بالشجرة. في صباح مؤلم، تمنيت أن تتحول عاطفتي، أن أخرج مني، بهجوم يخالطه البرق، تتمرد السحب بداخلي، رحت أسجل لحظة خروجي مني، أو خروج الآخر. لأنني أجيد رؤية نفسي في الحياة والموت، فمن السهل أن أرى نفسي وأنا أهجر هذا البحر اللجي المسمى بالحب. أغمضت عيني جيدا، وضعت طقوس الفراق في أسفنج الأيام، لتشرب ما يتقاطر من ألم. أخضعت نفسي للمعاناة الحقيقية، واستشعار لذة تعذيب الذات، اقتربت بالشفرة من قلبي، سمعت صرخات المطر الغاضبة، بدا لي أنه كرة نارية تنفجر في سماء مجهولة، شرارة تمتد بالكون بكل أبعاده، عميق، فريد, يجيد تبرير كل شيء, المطر يروي ظمأه بداخلي، لقد تحولت عاصفتي إلى عاطفة متعصبة، حاولت أن أختبر قوتي. وأكرر..... القلق.....الغيرة.....الفراق... لقد ضاعت مني لوحة مفاتيحي، هل يمكن لنا أن نتصور لحظة الحياة و الموت، ولا نتصور لحظة موت الحلم. تدخلت الكاتبة لتنهي نزيف الكلمات، بينما تتصبب الدموع خارج جسدي لتجيب قائلة: سيدتي.. عاطفة المرأة تجعلها مثل كائنات تدق مساميرها في الهواء. Comment *