عن مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي ببيروت، وضمن سلسلة "أعلام الفكر والإصلاح في العالم الإسلامي"، صدر كتاب "عبد الرزاق السنهوري أبو القانون وابن الشريعة" للباحث المصري الشاب محمود عبده ، ليكون دراسة في المشروع الفكري والرؤية الإسلامية لعلامة القانون الأشهر في العصر الحديث الدكتور السنهوري.. يبدأ الكتاب بفصل عن سيرة للسنهوري من خلال مذكراته وأوراقه التي نشرتها ابنته بعد وفاته، ومن خلال المصادر الأخرى التي تعرضت لسيرته، ويستعرض المؤلف فيه حياة السنهوري منذ ولادته بالإسكندرية عام 1895م، مروراً بمسيرته الدراسية ومجيئه للقاهرة للدراسة في "مدرسة الحقوق" ثم عمله بالنيابة العامة ومشاركته في ثورة 1919م، ثم عمله مدرساً بمدرسة القضاء الشرعي وسفره لفرنسا، وما تلا ذلك من محطات في حياة الفقيه القانوني الأشهر، كان أبرزها تكليفه بوضع القانون المدني لمصر وعدد من الدول العربية، وتوليه أكثر من منصب وزاري فيما قبل يوليو 1952م، ورياسته لمجلس الدولة المصري، وصولاً للفصل الأخير من حياته الذي اصطدم فيه بالرئيس جمال عبد الناصر، فحُددت إقامته حتى توفي عام 1971م. وفي الفصل الثاني يتناول المؤلف الروافد التي ساهمت في تكوين السنهوري على المستويين الإنساني والفكري، وكان أبرزها: الأسرة والعوامل الوراثية، والنشأة السكندرية والتربية، والتعليم، والعمل بالقضاء، والخبرات والتجارب (وعلى رأسها السفر للخارج)، والثقافة الذاتية،التي تنوعت بين الثقافة القانونية والشرعية والأدبية والسياسية. وفي الفصل الثالث يعرض الكاتب الركائز التي قام عليها مشروع السنهوري الفكري ورؤيته الإسلامية، وهي: قضية الوحدة ( بأبعادها الإسلامية والعربية والوطنية)، وقضية تجديد الشريعة الإسلامية لتعود نظاماً قانونياً للأمة الموحدة، وقضية نهضة الأمة في كافة المجالات، وتحت هذه العناوين يعرض الكاتب لقضايا بالغة الأهمية: مثل مفهوم الإسلام الحضاري، وصلاحية الشريعة للتطبيق في العصر الحالي، وتجديد الفقه الإسلامي، والاستقلال السياسي والاقتصادي وإصلاح التعليم، والنهوض باللغة العربية. وفي الفصل الرابع يتناول المؤلف مشروع السنهوري لتجديد الخلافة الإسلامية، الذي قدمه في رسالته للدكتوراه بعد سقوط الخلافة العثمانية بشهور، وفيه تعرض السنهوري للأصول النظرية للخلافة في الفقه الإسلامي، ورؤيته لتطوير تلك المنظومة على نحو عصري تحت مسمى "عصبة الأممالشرقية"، واجتهاداته في تلك القضية. أما الفصل الخامس فيتناول جهود السنهوري وأفكاره في قضية تجديد الشريعة الإسلامية، ومن ذلك طرحه لقضية "القانون الدولي الإسلامي"، وتجديد مفهوم "الإجماع" في الفقه الإسلامي، ويثير هذا الفصل قضية بالغة الحساسية وهي خضوع غير المسلمين لأحكام الشريعة الإسلامية في الأحوال الشخصية، كما يتعرض المؤلف لقضيتين بالغتي الأهمية في فكر السنهوري ظهرتا في القانون المدني المصري، وهما: إجازة الفوائد على القروض، وإباحة عقود الغرر التي يسميها القانون "العقود الاحتمالية"، ويقوم المؤلف بمناقشة أفكار السنهوري في القضيتين ويرد عليهما بالمنطق القانوني والشرعي. وفي الفصل الأخير يقدم المؤلف الخصائص العامة لمشروع السنهوري الفكري وسماته، وأبرزها: الأصالة، والمقارنة، والواقعية، والاعتدال، ويُختتم الكتاب بقائمة بالآثار الفكرية للسنهوري، التي تشمل مؤلفاته القانونية والإسلامية، ومحاضراته، ومقالاته الصحفية. ربما يأتي الكتاب في وقت مناسب، فهو يشتبك مع عدد من القضايا الفقهية والسياسية المثارة على الساحة حالياً، مثل مفهوم الشريعة الإسلامية، وولاية المرأة وغير المسلم للحكم، وقضية "السيادة والحاكمية"، وغيرها من مفاهيم وقضايا مطروحة في ظل المعركة السياسية المشتعلة بخصوص الدستور الجديد. Comment *