الشعب كان يريد إسقاط النظام..لقد خرج الشعب فى يناير 2011، يطالب بالعيش، والحرية، ويصرخ ضد الظلم. ولكن أبرز الهتافات التى ألهبت صدور الشباب:الشعب يريد إسقاط النظام. فما هو هذا النظام الذى خرج الشعب ضده، و نادى الشباب بإسقاطه؟ يمكن القول انه بالنسبة للناس فى مصر، كان النظام يعنى شيئين رئيسيين: السرقة والنهب من جانب، والضرب والإهانة من جانب آخر. يندرج تحت هذين البندين كثير من التجليات، مثل العمارات المنهارة، والعبارات الغارقة، الصحة المعتلة، الطعام الفاسد، الأراضى المنهوبة،الأسعار المرتفعة، وغيرها من المظاهر التى يمكن أن يفرد لها صفحات لتعدادها، وتعداد ما أصابنا من خراب. و فى المقابل، يحمى هذا الدمار رجال شرطة يتحكمون فى كل شىء بدءاً من كمين مرور صغير فى الشارع، الى تعيين صحفى أو مذيع، الى ترقية أستاذ جامعى، أو شغل أى منصب فى الدولة. وبالطبع كان أى اعتراض ولو بسيط من أى مواطن يواجه بالسحل والضرب، وهتك العرض، والتعذيب حتى الموت، و فى بعض الحالات موت بدون تعذيب. بالنسبة للمواطن العادى، كان نظام مبارك يتكون من "رجال أعمال فاسدين"، و "شرطة مفترية "، أما البطالة والتعليم والعلاج، فهى قضايا ينشغل بها، و لكنه يعلم أنها قضايا مركبة، وتحتاج وقت لحلها، لذلك برغم إداركه أهميتها، إلا أن صرخته الأساسية كانت "أوقفوا جشع رجال الأعمال اللصوص"، و" أوقفوا بطش وبلطجة الداخلية"، لكى نصبح بشراً يمكن أن يحلموا بتحقيق آمالهم فى حياة كريمة. وهكذا كانت ثورة الشعب فى 25 – 28 يناير2011، تعلن شعاراتها بوضوح: ضد مبارك، ضد الفساد، وضد الشرطة. ولكن مع خلع مبارك، انفجرت كل الآمال والأمانى المكبوتة مرة واحدة: من تعليم، وصحة، وأجور ومرتبات، ونظافة وإسكان. وكبر الحلم ليشمل المرور، و دور مصر الاقليمى،ومياه النيل، حتى اختراعات الشباب وجدت طريقها للظهور. وهكذا كثرت الأحلام وتشابكت الآمال. و بالطبع كان المجلس العسكرى- عدو الثورة الأول، برغم ادعاءاته - هو الذى يدير أهم مرحلة بعد رحيل مبارك. فعقد صفقة مع الإخوان، وأطلق السلفيين فى البلاد، وهجم على الثوار، وأذاق الشعب المرار فاختلطت الأوراق عن قصد، وتم إلهاء الشعب عن الهدفين الواضحين بعد مبارك: رجال الأعمال، و الشرطة. ولكن اذا كنا نريد أن نحقق آمالنا فى وطن كريم، يمنح المواطن حقوقه، ويقوم على دستور يحترم المواطنين، وقانون يحترمه المواطنون، يجب علينا أن نتخلص من أهم أعمدة النظام القديم: رجال الأعمال اللصوص، والداخلية المفترية. فهل تم حصر جرائم رجال الأعمال الفاسدين؟ وهل تمت محاسبتهم؟ ثم هل تم حصر جرائم رجال الشرطة القتلة والمفسدين؟ وهل تمت محاسبتهم؟. لعلنا نذكر فى الشهور الأولى بعد خلع مبارك، هذا السيل من البلاغات عن الفساد فى كل شبر فى مصر. بلاغات من العاملين بكل هيئة وشركة وقطاع يقومون بتقديم أوراق ومستندات تثبت علميات الفساد والنهب، وحقوقيون ونشطاء يرفعون قضايا وبلاغات للنائب العام. ثم ماذا حدث؟ لاشىء.. المحصلة لاشىء. لقد نجح المجلس العسكرى فى صرف أنظارنا بأسلوب "الثلاث ورقات"عن الهدفين الأساسيين، وأدخلنا فى مجموعة من المعارك المتتالية من لعبة الاستفتاء، الى المحاكمات العسكرية، وكشوف العذرية، الى حرق الكنائس وهدمها، والتهجير القسرى. ويتخلل هذا أزمات بنزين وسولار و غاز. و بين الحين و الأخر، يتم إلقاء القبض "على عدد من رجال الأعمال" بتهم تافة، وآخرين بتهمة الاشتراك فى موقعة الجمل وتتم إضافة أسماء تحظى بكراهية الشعب، ثم مرة أخرى: ماذا حدث؟ يتم إخفاء الأدلة، ومسح الشرائط، و تزوير الشهادة، لكى يتمكن النظام من تبرئتهم جميعاً،مثلما حدث فى محاكمات الضباط قتلة المتظاهرين، ومازال يحدث حتى الآن. قد يتصور البعض أن إنهاء خدمة بعض اللواءات لبلوغهم السن القانونية للمعاش أو غيره، وأن اختفاء بعض رجال الأعمال عن الأنظار لفترة يمكن أن يحل المشكلة ، أو يلهينا عن الحساب. إن هذا لن يحدث، ولذلك مازلنا نسأل: أين الأموال التى نهبها مبارك و عائلته وحاشيته فى الداخل و فى الخارج؟ أين الأموال والأراضى التى نهبها رجال الأعمال ؟ أين الحساب عن جرائم مبارك ونظامه؟ أين الحساب عن جرائم رجال الأعمال ؟ أين الحساب عن جرائم رجال الشرطة ؟ ثم أين حساب المجلس العسكرى عن الجرائم التى ارتكبها بحق الثوار، وكذلك حسابه عن الامبراطورية الاقتصادية التى يهيمن عليها، ويعتبرها أملاكه الخاصة؟ إننا لن نتقدم خطوة للإمام قبل أن نحاسب من أفقرنا.. و أمرضنا.. وأهان كرامتنا.. و قتل أبنائنا: رجال الأعمال اللصوص .. لن تنعموا بأموالنا سواء تصالحتم مع الإخوان، أو مع غيرهم. رجال الشرطة القتلة... لن تهنأوا بأحكام البراءة، سواء مسحتم الأشرطة، أو تصالحتم مع الإخوان، أو مع غيرهم. إن أى نظام أو حكومة، او رئيس يتصالح و يتعاون مع أعداء هذا الشعب، ويتصالح مع رجال الأعمال، و يصحبهم معه فى الطائرات، و يتجاهل إعادة محاكمة القتلة ليس له أن يخاطبنا عن الشرعية، و لا عن الثورة، ولا أن يدعى أنه يقترب منها حتى ولو خطوة ... كفانا كذباً و تزويراً. فالشعب مازال يريد إسقاط هذا النظام!!. Comment *