اتفق عدد من المفكرين والكتاب الفلسطينيين، من بينهم أصدقاء مقربين من الفنان الراحل ناجي العلي، أن "العلي" كان صداعًا حقيقيًا في رأس إسرائيل، وفي رأس منظمة التحرير التي بدأت في الاتجاه إلى التسوية منذ بداية الثمانينيات، مستبعدين تورط الشاعر محمود درويش من قريب أو بعيد في اغتيال العلي. مؤكدين "للبديل" أن ناجي، والتي مرت أمس الذكرى الخامسة والعشرين لاستشهاده، كان مؤمنًا بالمقاومة وليس بالرصاص لذاته كرصاص. وآمن بالكفاح المسلح لأنه يعلم أن هذا الصراع لا يمكن حله سوى بالنضال لأن التناقض تناحرياً مع استعمار استيطاني. وكان مع حق العودة وكان يعلم أن ذلك لا يتم بغير التحرير. في البداية، أوضح الدكتور عادل سمارة، رئيس تحرير مجلة كنعان التي تصدر في رام الله، وأحد أصدقاء ناجي أن العلي، أن اغتيال ناجي، في تقديره، بدأ منذ طرده ناجي من الكويت وسرده ذلك لي كما قال: حيث طلبه ضابط مخابرات كويتي وأبلغه بضرورة مغادرة الكويت، وقال له الضابط هذا بأمر من حكومتنا وبضغط من السعودية وياسر عرفات. وفعلا غادر ناجي إلى لندن عبر علاقته بجريدة القبس. وتابع سمارة: في لندن أصبح الرجل مكشوف الظهر وبوسع الكثير من قوى الثورة المضادة اغتياله متشاركة أو فرادى أي يضيع دمه بين القبائل. وكل لأسبابه. البعض لتصفية الحساب معه والبعض كي تضع أخرى/يات في موقع الشبهة والاتهام. والقوى المقصودة، السعودية، الكويت، والكيان الصهيوني الإشكنازي، ومنظمة التحرير الفلسطينية، والحكومة البريطانية....الخ. وأشار صاحب كتاب " التطبيع يسري في دمِكَ" إلى أن بيت القصيد أن المخابرات البريطانية اعتقلت أربعة أشخاص فور اغتيال ناجي وبعد عدة أشهر أفرجت عنهم ولم تُعلن أية تفاصيل. اعتقادي أن لدى المخابرات البريطانية دلائل قوية، لكنها لمصلحتها لن تعلن عنها. فلا توجد لا قوة مجتمع مدني ولا دولة قوية أو ضعيفة بوسعها الضغط لمعرفة الحقيقة؟ أقصد أن الأمر ضاع بين توازنات ومصالح. ويروي سمارة: يوم الاثنين 20 تموز 1987 السابعة صباحاً ذهبت إلى بين ناجي في ويمبلدون لأخذ ابني يزن إلى المدرسة حيث كان يبيت في بيت ناجي لصحبته مع ابنه الصغير أسامة. جلسنا في المطبخ والكل نيام، وغلى ناجي قهوة ما زلت أذكر مراراتها وقال لي: هذه المرة سوف يقتلونني، قلت كيف؟ قال اتصل بي أبو فارس ابن خالتي وهو مستشار لياسر عرفات للشئون الشيوعية وقال لي إذا لم تمدح عرفات سوف تُقتل! وحول طبيعة الطرف الذي نفذ الجريمة، عرفات، بريطانيا، الكيان الصهيوني الذي يخترق منظمة التحرير، قال سمارة: لا يمكنني الجزم. فتصفية ناجي في مناخ التطبيع ومأزق منظمة التحرير حينها أصبحت ضرورية سواء للكيان لأنه يريد للمنظمة أن تركع تماماً، وهذا ما حصل، أو لقيادة المنظمة التي كانت تتهيأ للركوع الفعلي، وهذا ما حصل، ولذا، كانت إزاحة ناجي مسألة ضرورية ومفيدة ودرس للآخرين، أما بالنسبة لتورط أجهزة مخابرات عربية فالإجابة على ذلك تحتاج إلى يحتاج لجهاز مخابرات. وبالنسبة للتهديدات والتحذيرات التي كانت تصل إلى ناجي، أشار سمارة أنه لا يذكر أن ناجي كان كثير الحديث عن هذا الأمر. وقال: كان رأيي في التهديد والتخوفات أن يأخذها ناجي على محمل الجد. ففي عالم النظم الرأسمالية كبريطانيا لا قيمة حقيقية للإنسان خاصة من بلدان المحيط ومن العرب ومن فلسطين، دعك من مزاعم سيادة القانون والمجتمع المدني والدول الديمقراطية والفلسفة اللبرالية. كل هذه تتلاشى حينما يكون هناك خطراً على مصالح الطبقة الحاكمة/ المالكة. أما عن دول الاستبداد ومنظمات كمنظمة التحرير فالأمر أكثر بؤسًا. وأضاف: بالنسبة لتحذيرات أبو إياد، لست أدري ماذا قصد أبو إياد، لكنني أعلم من ناجي أن أبا إياد كان يود ناجي وأنه نصحه، لكنني لا أعلم الصيغة. والجماعة قد تعني الكيان كذلك. ومن حيث الخطر ناجي كان يمثل أو هو جزء من قوة الفن والثقافة التي لا تساوم، هذا ما أسميه "المثقف المشتبك" وهو في موقف أعلى من المثقف النقدي. ناجي كان له موقف وممارسة ولم يكن فناناً منعزلا عن الطبقات الشعبية، كان بينها ويبحث عنها. ناهيك عن هذا الموقف هو في النهاية الموقف الوطني. ويتذكر سمارة: بعد اغتيال ناجي قلت في نفسي: كان يجب أن نوفر حماية لناجي؟ لكنني تداركت: ولكن من نحن وما الذي بيدنا. حتى لو رافقه صديق فيمكن اغتيال الاثنين. لست أدري إن كان معنىً بأن يسجل ناجي شكوى لدى شرطة لندن؟ ولكن ماذا كانوا سيفعلون لحماية عربي؟ لا شك أن المخابرات البريطانية كانت تعلم أن الرجل جرى ترحيله من الكويت وبالتالي لديها شكوكاً في أنه سيُغتال. لذا كان بوسع هذه المخابرات إبلاغ دول القتلة المحتملين بأن هذا أمر مرفوض؟ لكنهم لم يفعلوا! ورأى سمارة أن العلاقة بين ناجي والشاعر محمود درويش لم تكن جيدة أبدًا، وقال:لم يكن يتحدث ناجي عن درويش كثيراً، لكن ناجي كان من موقف وموقع نقيض لمحمود. محمود كان مثل شوقي شاعر البلاط. وناجي ناقد البلاط. ومع ذلك ناجي كان طيباً والطيبة هي حالة قوة . ذات مرة كما قال ناجي وخاصة بعد كرتون محمود عضو اللجنة التنفيسية، اتصل محمود وقال لناجي أنت تهاجمني مع أنك غارق في فلوس النفط. "لأن ناجي كان ينشر في القبس" فقال ناجي أنا أرسم بشروطي ولكن أنت ورئيسك تغرقون في النفط من الرأس للقدمين. ومع ذلك يا محمود أنا أنقدك لأنني أحبك ولا أحب أن تسقط. كان آخر رد محمود: دير بالك مني! لكنني لا أعتقد أن محمود له علاقة بالاغتيال. وتابع: حينما نشرت مجلة المجلة وهي سعودية كانت تصدر في لندن ورئيس تحريرها صالح القلاب "من الأردن" نشرت مقابلة مع محمود يقول محمود أن الفلسطينيين مستعدون للتفاوض والاعتراف بالكيان. كتبت أنا مقالة في جريدة العرب نقدًا لمحمود اتصل ناجي وقال: "يا أخي شكرًا أنك حملت معي كتفاً". طبعا بعدها رد ضدي إميل حبيبي، ثم رجاء النقاش ونشرت مقالاتهم في جريدة الاتحاد في حيفا ومجلة اليوم السابع لبلال الحسن في باريس ومجلة فلسطين الثورة. كانت معركة انتهت باغتيال ناجي وهروبي إلى رام الله قبل أن أكمل بحث الدكتوراة. وعن توتر العلاقة بين ناجي والحكومات الرسمية في مصر، والذي تسبب في هجوم عنيف على عاطف الطيب ونور الشريف عندما قاما بتنفيذ فيلم "ناجي العلي". ومدى تأثير ذلك في اشتراك الأجهزة الأمنية المصرية في اغتيال العلي؟ قال سمارة: لا أعتقد أن للمخابرات المصرية دوراً. كما أنني لا أستطيع قراءة دور المخابرات. أضف لهذا أن الفيلم مسألة فنية وتجارية ولا أعتقد أن نور الشريف مرتبط بالنظام في عمله هذا. إن كنت أذكر فإن الفيلم لم يكن قوياً، ومن جهة ثانية احتوى الفيلم على ما يشبه علاقة بين ناجي وفتاة. وهذا لا أساس ولا معنى له. استطيع القول إن ناجي كان مهمومًا بفلسطين والعرب وحتى فقراء العالم ولم يكن ميالاً لحياة مختلفة، وعلاقته بزوجته تقدمية ومتعادلة وهادئة وراقية. لم يكن الرجل لعوباً، والفتاة التي أشار الفيلم إليها كانت صديقة أسرية لنا كلنا. أعتقد أن نور الشريف وقع في فخ وضعه غيره. ولا أعلم ما الهدف. وعن إمكانية إعادة التحقيق في قضية استشهاد ناجي، وكيفية تنفيذ لك، شدد سمارة على أن هذا أمر يحتاج إلى دولة قوية ليس شرطًا فلسطينية بل عربية ذات حضور يفرض نفسه. أما من حيث القانون والعدالة، فهذا أمر رومانسي في عالم رأس المال. من جهته، رأى الشاعر الفلسطيني موسى حوامدة، رئيس القسم الثقافي بجريدة الدستور الأردنية، أن الشرطة البريطانية تحفظت على التحقيق، فمن يمسك بزمام الأمور في فلسطين طرفان، هما: السلطة جماعة عرفات وحماس في غزة، وحماس ليست معنية بفتح تحقيق عن ناجي العلي أو حتى المطالبة بذلك، قائلاً: لكن تبين أن حسن صوان وهو من أطلق النار على ناجي كان عميلا مزدوجًا لعرفات وإسرائيل، على حد قوله. وحول تورط محمود درويش أو ياسر عرفات ومنظمة التحرير، استبعد حوامدة تورط درويش، مبينًا أن ناجي اتهم درويش بالسعي لحرف المنظمة نحو التسوية وقد رسم رسمين أشار فيهما لدرويش فبعد قصيدة درويش عن بيروت والتي مدح فيها ياسر عرفات "مديح الظل العالي" وجاء فيها بيروت خيمتنا الأخيرة رد عليه ناجي برسم قال فيه محمود خيبتنا الأخيرة، وحينما قام ياسر عرفات بتعيين محمود عضوًا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير لامه ناجي قائلا عضو اللجنة التنفيسية، نعم، درويش لم يكن يطيق نجمًا غيره في فلسطين، وناجي كان نجمًا أصيلا لكن كل هذه تبقى اتهامات ولا ومن ضمنها أنه رثى كل شهداء المقاومة إلا ناجي العلي لكن هناك من يرد ذلك وينفيه، ربما غضب درويش من ناجي ربما اتصل وهدده لكن أستبعد أن يكون سببًا مباشرًا في قتل ناجي، ويظل دم ناجي معلقًا في رقاب كل المتهمين بمن فيهم عرفات نفسه حتى يثبت بالدليل قاتل ناجي الحقيقي. وعن خلافات ناجي وعرفات ودرويش، قال حوامدة: منذ أن شعر ناجي أن درويش يريد فتح قناة مع راكاح الإسرائيلي، بدأ يحذره وينبهه وينهيه لكن محمودًا كان في مع عرفات ولم يقبل نصيحة ناجي الذي كان ضمير فلسطين وكان لا يقبل الاعوجاج ولديه حاسة شم مرعبة؛ فانتبه من البداية لمخطط درويش وتيار الذهاب لإسرائيل، ناجي كان مع الرصاص ومع المقاومة ولا يؤمن بالتسويات. وعن تأثير رسومات العلي، قال صاحب ديوان "موتى يجرون السماء" رسوم ناجي كان لها تأثير كبير في الشارع العربي والفلسطيني، وناجي كانت رسومه أهم من إعلام فتح كله، تخيل كيف مكانة هيكل صحفيًا، كانت لناجي هذه المكانة الفنية والناس تتداول رسومه حتى اليوم، أضف إلى انه كان صوت معارضة، وعرفات لا يريد معارضة فهو ديكتاتور، ودرويش كذلك للأسف. فيما اكتفى المفكر الفلسطيني أحمد الأشقر بقوله: من الأجدى أن توجه هذا السؤال إلى القسم الجنائي في الشرطة البريطانية الذي حقق باغتيال العلي. عادل سماره: اغتيال ناجي بدأ منذ طرده من الكويت بضغط من السعودية وياسر عرفات ناجي أبلعني أن "أبو فارس" مستشار لياسر عرفات للشئون الشيوعية قال له إذا لم تمدح عرفات سوف تُقتل! موسى حوامدة: دم ناجي سيظل معلقًا في رقاب كل المتهمين بمن فيهم عرفات نفسه حتى يثبت بالدليل القاتل الحقيقي درويش كان لا يطيق نجمًا غيره في فلسطين لكني أستبعد تورطه في اغتيال العلي أحمد الأشقر: من الأجدى نسأل القسم الجنائي في الشرطة البريطانية عن قاتل ناجي العلي