تصب التصريحات الأخيرة للدكتور عصام العريان، نائب رئيس حزب "الحرية والعدالة "، رغم محاولات الأخوان اعتبارها تعبر عن رؤية شخصية، فى مجرى تصاعد الحملة المسعورة ضد المرشح الرئاسى حمدين صباحى، وعموم اليسار، وهى ليست مستغربة، فى سياق تواصلهم فى تشوية خصومهم السياسيين، بضراوة، سواء فى تصريحات رسمية، أو عبر حملاتهم الاليكترونية ، المباشرة، والمخفية. ولا أنفى، بداية، كونى من قوى اليسار، وصداقتي لحمدين، وهما ما أفتخر به، لكن ذلك لا يحول دون معالجة موضوعية، قدر الإمكان لمستهدفات هذه الحملة المسعورة، وخصوصية توقيتها، فى ضوء معطيات المشهد السياسى الراهن، وتداعياته المستقبلية. ومن اللافت للانتباه أن العريان اختصر فى هجومه على اليسار، وأسباب فشله، مشيراً إلى النفوذ الأجنبى، والتمويل الخارجى،والهاجس الأمنى، وإهمال دور الدين بل احتقاره، والنخبوية، والتعالى على الشعب، والتشرذم والتفتت. وفى الاتجاه المعاكس لما سبق وطرحه الإخوان فى الحملة الرئاسية، خاصة للرئيس مرسى، وتحت شعار: " قوتنا .. فى وحدتنا "، تكمن أهمية ودلالة هذه الحملة والهجوم، وقد يكون التشرذم والتفتت، والنخبوية، من الأمراض المزمنة لليسار، لأسباب موضوعية، وذاتية، ليس مجالها هنا، بيد أنه تناسى، عمداً حقيقة المثل الشعبى " اللى بيته من قزاز .. لا يحدف الناس بالطوب " بحديثه عن النفوذ الاجنبى والتمويل الخارجى، وهو ما يدخل صراحة فى باب الاتهام بالعمالة، والهاجس الامنى، وهذا تدليس، بل إن الحقائق تشير إلى ضخامة حجم التمويل الذى تلقاه الإخوان عبر تاريخهم، خاصة فى الانتخابات الأخيرة، والحديث عن إهمال دور الدين، بل واحتقاره، فيه تجنى صارخ، فاليسار لا يخلط الدين بالسياسة، وكثير من رموز اليسار، بمختلف فصائله، يحترمون ويواظبون على دينهم، دون ضجيج، فتلك علاقة شخصية مع ربهم، أما "حديث الإفك " حول التعالى على الشعب، فهو قفز فاشل على الحقيقة، فاليسار، عبر تاريخه الحافل، كان وما يزال المعبر عن صوت وضمير الشعب، وقدم للأمة العديد من العقول والقيادات، وكان، فى الوقت الذى توارى غيره، وخضع لحسابات معقدة، حامل لواء النضال الوطنى، بكل ما فرضه ذلك عليه من تضحيات. ولولا أصوات اليسار والليبراليين، ما تحقق حلم الإخوان فى الوصول لمقعد الرئاسة، فى ضوء النسبة الضعيفة التى حصدوها. ومن الأهمية رصد أن هذه الحملة هى رؤية استباقية للتحديات المتوقعة للسياسات الاقتصادية الرأسمالية للإخوان، ورضوخهم للمشروطية السياسية للبنك الدولى، رغم ما سبق لهم معارضته بدعوى الربوية، وعدم مصداقية انهم سيوفرون 200 مليار جنية تضخ فى شرايين الاقتصاد الوطنى. ومن الطبيعى، ومع إهمال البعد الاجتماعى، أن تكون فى الافق إجراءات اقتصادية موجعة، تفاقم من المعاناة الشعبية، وتولد بالحتمية احتجاجات شعبية متوقعة، لاشك أن اليسار سيكون فى طليعة قياداتها. وفى موازاة شعار: واحد مننا " لحملة المرشح الشعبى للرئاسة، عمدت قوى تيار الإسلام السياسى إلى قلب الشعار " واحد خمنا "، بل وتشويه، لا يستند لوقائع ملموسة، وخوض فى سمعة وأعراض أسرة حمدين، مخالفة لكل الأعراف الأخلاقية، بل والدينية، فحمدين شكل صدمة لهم، ولكل استطلاعات الرأى الموظفة سياسياً، وحصد كل تلك الأصوات، رغم قصور الإمكانيات والقدرات المالية و البشرية، وعوض ذلك بدعم مالى شعبى، رغم محدوديته "الفلوس الحلال" كما ردد، وشخصيته الكاريزمية، وتاريخه النضالى الحافل، والحب الجارف، خاصة بين قطاع الشباب، وغيرها. ويدرك العقل الاستراتيجى، اذا جاز استخدام التعبير، للقوى الظلامية، أن "ظاهرة حمدين"، ستكون التحدى الأبرز لهم فيما هو مقبل من انتخابات تشريعية ورئاسية، حتما ستكون فى بيئة مغايرة، ومزاج شعبى مختلف، فى ضوء تقييمه لتجربة هذه القوى فى الحكم. وتتزايد هذه المخاوف فى حالة التنسيق الجيد بين " التيار الشعبى المصرى " و" حزب الدستور" والتواجد الفعلى والحقيقى بين الجماهير، والدفع بأفضل العناصر والكوادر، خاصة شباب الثورة. وبالتالى، هذه الحملة المسعورة تدخل أيضاً فى نطاق الرؤية الاستباقية، وتعمد التأثير فى شعبية حمدين الذى لم يبدل مواقفه وثوابته، من حرية وعدالة اجتماعية واستقلال وطنى، ولم يهرع، ويهرول صوب أى مغانم من تورتة الإخوان، مثلما فعل غيره، مما زاد من شعبيته ومصداقيته، بل واصل انحيازه لجموع الشعب، وانتقد، دون ابتذال، مواقف مناهضة لهم تنال من الحريات العامة أو مصادرتها، ورفض "التكويش " وسياسات الإقصاء، وغيرها من انتقاداته لهم . بعبارة خاتمة، لم يفلح الإخوان، ومن لف لفهم، من النيل من القوى اليسارية، من خلال تواصل هذه الحملات المسعورة، بل ردت إلى نحورهم، ودللت على عدم مصداقيتهم، وانحيازهم المطلق لما يسمونه " المشروع الإسلامى"، على حساب المشروع الوطنى، الجامع الشامل، وأكدت هذه الحملات المسعورة أن القوى الوطنية المخلصة لطموحات شعبها، كانت، وستظل، " أشجاراً مثمرة .. تقذف دوماً بالحجارة"!. دكتوراه فى العلوم السياسية . Comment *