مرة أخرى نخسر نحن العرب معركة بقاء السودان موحداً ولكن دون قتال أو حرب .منذ أيام جمعني فنجان قهوة صباحي مع أخ كريم عربي و مسلم لا يفرق بيني وبينه سوى انتماءنا لدولتين مختلفتين من بلاد العروبة. من المألوف أن يشمل أي حوار أحداث الساعة السياسية على الساحة العربية من فلسطين إلى العراق فسوريا و لبنان إلى الكثير من قضايا بني العروبة. أشتد الحوار و انبرى الأخ الكريم يدافع عن قداسة الحدود القائمة بين دويلات الطوائف وعن ضرورة استمرارية هذه الحدود إلى الأبد. عندها تبادر إلى ذهني ماذا سيكون موقف أبناء العروبة لو قامت القوى العظمى القائمة في هذا الزمان بتقسيم دويلات العرب إلى مادون الدويلات . هل سنندفع إلى تقديس حدود المستقبل؟ من المؤكد أن وزيري خارجية بريطانيا و فرنسا سايكس وبيكو لم يدركا , بشكل كامل , و هما يرسمان حدود التقسيم لبلاد العروبة في بداية القرن الماضي مدى النجاح الذي حققاه. بعد دخول جيوش الاحتلال للمنطقة, استطاعت الثورات العربية التي اندلعت في تلك الدويلات الوليدة تحقيق الاستقلال بشكل ظاهري أبعد قوى الاستعمار العسكرية عن أرض العرب مع منتصف القرن العشرين. إلا أن الثوار والمناضلين من بني العروبة نسوا و هم يخرجون قوات الاحتلال أن يرسلوا مع تلك القوات المغادرة الحدود التي اصطنعتها و غرستها في أرض العرب و في نفوس الكثيرين من أهل البلاد. كان حرياً بهم قبل أن يحتفلوا باستقلال دويلاتهم المصطنعة أن يتوجوا جهودهم بتوحيد الأوطان . و لو عاد وزيري الخارجية صانعي التقسيم بيننا اليوم لوجدا بيننا من يفوقهم حماسة و استماتة في الدفاع عن هذه الحدود و عن سيادة الدويلات التي خَططا وأسسا لها قبل أقل من قرن من الزمان. بل أنهم سَيجدون من يُنظِر و يبحث في شرعية و تاريخية مادون الدُويلات هذه ,مبرراً و مكرساً شرعيتها و عراقتها ككيانات سياسية ضاربةٍ في جذورِ التاريخ و الجغرافيا. كيانات يكفيها أن الشمس تشرق و تغرب فيها. لاشك أن هذا النجاح للقوى الاستعمارية الغربية في بلاد العرب و ولادة دولة إسرائيل تم تدعيمه في النصف الثاني من القرن العشرين من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية عسكرياً ومن خلال منظومةٍ من المؤسسات و القوانين الدولية المستبدة التي لا تصدر أحكاماً إلا من أجل تكريس الهيمنة على شعوب العالم بشكل عام والشعوب العربية و الإسلامية بشكل خاص. فالأمم المتحدة لا تطبق قراراتها إلا لتعاقب دويلات عربية ضعيفة و متناحرة دون سواها .بينما تنتظر عشرات القرارات الدولية التي تدين إسرائيل في مكاتب المبنى الأممي في نيويورك دون أن ينفض عنها غبار النسيان صاحب ضمير أو أحد أنصار نشر الديمقراطية و حقوق الإنسان. مع بداية القرن الواحد و العشرين يبدو واضحاً إن قوانين العولمة الأمريكية نجحت في إحكام سيطرتها على منطقتنا , و بدأت ملامح المزيد من التقسيمات الجيوسياسية و النفسية و المعنوية تلوح و بقوة في أفق بلاد الرافدين و الشام واليمن والسودان منذرة بمزيد من التجزئة و التفرقة و الضعف.وبدأت علامات غياب شرعية الجغرافية السياسية البريطانية و الفرنسية القائمة مبشرة بعهد جديد يقوم على شرعنة جغرافية إسرائيلية طائفية. أجل, فقد سقطت بغداد و العراق مرة أخرى في نيسان 2003 أمام جحافل جيوش هولاكو القرن الواحد و العشرين.و لا يزال بيت المقدس و فلسطين يرزحا تحت الاحتلال الإسرائيلي الاستيطاني. أما دمشق فلازالت تتلقى التهديد تلو التهديد و الإنذار تلو الآخر. و استطاعت أنظمة حكم عربية أخرى وبحجة الواقعية و البراعة و الحكمة السياسية ,أن تفرض على شعوبها قرارات استعمارية أثمرت تطبيعاً مهيناً مع المحتل الإسرائيلي. وهكذا تحولت قضية الاستقلال السياسي إلى واقع انعزال سياسي و اجتماعي موجداً أنظمة مختلفة و كيانات متنافرة متناحرة. ولا ندري إن كانت هذه الكيانات السياسية القائمة في منطقتنا هي كيانات مؤقتة أم نهائية ؟ ومما يزيد في معاناة شعوب المنطقة أن أنظمتها الحاكمة هي أنظمة دكتاتورية قمعية يفتقد أغلبها إلى الشرعية الشعبية مع وجود الفوارق في درجات اللاشرعية و التعسف. بل أن مصدر الشرعية لهذه الأنظمة ,أضحى في أيامنا مرتبطاً بإرضاء القطب العالمي الأوحد و المسيطر و بمدى التقرب و التطبيع مع الكيان الصهيوني بعيداً عن مصالح شعوب المنطقة و رغباتها. أما النخب السياسية و الثقافية العربية فهي بغالبيتها ليست أقل التزاماً بالمشروع الاستعماري,من الأنظمة الحاكمة و إن كان من غير قصد وتحت عنوان الحرية و الديمقراطية و رفض الأنظمة الدكتاتورية. و هي بذلك تكرس التشرذم و الفرقة مستترة خلف شعارات المطالبة بالسيادة و الاستقلال والحفاظ على إرث سايكس بيكو وشرعيتهما و ربما تحقيق المزيد من الانقسام و التجزئة لتحقيق كانتونات ودويلات الطوائف المتجانسة . أجل شعارات حق يراد بها باطل. لله در هذه الأنظمة الحاكمة و هذه النخب المثقفة و السياسية المسلوبة الإرادة. إلى متى ستبقى من دون وعي إستراتيجي بمصيرها و مصير الأجيال المقبلة. بل إلى متى ستبقى بدون إدراك لهويتها و لضرورة التجمع و التوحد أسوة بباقي أمم الدنيا المتحضرة سعياً وراء التقدم و القوة و المنعة؟ وإلى متى سيغيب عن بصرها وبصيرتها قضية أمنها القومي بمختلف أبعاده و معطياته. أزعم أن الطريق الأفضل لتحقيق هذا الهدف الإستراتيجي يبدأ بتحرير الإنسان في منطقتنا وتحديد هويته بوضوح. إن بناء الإنسان الحر و الواعي سيساعد على إقامة دول المؤسسات الديمقراطية و سيادة القانون و العدالة الاجتماعية والرفاهة الاقتصادية. و هذا لابد وأن يؤدي إلى إنشاء كيانات متجانسة قابلة للتجمع و التوحد و ربما الاندماج يوماً ما. مواضيع ذات صلة 1. غادة خليفة : نهايات مفتوحة 2. رئيسة البرازيل الجديدة تدعو 11 سيدة من زميلاتها في السجن لحضور حفل تنصيبها 3. غادة عاطف : غزالات وحيدة للنشوى 4. وثائق ويكيليكس الجديدة: السعودية وإسرائيل والأردن ودول الخليج اجتمعت على مطالب ضرب إيران 5. منسق “لا لبيع مصر” ينفي مباركته صفقة عمر أفندي الجديدة