بلغت الحصيلة النهائية التي جناها لبنان من مؤتمر سيدر الذي انطلق في باريس الأسبوع الماضي، نحو 11 مليار و800 مليون دولار، بعدما أعلنت دول عدّة دعمها وتقديمها المساعدة للبلد الصغير. واتجهت الحكومة اللبنانية إلى باريس حاملةً معها إلى المجتمع الدولي مشروعًا متكاملًا لدعم لبنان واقتصاده يرتكز على برنامج استثماري طموح للبنى التحتية بتكلفة إجمالية 17.2 مليار دولار تنتوي تنفيذه على مرحلتين؛ الأولى ب10.8 مليارات دولار ستُطرح في "سيدر"، والثانية 6.4 مليارات دولار تُعرض في مرحلة لاحقة. وكان مستشار رئيس الحكومة المكلف بإدارة ومتابعة البرنامج الاستثماري للبنى التحتية، نديم المنلا، قال "إن ما نسبته 30% إلى 40% من التمويل المطلوب للمرحلة الأولى من البرنامج أي ما قيمته بين 3 مليارات دولار إلى 4 مليارات سيتأمن عن طريق الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والمطلوب تأمين الفجوة التمويلية الباقية أي بين 6 مليارات دولار و7 مليارات"، وهو ما تحقق في المؤتمر الأخير. وفي المؤتمر، قال رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، إن "لبنان بلد صغير يواجه تحديات هائلة سياسية واقتصادية وأمنية وتتفاقم التحديات بسبب الحرب السورية وأزمة النازحين السوريين في لبنان"، وأشار إلى أن الخسارة في الناتج المحلي الإجمالي في لبنان بسبب الأزمة السورية، كانت 18 مليار دولار حتى سنة 2015. وزير الاقتصاد اللبناني، رائد خوري، كان أشار في وقت سابق إلى أن جزءا من هذا التمويل سيكون عبر قروض مدعومة، وجزءا آخر سيكون عبر الشراكة مع القطاع الخاص، لأن التمويل لن يكون وفق صيغة الدين، ويوجد تمويل سيأتي كاستثمار عبر القطاع الخاص. ومن أهم الدول والكيانات المناحة، كان البنك الدولي الذي أعلن خلال المؤتمر تقديمه 4 مليارات دولار على 5 سنوات، ومثله أعلن البنك الأوروبي لإعادة التعمير والتنمية عن تقديم 1,1 مليار يورو قروض للبنان، على مدى 6 سنوات. فرنسا في المؤتمر، قالت إنها ستقدم 550 مليون يورو على فترة 4 سنوات؛ منها 400 مليون يورو قروض سيادية ميسرة و150 مليون منح لمشروعات ثنائية عن طريق الوكالة الفرنسية للتنمية. عربيًا، أعلنت السعودية تجديد قرض بقيمة مليار دولار كانت قدمته للبنان في السابق، من دون أن يتم استخدامه، كما أعلنت قطر تقديمها 500 مليون على خمس سنوات. ويرى مراقبون، أن «مؤتمر سيدر» بوابة يمكن من خلالها وضع المجتمع الدولي شروطًا على لبنان بخصوص النازحين أقلها تضمين المادة 50 من قانون الموازنة بنداً ينص على إعطاء أي عربي أو أجنبي يشتري شقة في لبنان حق الحصول على إقامة دائمة، ما اعتبره البعض توطينا مقنعا للنازحين السوريين وللفلسطينيين الموجودين أصلا في لبنان ولغيرهم، كما عبّر عن ذلك رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميل والبطريرك الماروني بشارة الراعي وغيرهما. ويرى خبراء لبنانيون أن شروط القرض الجديدة مكلفة جدًا على لبنان، حيث ينحصر الهدف الحقيقي، بحسب ما ورد في التقرير التقييمي للبنك الدولي، ب"استقطاب تدفقات استثمارية جديدة لتمويل مشاريع البنية التحتية، نتيجة المديونية العالية التي يرزح تحتها لبنان، على أن تسترجع كلفة هذه الاستثمارات، وأن تُدفع كلفة خدمة الدين، من الإيرادات التجارية؛ أي من مستخدمي الخدمات المقدمة في هذه المشاريع، أو من خلال إدراجها في الموازنة العامة وجبايتها من الضرائب". مصادر إعلامية لبنانية عدّت المبلغ الإضافي الذي حصل عليه لبنان من خارج البرامج التي ينفّذها البنك الدولي سنويًا زهيدًا، مقارنة بالشروط المفروضة عليه، ومن أبرزها تطبيق الشراكة مع القطاع الخاص وتحسين ما يصفه ب"بيئة الأعمال"، وإقرار حزمة تشريعية تكفل تنفيذ مشاريع البنية التحتية وحمايتها في حالات تعثر المشروع أو تعثر أحد أطرافه، فضلا عن ضمان الإقراض والتحكيم الدولي، لجذب الاستثمارات الأجنبية والخاصة وتوسيع مروحتها، ووضع وزارة المالية استراتيجية لإدارة الالتزامات المالية والمطلوبات الطارئة، بما يضمن قدرة الدولة على سدادها وتأمين استمرارية المشاريع، مع تعزيز دور المجلس الأعلى للخصخصة عبر زيادة عدد موظفيه وتمويله وتنظيم وظائفه، وتعديل قانون المشتريات العامة، وتطوير نظام إدارة الاستثمارات العامة، فضلا عن إقرار استراتيجية لمكافحة الفساد، وتوحيد حساب الخزينة، وإقرار استراتيجية جمركية جدية لتسهيل التبادلات ورقمنتها. ويتمثل الزهد في المبلغ المقدم من البنك الدولي، أنه بعدما عدّت مساهمته في القروض التي جرى التعهّد بمنحها في مؤتمر «سيدر» الأكبر، باعتبار أن حصّته من مجمل القروض بلغت نحو 39.2%، وهي بقيمة 4 مليارات دولار أمريكي، أعاد المدير الإقليمي لمكتب الشرق الأوسط في البنك الدولي، ساروج كومار جاه، عرض قيمة هذه القروض، ليتبيّن أنها تتوزّع بين «3.5 مليارات كقروض ميسّرة، منها نحو 1.7 مليار دولار مقرّة ويجري تنفيذها عبر البرامج السنويّة، ونصف مليون دولار ستخصّص للاستثمارات التي تنفّذ عبر الIFC الذراع المالية للبنك الدولي»؛ ما يعني أن القيمة الفعلية للتعهّدات الجديدة التي حصل عليها لبنان من البنك الدولي في مؤتمر «سيدر» لا تتجاوز 1.3 مليار دولار، وذلك إذا استثنينا المبالغ الجاري استعمالها (أي 1.7 مليار)، إضافة إلى أموال البرامج السنوية لدعم الدول المضيفة للاجئين (تبلغ مليار دولار). وبما أن الاقتصاد لا يخلو من السياسية، فقط اعتبرت أوساط لبنانية أن المؤتمر والقروض الميسرة قد تؤثر على السياسية الداخلية للبنان، وسط مؤشراتِ تَرصُّد حزب الله لهذه النتائج التي يكمن لها من زاوية أخرى، تتمثّل برغبته بالتحول شريكًا في القرار المالي الاقتصادي اللبناني من خلال مواقفة الحازمة لمحاربة الفساد، لكن بعدما بات ملف القروض عنوانًا للشراكة الدولية مع لبنان، قد يصبح هذا الملف بابًا للضغط على حزب الله عبر شروط لضمان التزام بيروت بسياسة النأي بالنفس وبدء مناقشة مسألة سلاحه، علمًا أن الجانب الأول حضر بوضوح في البيان الختامي ل«سيدر1» الذي أكد "التمسك بوحدة لبنان واستقراره وسيادته وسلامة أراضيه داعين الحكومة الى تطبيق النأي بالنفس".