الهجمة على الصحافة والإعلام والتنكيل بالصحفيين والتضييق عليهم وحبسهم، لم يكن إنعكاسا للحالة السياسية الخانقة التي تمر بها البلاد أو استهداف مؤسسات الدولة لحرية الرأي والتعبير فقط، بل هو نتيجة مباشرة لضعف المؤسسات المناط بها الحفاظ على المهنة وحماية أبنائها وعلى رأسها نقابة الصحفيين التي كانت في يوما من الأيام "قلعة للحريات". تقاعست النقابة منذ انتخاب مجلسها الحالي -بالمناسبة كاتب هذه السطور عضوا منتخبا بمجلس النقابة- عن مواجهة ما يحيط بأبناء صاحبة الجلالة من أخطار، وسمحت لمؤسسات أخرى أن تزاحمها في صلاحيتها، تفرض غرامات وتحيل صحفيين للتحقيق، وتخاطب النيابة العامة بديلا عن النقابة. خلال الأيام القليلة الماضية وصلت الهجمة على الصحافة إلى مرحلة غير مسبوقة، ُحبس الزميل عادل صبري رئيس تحرير "مصر العربية" وُأغلق مقر الموقع، وأقيل الزميل محمد السيد صالح رئيس تحرير "المصري اليوم"، وحجب موقع الجريدة، لم تكتف جهات الدولة التي تتحكم في ملف الإعلام بتلك العقوبات التي بدأت بالغرامات المالية، بل وصل الأمر إلى تحريك بلاغ في نيابة أمن الدولة العليا تم على إثره استدعاء رئيس تحرير "المصري اليوم" المقال و8 من محرري الجريدة للتحقيق. حاولت مع عدد من الزملاء في اجتماع مجلس النقابة الأخير أن تخرج النقابة ببيان يراعي الحد الأدنى من مطالب الجمعية العمومية، طالبنا بتضمين رفض النقابة الصريح للهجمة على الصحافة والإجراءات العقابية ضد الصحفيين في بيان المجلس الرسمي، لكن للأسف اصطدمنا بأغلبية ميكانيكية رفضت معظم مقترحاتنا، بدعوى أن الدولة في ظرف استثنائي وأن المجلس لن يسع إلى صدام مع الدولة، وخرج الاجتماع ببيان هزيل، رفضه الزملاء جمال عبد الرحيم ومحمود كامل وعمرو بدر ومحمد خراجة وكاتب هذه السطور، وامتنع عن التصويت الزميل حسين الزناتي، وغاب عن الاجتماع زميلنا خالد ميري لظروف مرضية. خرج الرافضوان من الاجتماع وناقشوا ما يمكن عمله في ظل الظروف المحيطة وصاغوا بيانا وجهوه إلى الجمعية العمومية، هذا نصه: الزميلات والزملاء: لا يخفى عليكم الهجمة المتصاعدة ضد الصحافة وحريتها، تلك الهجمة التي وصلت لذروتها بحبس الزميل عادل صبري رئيس تحرير موقع مصر العربية باتهامات جميعنا يعلم أنها لا تمت للحقيقة بصلة. قبل قرار حبس الزميل عادل صبري كانت أزمة " المانشيت " الشهيرة تلقي بتبعاتها على استقرار صحيفة المصري اليوم، ورغم مهنية المانشيت فإن الأزمة تصاعدت ووصلت لحد فرض غرامات وإحالة رئيس تحريرها السابق للتحقيق ومطالبة الصحيفة بالاعتذار بل واستمرت الهجمة المتصاعدة على الصحيفة حتى تمت إقالة رئيس التحرير الزميل محمد السيد صالح، وإحالته مع عدد من الزملاء محرري الجريدة إلى التحقيق في نيابة أمن الدولة العليا. قبل هذه الأزمات كانت الهجمة مستمرة عبر حجب مئات المواقع، وحبس زملاء احتياطيا بالمخالفة للقانون، ووقف أعمدة للكتاب في الصحف، وإحالة زملاء للتحقيق بلا أسباب، والتشهير بزملاء في صحف ومواقع يتم تمويلها من أموال الشعب، والقبض على الزميلين حسام السويفي وأحمد عبد العزيز من على سلم النقابة وحبس الزميل معتز ودنان بعد أن أجرى حوارا صحفيا الزميلات والزملاء: حدث كل ذلك وأكثر وسط غياب كامل لنقابة الصحفيين ودورها، ورغم كل محاولاتنا لأن يكون هناك موقف واضح من النقابة ومجلسها، إلا أن كل المحاولات ضاعت وسط إصرار غالبية المجلس على أن كل شيء على ما يرام، بل واتهام الموقعين على هذا البيان بمحاولة افتعال الأزمات رغم أن ما نطالب به هو الحد الأدنى المناسب لصد الهجمة على الصحافة والدفاع عن حرية وكرامة الزملاء . الزميلات والزملاء: لقد دخلنا اجتماع المجلس اليوم بعدد من المطالب التي هي في صميم العمل النقابي.. مطالب ترتبط بإعلان التضامن النقابي مع الزميل عادل صبري، وبرفض الهجمة الأخيرة على الصحافة، وبرفض إحالة الزميل رئيس تحرير المصري اليوم السابق وزملائه بالجريدة للتحقيق، واتخاذ إجراءات نقابية وقانونية لدعم الزملاء الذين تم وقف التصاريح الخاصة بعملهم في المطار، وبفتح حوار مع الجهات المعنية بالصحافة والإعلام حول حرية الصحافة والتشريعات الجديدة التي تنظم العمل الصحفي، لاسيما في المواد القانونية التي تجيز الحبس في قضايا النشر، وكذلك فتح حوار مع مؤسسات الدولة لوقف هذه الهجمة على الصحافة والصحفيين، إلا أننا فوجئنا برفض واضح من السيد النقيب وأكثرية أعضاء المجلس لهذه المقترحات، وتأكدنا أن ما سيخرج عن الاجتماع لا يرقى للحد الأدنى من الدور النقابي المطلوب، رغم الغضب الذي يسيطر على الكثير من الزملاء، بعد الهجمة الأخيرة على الصحافة وحريتها وعلى الزملاء الصحفيين. الزميلات والزملاء: بلا حرية حقيقية تموت الصحافة، وتحاصر الأقلام ، ويعيش الفساد آمن بلا رادع، لذلك فإن دفاعنا عن حرية الصحافة يصب في خانة الدفاع عن المهنة ذاتها، بل وعن الوطن. إننا نلجأ إلى الزملاء في الجمعية العمومية ليكونوا العنصر الفاصل والحاسم في أي خلاف في الرؤية داخل مجلس النقابة، لذلك فإن هذا البيان ليس إبراء للذمة بل هو رسالة لأصحاب المصلحة الحقيقيين، الذين نؤمن تماما أنهم حاضرون معنا ومتابعون لكل ما يدور، يقيمون المواقف والرؤى، وأن صوتهم وحضورهم سيكون العنصر الحاسم في لحظة فارقة آتية لا محالة. وأخيرا، عظم الله أجركم و لا أراكم مكروهاً في عزيزٍ لديكم.