البورصة المصرية تخسر 50 مليار جنيه في ختام تعاملات الأربعاء    بعد الموافقة عليه.. أهداف هامة لقانون "التأمين الموحد"    محافظ أسوان يوجه بتركيب ماكينة صراف آلي لأهالي قرية العباسية بكوم إمبو    ملك البحرين ورئيس الإمارات يدعوان لتغليب الحلول الدبلوماسية وتسوية النزاعات بالحوار    الجيش الإسرائيلي يعلن ضرب 40 هدفا لحزب الله في جنوب لبنان    أحمد خيري يغادر بعثة يد الأهلي للإصابة    "نشعر بخيبة أمل" هاري ماجواير يتحدث عن فوز مانشستر على كوفنتري سيتي    السجن عامين لمتهمة بقتل نجلها أثناء تأديبه في الإسكندرية    أوبرا دمنهور تحتفل بعيد تحرير سيناء الأحد (تفاصيل)    مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم العراقي مهدي عباس    حقيقة حديث "الجنة تحت أقدام الأمهات" في الإسلام    برلماني: توجيهات الرئيس السيسي بتطوير منظومة النقل خطوة مهمة    الترويج للاستثمار في مجالات التحول الأخضر والربط الكهربائي لتحويل مصر لمركز إقليمي للطاقة    محافظ الغربية يتابع استعدادات المركز التكنولوجي بطنطا لتطبيق قانون التصالح    نقيب «أسنان القاهرة» : تقديم خدمات نوعية لأعضاء النقابة تيسيرا لهم    في ذكرى تحرير سيناء.. المؤتمر: أرض الفيروز بقعة مقدسة لمصر    الخارجية الأمريكية تحذر باكستان من احتمال التعرض لعقوبات بسبب تعاملاتها مع إيران    مسئول صيني: نأمل بأن تؤدي زيارة بلينكن لبكين إلى تعزيز الحوار    أسوشيتيد برس: احتجاجات طلابية مؤيدة للفلسطينيين تستهدف وقف العلاقات المالية للكليات الأمريكية مع إسرائيل    قبطان سفينة عملاقة يبلغ عن إنفجار بالقرب من موقعه في جنوب جيبوتي    الصين تكشف عن مهام المركبة الفضائية «شنتشو-18»    مايا مرسي تشارك فى ندوة "الأعراف الاجتماعية المؤثرة على التمكين الاقتصادى للمرأة"    خبراء استراتيجيون: الدولة وضعت خططا استراتيجية لتنطلق بسيناء من التطهير إلى التعمير    آلاء صابر: مواجهة فرق أنجولا صعبة.. وهدفنا التأهل للنهائي    عاجل.. برشلونة يقاضي ريال مدريد بسبب هدف لامين يامال    أيمن الشريعى: لم أحدد مبلغ بيع "اوفا".. وفريق أنبى بطل دورى 2003    جِمال الوادي الجديد تحصد مراكز متقدمة بمهرجان سباق الهجن بشمال سيناء.. صور    رئيس جامعة الزقازيق يُهنئ السيسي بمناسبة الذكرى ال42 لأعياد تحرير سيناء    المديريات تمنع مرور معلم المادة على اللجان أثناء فترة امتحان صفوف النقل    بدء محاكمة 4 متهمين بقتل طبيب التجمع الخامس    العدل تبدأ الجلسة الرابعة ل"اختراعات الذكاء الاصطناعى وملكية الاختراع"    دماء على «فرشة خضار».. طعنة في القلب تطيح بعشرة السنين في شبين القناطر    بعد أن وزّع دعوات فرحه.. وفاة شاب قبل زفافه بأيام في قنا    ضبط 4 أشخاص بسوهاج لقيامهم بالحفر والتنقيب غير المشروع عن الآثار    برلمانية: ذكرى تحرير سيناء الغالية تحمل أسمى معاني الوفاء والعزة والفخر    11 يومًا مدفوعة الأجر.. مفاجأة سارة للموظفين والطلاب بشأن الإجازات في مايو    نوال الكويتية تتعرض لوعكة صحية مفاجئة وتنقل إلى المستشفى    أفلام موسم عيد الفطر تحقق 19 مليون جنيه خلال أسبوعها الثاني في دور العرض    توقعات علم الفلك اليوم الأربعاء 24 أبريل 2024    تعرف علي موعد عرض مسلسل نقطة سوداء    مع بدء الاستعداد لتقديم تطبيق التوقيت الصيفي.. تعرف على أهميته وفقا للقانون    الكشف على1017 مواطنا في 10 عيادات تخصصية بالإسماعيلية    فوز الدكتور محمد حساني بعضوية مجلس إدارة وكالة الدواء الأفريقية    قد تكون قاتلة- نصائح للوقاية من ضربة الشمس في الموجة الحارة    للوقاية من الإصابة ب "تشمع الكبد"- اتبع هذه النصائح    "تحليله مثل الأوروبيين".. أحمد حسام ميدو يشيد بأيمن يونس    للقضاء على كثافة الفصول.. طلب برلماني بزيادة مخصصات "الأبنية التعليمية" في الموازنة الجديدة    عند الطقس الحار.. اعرف ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    إبادة جماعية.. جنوب إفريقيا تدعو إلى تحقيق عاجل في المقابر الجماعية بغزة    « إيرماس » تنفذ خطة لتطوير ورشة صيانة الجرارات بتكلفة 300 مليون جنيه    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    اسكواش - فرج: اسألوا كريم درويش عن سر التأهل ل 10 نهائيات.. ومواجهة الشوربجي كابوس    الحج في الإسلام: شروطه وحكمه ومقاصده    «خيال الظل» يواجه تغيرات «الهوية»    رئيس هيئة الرعاية الصحية: خطة للارتقاء بمهارات الكوادر من العناصر البشرية    دعاء العواصف والرياح.. الأزهر الشريف ينشر الكلمات المستحبة    ما حكم تحميل كتاب له حقوق ملكية من الانترنت بدون مقابل؟ الأزهر يجيب    أجمل مسجات تهنئة شم النسيم 2024 للاصدقاء والعائلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عفرين والتمدد التركي.. تغيرات لا تطال الديموغرافيا
نشر في البديل يوم 06 - 04 - 2018

تُعد عفرين، شمال حلب، أقدم منطقة كردية خالصة سكانيا، في سوريا، وتمثّل أكبر تجمع سكاني للأكراد في البلاد، بعد مرتكزهم في القطاع السوري من شرق الفرات إقليم الجزيرة الفراتية، أي شمال غرب العراق وشمال شرق سوريا وجنوب شرق تركيا، وفي محافظة الحسكة بالأخص وهي المتماسة مع المرتكز السكاني الكردي بشمال العراق.
لماذا عفرين؟
في وضع ما قبل عام 2011 ارتكز أكراد سوريا سكانيا في نقطتين رئيسيتين كلتاهما في أقصى شمال البلاد، ملتصقتان بالحدود التركية: الجزيرة (الحسكة)، وشمال حلب حيث عفرين وعين العرب كوباني مضافة لها منبج؛ وضمت الجزيرة 40% من تعداد الأكراد بينما ضمت عفرين وحدها 30%، وانتشرت النسبة الباقية في مناطق شتى أبرزها باقي شمال حلب، ومحافظة الرقة الواقعة بين حلب غربا والحسكة شرقا، على حدود تركيا، وشمال محافظة إدلب المشرف جغرافيا على محافظة هاتاي التركية.
من هنا مثلت عفرين مرتكزا كرديا كثيفا وحيدا أقصى غرب الفرات، تحيط به الأراضي التركية من جهتين وأكثر، ومنقطع الاتصال الجغرافي والسكاني بالمرتكز الثاني غرب الفرات، منبج والباب ومحيطهما، المنقطع بدوره عن مرتكز عين العرب كوباني شرق الفرات؛ بصفة عامة، فصل 160 ك.م بين مركز الكثافة الكردي في الحسكة وبين عين العرب كوباني شمال حلب، و140 ك.م بين الأخيرة وعفرين، مساحات تخللها حضور سكاني عربي، بدوي وخلافه، تكثف في محيط أعزاز، شرق عفرين، مع معدل خصوبة أعلى لدى العرب، وعزل عفرين، سكانيا، عن مركز كردستان الكبرى كما يتصورها الأكراد.
الحرب.. سيولة وفوضى الديموغرافيا
تاريخيا، عمق الانفصال الجغرافي السكاني للأكراد بصفة عامة، مع عوامل أخرى، تفكك البنية الاجتماعية الكردية ذاتها، المنقسمة ابتداء بين أكثر من دولة، مع اختلاف نموذج كل دولة في استيعاب أو عدم استيعاب الكتلة السكانية الكردية داخلها، اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا. وفي الداخل السوري، مثّلت الحرب السورية، والاجتياح التكفيري لشرق وشمال سوريا، ثم إزاحته من أقصى الشمال على يد الأكراد بالدعم الأمريكي، في تحقيق هدف كردي قديم هو وصل المرتكزات السكانية والاجتماعية الكردية على طول خط الشمال السوري، واجتياز الخطوط والتشكيلات الإدارية للدولة المركزية السورية التي تعرضت لهزة عنيفة، واحتواء الكتل السكانية العربية الفاصلة بين النقاط الكردية بسيطرة عسكرية وإدارية على الأرض. وعلى ذلك التقط "حزب الاتحاد الديموقراطي" الكردستاني الفرصة بعد انتصاره على داعش في عين العرب كوباني، أول عام 2015، ثم في تل أبيض ومنبج، ليُتوج النجاح الكردي بيد أمريكية بإنشاء "قوات سوريا الديموقراطية" في أكتوبر 2015، ويسيطر الأكراد على كامل أقصى الشمال السوري، ويلوح في أفق الذهن الكردي الحلم القديم بالتمدد وصولا إلى ساحل البحر المتوسط.
كمحصلة، أنتجت الحرب السورية تمددا سكانيا كرديا، مسلحا، نحو الغرب، أي نحو محافظة الرقة ذات الغالبية العربية، قادما من محافظة الحسكة، ثم ملأ هذا التمدد كامل شمال حلب وصولا إلى عفرين الكردية بالفعل، فضلا عن تمدد في الاتجاه الآخر، أقصى شرق سوريا حيث سلمت داعش قطاعا من دير الزور للأكراد بلا قتال؛ إجمالا، جاء التمدد متفاعلا مع انفجار موجات من اللاجئين شملت نحو 7 ملايين سوري فروا من مناطق الاقتتال إلى مناطق أكثر أمنا، وفق تقديرات الأمم المتحدة. من هنا امتد ذراع كردي غير محكوم، إلا بإشراف أمريكي مباشر على قيادته المسلحة، مبتعدا عن المركز الطبيعي لدائرة الأكراد (ديار بكر تركيا، عين العرب سوريا، السليمانية العراق)، ومتجها نحو العمق والساحل التركيين.
انتداب تركي مؤقّت في وسَط الشمال السوري؟
تشمل الإجراءات التركية الحالية في عفرين استقدام وتوطين عائلات سورية عربية موالية للدولة التركية، اعتمادا على الحاضنة الشعبية للإخوان المسلمين في سوريا، وعلى النفوذ السياسي والاجتماعي التركي في هذا الإطار، مع نشاط "المجتمع المدني" والعمل الأهلي للإخوان في تركيا، ونفوذه المتغلغل وسط اللاجئين السوريين البالغ عددهم نحو 3 ملايين، وقد تحدث أردوغان، بوضوح، عن النية في توطينهم بجيب عفرين السوري الكردي.
من ناحية أخرى، تم توطين مسلحون منتمون لفصائل تكفيرية، مصنوعة تركيا، شاركت في الحرب السورية، وعائلاتهم، في تكرار للإجراء التركي في مثلث جرابلس أعزاز الباب المجاور، المحتل تركيا منذ عام مضى، والذي شُكل فيه جهاز شرطي و"جيش موحد" من هؤلاء بعد انتهاء "عملية درع الفرات"، وفي ذات الإطار تلقفت تركيا الإرهابيين الخارجين من غوطة دمشق ووطّنتهم في جرابلس المثلث المحتل وعفرين. مع هذا كله تتم إجراءات ل"تتريك" النظام التعليمي في جيب عفرين، ويضم 318 مدرسة و50 ألف طالب، كما يجري تكثيف توطين عائلات عربية وتركمانية موالية لتركيا في مرتكزات الأقلية من الأكراد الأيزيديين.
تعالج الإجراءات التركية الحالية في إعادة هندسة ديموغرافيا عفرين جزئيا، وهي أكثف المرتكزات الكردية في غرب الفرات، منطلقات بسيطة أولها أن الخطر الكردي على الأمن القومي التركي لا ينبع حصرا من مقاتلي حزب العمال الكردستاني أو وحدات حماية الشعب الكردي، بل يصدر جوهريا عن الحاضنة الشعبية الكردية الطبيعية لهؤلاء، التي عمقت الحرب السورية عزلتها عن باقي أراضي البلاد وعن الدولة المركزية السورية، ورأت في عناصر "قوات سوريا الديموقراطية" الكردية، أمريكية الصنع، المنقذ من داعش والمرشح لتحقيق حلم الوطن الكردي السوري، في إطار تفكيك سوريا؛ وبمعنى اجتماعي مؤثّر على السياق الكردي في سوريا، تمثّل حاضنة كتلك ثقلا كرديا تفتح السيطرة عليه، مع مثيله المثلث المحتل المجاور، الأفق لمرحلة جديدة من العلاقة بالأكراد، تتسم بإزاحتهم عن العمق والساحل التركيين، وفق رؤية الإدارة التركية في الأمن القومي.
من هنا فالأجدى هو العمل على التشكيلة الاجتماعية ذاتها للأكراد في غرب الفرات، بخلق واقع معيشي واجتماعي وسياسي مهادن للدولة التركية، ويتشكل في خام اجتماعي ذي أغلبية كردية غير خالصة، ومطعمة بأقليات موالية لتركيا وتعمل كركائز اجتماعية لإدارة المنطقة، الأمر الذي ترسخه "شرعية" سلاح الفصائل العربية المسلحة داخلها، والتي ستعمل على فرض السيطرة التركية وفرز الأكراد إلى موالٍ ومعارض، فضلا عن الفرز المتحقق بالفعل بمنع عودة النازحين الأكراد من أهالي عفرين.
المنطلق الثاني أن حصر الحضور "العسكري" الكردي في شرق الفرات، أقصى شمال شرق حلب ثم الرقة فالحسكة، لن يثمر، ولا يؤدي الغرض منه دون قطع طريق العودة بصفة نهائية، وهو ما لن يتحقق إلا بسيطرة تركية، ولو خلف واجهة كردية وكيلة، على الأرض وفي مفاصل إدارة القطاع الجغرافي لغرب الفرات، أي منبج ومحيطها (ما زالت تحت السيطرة الكردية مع قوات أمريكية)، ومثلث جرابلس أعزاز الباب (المحتل تركيا)، وعفرين التي سيتم دمجها إداريا معه. فيتشكل قطاع آمن مستقر، إذ يُفترض أن تديره منظومة "تركية" كاملة، تستخدم واجهة جاهزة هي ما يُسمى بالحكومة المؤقتة السورية ومقرها تركيا، وواجهة أخرى هي "المجلس المدني لعفرين. مع كون المشروع برمته محل تفاوض، أو مساومة، مع الدولة المركزية السورية، التي تؤكد تركيا في كل محفل دولي، وفي إطار التنسيق الروسي الإيراني التركي وهو الأهم، على "وحدة أراضيها"، بالتوازي مع صمت روسي بخصوص عفرين، مما يشير إلى توافق حول الذهاب لاحقا، على المدى الطويل، إلى مناقشة إدارة تركية سورية مشتركة هناك.
وفي إطار قطع طريق العودة على السلاح الكردي، يمكن قراءة التأخر التركي في دخول عفرين، رغم دخول واحتلال مثلث جرابلس أعزاز الباب قبلها بعام كامل، على أنه كان مقصودا، وجعل احتلال عفرين المحاصرة تماما أسهل، كما جاء في سياق تصعيد الولايات المتحدة لحضورها العسكري في شرق الفرات، وغربه حيث منبج، ودعمها للحضورالمسلح الكردي. بمعنى آخر، طردت تركيا السلاح الكردي من نحو ثلث إجمالي حدودها مع سوريا على مرحلتين وبتكلفة حربية زهيدة، وبشكل يمنع القواعد الأمريكية من اقتراب أكثر نحو الساحل التركي، مع بقاء منبج غرب الفرات محل تفاوض مع الولايات المتحدة، وردت على الحضور العسكري الأمريكي في منبج، وضمنت لنفسها مكسبا معتبرا يخفف من تكلفة وعبء وتداعيات مشاركتها في محاولة إسقاط الدولة السورية، التي فشلت ولم تثمر للدولة التركية سوى تكلفة سياسية هائلة وأعباء مركبة، على رأسها آلاف من المقاتلين، معلقة مصائرهم وسلاحهم بها ومرتكزون على حدودها في إدلب، وازداد عديدهم تباعا بتحرير الدولة السورية لأراضيها، وترحيلهم، ويمكن الاستفادة منهم في إزاحة الأكراد دون توريط كبير للجيش التركي، وهو ما حدث في احتلال قطاع من شمال سوريا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.