يشهد الصومال منذ أسبوعين توترا سياسيا بعدما قدم نواب مدعومون من الحكومة مقترح سحب الثقة من رئيس مجلس الشعب، محمد شيخ عثمان جواري، ورفض نواب مؤيدون له المقترح، واصفين إياه بغير الشرعي. وقبل أيام، ألغى الرئيس الصومالي، محمد عبد الله فرماجو، اجتماعًا كان مقررًا في البرلمان في العاصمة مقديشو، لتصويت لصالح عزل رئيس المجلس، محمد الشيخ عثمان الجواري، عن منصبه، وأؤجلت الجلسة إلى أجل غير مسمى على خلفية تصاعد الخلافات السياسية. وكان نواب البرلمان الصومالي، بدأوا أمس الأربعاء، بالتوافد إلى مقر البرلمان، وسط تضارب وانقسام حول جدول أعمال الجلسة المزمعة، واتهامات متبادلة بين موالين لرئيس البرلمان ومعارضين له. ودعا النائب الأول لرئيس البرلمان عبد الولي مودي، يوم الثلاثاء الماضي، النواب لحضور جلسة لمناقشة والتصويت على مقترح سحب الثقة عن الجواري، غير أن الأخير أعلن أن الجلسة مخصصة لمناقشة الجدار الذي تبنيه كينيا على الحدود الصومالية، حيث يتهم سكان مدينة بلدة حواء الحدودية كينيا بالتوسع والاعتداء على الأراضي الصومالية وتشريد أسر صومالية لبناء جدار عازل بين البلدين داخل الأراضي الصومالية، ما أدى إلى وقوع مظاهرات في البلدة الحدودية ومدينة غربهاري تنديدا بالخطوات الكينية. وأكدت مصادر أمنية أن قادة أجهزة الأمن الصومالية تشعر بالقلق من حالة انفلات، لوجود أعضاء من البرلمان الفيدرالي أخذوا بتهيئة مسلحين كثيرين تنصاع لأوامرهم، وكان رئيس مجلس الشعب الصومالي، نفي في وقت سابق استيلاء قوات تابعة له على مقر مجلس الشعب اليوم. كما أبدى الجواري استغرابه لنشر آلاف الجنود في شوارع العاصمة ومقر مجلس الشعب ودخول بعضهم إلى قاعة المجلس، وذكر أن قيادات القوات المسلحة يتعرضون لضغوط كبيرة تجبرهم على خرق القانون، مشيرا إلى أنه سيحرص على توحيد نواب مجلس الشعب قبل انعقاد أول اجتماع للمجلس. وبدأت الأزمة عندما صدّق البرلمان الصومالي على قرار يحظر شركات موانئ دبي العالمية من العمل داخل البلاد، بعد إبرامها اتفاقًا مع جمهورية أرض الصومال الانفصالية لإدارة مينائها في بربرة، يتهم الطرفان المتخاصمان بعضهما بدعم الشركة الإماراتية من أجل توسع إماراتي في الصومال، لكن من الواضح أن الإمارات ليست على علاقة جيدة مع الحكومة الصومالية الحالية بسبب دعمها المتصور لدولة قطر، وبطبيعة الحال، العلاقات القطرية مع الحكومة الصومالية تسير باتجاه التقارب، حيث تعهدت الدوحة بتقديم مساعدات قيمتها 385 مليون دولار للسلطات الصومالية، وأكدت دعمها لحكومة مقديشو في مؤتمر للمانحين في لندن في أوائل مارس. وعلى جانب آخر، فإن جميع الأطراف الخليجية المتحاربة، الإمارات من جهة، وقطر وتدعمها تركيا من جهة أخرى، إما لديها قاعدة عسكرية أو قوات مدربة ومدفوعة الأجر في مقديشو، فمقابل الكشف عن قاعدة إماراتية عسكرية في صوماليلاند، أعلنت الحكومة الصومالية فبراير الماضي أنها تسلمت، مساعدات عسكرية لدعم الشرطة الوطنية من دولة قطر، في إطار توطيد علاقات التعاون بين البلدين، وأكد القائم بالأعمال بالإنابة بسفارة قطر لدى الصومال، حسن بن حمزة، استعداد دولة الدوحة لتقديم مزيد من المساعدات والدعم للصومال في مختلف المجالات، بناء على العلاقات المتينة بين البلدين. مواقع خليجية ذهبت إلى أبعد من ذلك بالقول إن قطر بدأت في تجنيد مقاتلين من دولة الصومال في إطار تعزيز قواتها المسلحة على خلفية التوترات في منطقة الخليج بعد مقاطعة الدول العربية لها على رأسها مصر والسعودية والإمارات والبحرين. وفي العام الماضي، افتتحت تركيا قاعدة عسكرية ضخمة لها في الصومال وسط ترحيب محلي كبير، كما تشير التجاذبات الخليجية في الصومال إلى مخاوف من حرب طويلة الأمد بالوكالة على الأرض الصومالية. وتحدث كثيرون عن انزعاج أطراف إقليمية، خاصة الإمارات، من سماح حكومة مقديشو لأنقرة بإقامة قاعدة عسكرية اعتبرت الأكبر لتركيا خارج حدودها، لاسيما أن أبو ظبي تقيم قواعد عسكرية بأقاليم الصومال ترسخ فيها تمددها العسكري والاقتصادي في بلد يحاول التعافي من الفوضى. ورغم أن مقديشو تعتاد على التوترات السياسية، إلا أن الأزمة الحالية كانت مفاجئة للكثيرين، حيث شهدت البلاد استقرارًا سياسيًا منذ انتخاب فرماجو رئيسًا في فبراير 2018، وكان لدى الحكومة الصومالية السابقة الكثير من الخلافات، لاسيما بين الرئيس ورئيس الوزراء، ولم يمر عام تقريبًا دون التصويت بعدم الثقة ضد رئيس الوزراء. وحاليا، التوتر يستهدف رئيس مجلس النواب، وعلى عكس الاقتراع الذي يستهدف رئيس الوزراء ويحتاج إلى أغلبية بسيطة، يحتاج اقتراع العزل إلى نفوذ سياسي أكبر لإقالة رئيس البرلمان، لأنه لا يمكن عزله إلا بأغلبية ثلثي الأصوات. ويرى مراقبون أن الأزمة القائمة ستترك آثارا سيئة على الحكومة الضعيفة بالفعل، حيث هدد أنصار رئيس مجلس الشعب بتقديم مقترح ضد رئيس الجمهورية للإطاحة به، خاصة أن جواري أوضح أن لقاء عقده مع الرئيس أمس انتهى بالفشل، واتهم الحكومة الصومالية بالوقوف وراء المقترح المقدم ضده، لإثارة أزمة سياسية، وأكد أنه طولب مرارا بالاستقالة، لكنه طالب الحكومة بالاستقالة لفشلها في أداء واجباتها.