الدولار ب49.84 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الاثنين 26-5-2025    أسعار الفراخ والبيض في بورصة وأسواق الشرقية الإثنين 26 مايو 2025    "جثث متفحمة".. 20 شهيدا في قصف إسرائيلي استهدف مدرسة بقطاع غزة    أمور يجب على الحاج فعلها قبل السفر للحج.. تعرف عليها    مطرانية المنيا تنفي حدوث أي استهداف للأقباط في قرية المحصلة    الرئيس التنفيذي لمؤسسة غزة للمساعدات الإنسانية يعلن استقالته.. ما السبب؟    ترامب يعلق فرض رسوم بنسبة 50٪ على الاتحاد الأوروبي حتى 9 يوليو    البترول تكشف تفاصيل انفجار محطة كارجاس برمسيس    طه دسوقي يهدي تكريم «ولاد الشمس» إلى محمود حميدة في حفل جوائز إنرجي    اليوم.. مصر للطيران تنظم 20 رحلة جوية لنقل حجاج بيت الله الحرام إلى الاراضي المقدسة    هدد باغتيال ترامب.. إيقاف شخص حاول إلقاء قنبلة على سفارة أمريكا بتل أبيب    19 شهيدا فى قصف إسرائيلى استهدف مدرسة تؤوى نازحين بحى الدرج فى غزة    محمد صلاح يحطم الرقم القياسي في فانتازي الدوري الإنجليزي ب344 نقطة    صفحة الدورى الإنجليزى تحتفى بمحمد صلاح فى حضور حسام حسن    "توليفة" طولان لكأس العرب    الأهلي يحصل على توقيع صفقة من العيار الثقيل.. كريم حسن شحاتة يكشف التفاصيل    سعر الذهب اليوم الاثنين 26 مايو 2025 الجنيه الذهب ب37640 جنيها    تحريات لكشف ملابسات اتهام الفنانة إلهام عبد البديع لطليقها بمطاردتها    السيطرة على حريق التهم أحد الأكشاك بمنطقة منشية البكرى بالمحلة    تفاصيل استعدادات امتحانات الثانوية العامة.. وموعد إعلان أرقام الجلوس للطلاب فيديو    سعر الحديد اليوم الاثنين 26-5-2025.. الطن ب40 ألف للمستهلك    غياب هنا الزاهد عن العرض الخاص لفيلم «ريستارت» يثير التساؤلات.. ما السبب؟    تامر حسني ل "فيتو": مش عايز حد يعيش معاناتي ونفسي أعمل مسلسل جديد    وفاة والد السيناريست إياد صالح والجنازة اليوم من مسجد مصطفى محمود    التليفزيون هذا المساء: "المصريين الأحرار" يكشف تفاصيل تعديلات قانون تقسيم الدوائر    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الاثنين 26 مايو    عضو بمركز الأزهر العالمي للفتوى: الحج رحلة للتطهير ولا يصح إلا بمال حلال    وزير الصحة: 15 مبادرة رئاسية قدمت ما يزيد عن 235 مليون خدمة    لاستكمال سماع الشهود.. تأجيل محاكمة سفاح المعمورة لجلسة الثلاثاء    خناقة في المواصلات.. حبس المتهم بالتعدي على جاره ببنها    «بلاش تتابعني».. كيف ردت داليا البحيري على مطالبات متابعيها بارتدائها الحجاب؟    ترتيب الدوري الإسباني والمتأهلون إلى دوري أبطال أوروبا رسميا    ستوري نجوم كرة القدم.. احتفال مبابي.. أفشة رفقة أصدقائه.. بنزيما في مران اتحاد جدة    مع اقتراب يوم عرفة.. نصائح للحجاج لأداء المناسك    أولى جلسات محاكمة ليلى الشبح بتهمة سب وقذف هند عاكف| اليوم    أفكار سفرة مميزة للعزومات في عيد الأضحى 2025    العيد الكبير على الأبواب.. قائمة التسوق الذهبية في عيد الأضحى    وصول جثامين متفحمة لمجمع الشفاء جراء استهداف مدرسة في قطاع غزة بصاروخين    هاني سعيد يهاجم رابطة الأندية: 90% من الفرق خارج حساباتهم وتأجيل مباراة سيراميكا "أصبح مملًا"    ملف يلا كورة.. تصريحات صلاح.. عودة حمدي فتحي.. وقرعة كأس العرب    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الاثنين 26-5-2025    منها العائد المادي والاعتداء على الأطقم الطبية.. وزير الصحة الأسبق يكشف أسباب هجرة الأطباء    دار الإفتاء توضح حكم تحمل الزوج تكاليف حج زوجته    حُسمت.. الفرق الإيطالية المتأهلة إلى دوري أبطال أوروبا 2025-2026    الجيش الأردني يحبط محاولة تهريب مخدرات بواسطة مسيّرتين في جنوب البلاد    قبل أن تُغلق أبواب الخصام.. جنازة حفيد نوال الدجوي تُشيّع اليوم عقب صلاة الظهر (موعد ومكان دفنه)    «تستحمى الصبح ولا بليل»؟ سبب علمي قوي يجنبك فعلها في هذا التوقيت    لا تتمسك بما لا يخدمك.. برج الجدي اليوم 26 مايو    حدث بالفن | أزمة هيفاء وهبي والموسيقيين والعرض الخاص لفيلم "ريستارت"    التعليم تحسم الجدل: مدراء "المبادرة الرئاسية" مستمرون في مناصبهم -(مستند)    مجلس إدارة التعليم المدمج بالأقصر يناقش استعدادات امتحانات الترم الثاني خلال اجتماعه الدوري    النائب أحمد السجيني: تحفظات كثيرة على مشروع قانون الإيجار المقدم من الحكومة    معجزة طبية في الفيوم: استخراج فرع شجرة من جسد طفل دون إصابات خطيرة    عاجل- وزارة الكهرباء تُطمئن المواطنين: لا تخفيف للأحمال في صيف 2025    إنشاء كليات وجامعات جديدة.. أبرز قرارات مجلس الجامعات الخاصة مايو 2025    المفتي: يوضح حكم التصرف في العربون قبل تسليم المبيع    النواب يوافق نهائيا على مشروع تعديل قانون مجلس الشيوخ    لخفض البطالة.. كلية الاقتصاد جامعة القاهرة تنظم ملتقى التوظيف 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكرى رحيله.. ابن خلدون مطلوب على وجه السرعة
نشر في البديل يوم 19 - 03 - 2018

تمر اليوم ذكرى رحيل ابن خلدون ذلك العالم المؤسس لكثير من العلوم مثل علم الاجتماع، وعلم فلسفة التاريخ، كما يعد أحد رواد الترجمة الذاتية (الأوتوبيوجرافيا) وهو –أيضا- عالم الحديث البارز، وفقيه المالكية المتفرد.. هذا غير إسهامه القيم في مجال الدراسات التربوية وعلم النفس التعليمي، وهو من حيث أسلوب الكتابة العربية مجدد وصاحب نقلة نوعية عز نظيرها.
انطلق ابن خلدون في مذهبه الفكري المؤسس لعلم الاجتماع في جوانبه السياسية من تجربة ثرية إذ كان رجل دولة تقلب بين المناصب العليا منذ أن كان في السابعة عشرة من عمره.. بعد أن غادر مقاعد الدرس مضطرا بعد أن قضى وباء الطاعون على أبويه وأساتذته عام 1348م، لكن القدر هيأ له فرصة مواصلة الدراسة والبحث بعد أن عينه السلطان " أبو عنان" ملك المغرب الأقصى عضوا في مجلسه العلمي بفاس، لكن الأمور سرعان ما تغيرت بسبب الوشاية ؛ فزج بابن خلدون في السجن لمدة عامين عرف فيهما قسوة الطبيعة البشرية وميلها نحو العدوان.. وهو ما أكد عليه في مقدمته إذ يقول" فمن أخلاق البشر فيهم الظلم والعدوان بعضهم على بعض فمن امتدت عينه إلى متاع أخيه امتدت يده إلى أخذه إلى أن يصده وازع.. ويضيف والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعله لا يظلم".
لقد عانى ابن خلدون كثيرا من الوشايات وتقلب أمزجة الحكام وأصحاب الرياسة، وقد لازمه ذلك الأمر طيلة حياته في بلاد المغرب العربي والأندلس وكذلك عندما جاء إلى مصر، التي قضى بها ثلث عمره متنقلا بين سخط السلاطين ورضاهم.. حتى أن البعض لا يستطيع أن يحصي مرات تقلده منصب قاضي قضاة المالكية، مع تكرار عزله.
ربما وصل ابن خلدون إلى اليقين الكامل إلى أن أمور السياسة والحكم لا تؤمن عواقبها، كما أنها تفسد طبائع البشر، وربما حثه ما رآه من رجال الحكم من عدم اعتبار بمصائر السابقين، وولعهم بالبطش إلى اعتزال هذا العالم والتفرغ الكامل لإنجاز كتابه الأهم " كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر" فأتمه بعد أربع سنوات من العمل المتواصل في قصر بني عريف في "قلعة ابن سلامة" بمقاطعة وهران بالجزائر.
لقد غبن ابن خلدون كثيرا في حياته إذ كان مستهدفا طوال الوقت من قبل شانئيه من منعدمي الموهبة الناقمين على كل نابه.. لكن هذا الظلم صاحبه بعد رحيله أيضا.. فحسب ما ذكره وليد نويهض عنه أنه كان ضحية رؤية متطرفة من جانبين.. جانب من أفرطوا في وضع أعماله كلها في موقع الريادة، واعتباره المؤسس المنفرد لعلم الاجتماع الحديث مع اتهام موجه لمعظم المفكرين الأوروبيين على مختلف مدارسهم بسرقة أفكاره من دون ذكر فضله.. ومن جانب آخر ظهر فريق من الغالين اتهم ابن خلدون بالسرقة واستخدام مصطلحات ومفردات غيره من المفكرين المسلمين واستعمالها بمنهجية مختلفة من دون ذكر فضلهم عليه وريادتهم في مختلف الحقول التي تحدث عنها.
ويرى نويهض أن كلا الفريقين قد جانب الصواب؛ لأنهما حاولا قراءة ابن خلدون قراءة منبتة الصلة عن واقعه وعصره وزمانه دون إعادة قراءة أعماله في ضوء التركيز على أسس نظريته في المعرفة ودراستها على مستويين.. المستوى الأول هو: عناصر وعي ابن خلدون، وكيف قام بتركيب فلسفته وتاريخه من عناصر مختلفة؟ أما المستوى الثاني فيتعلق بمصادر ابن خلدون الفكرية وكيف قام بتحليل تلك القراءات واستخلاصها وإنتاج نظريته في "علم العمران".
وليس غريبا علينا -نحن العرب- أن نكون آخر المستفيدين من فكر ابن خلدون ومنجزه العلمي، كما ليس مستغربا أن يكون الغرب قد سبقنا نحو تلك الاستفادة، فلقد استطاع المفكرون الغربيون استلهام رؤية مؤسسة للنظام السياسي الحديث آخذين في الاعتبار ما أكد عليه ابن خلدون من شروط تطور المجتمعات علميا واقتصاديا وثقافيا؛ وقد "طبّق عدد من الباحثين المعاصرين نظريات ابن خلدون على مجتمعاتنا المعاصرة وعلى الجيوسياسة التي نشهدها الآن. وتمثيلا لا حصرًا، هذا ما فعله الباحث الفرنسي غابرييل مارتينيز غرو في كتابه "موجز في تاريخ الإمبراطوريات. كيف تنشأ، وكيف تضمحلّ". كما أفاد المؤرخ البريطاني "إريك هوبزباوم" في كتابه "عصر التطرفات" من نظرية ابن خلدون في تفسير أسباب انحسار الاستعمار تدريجيًّا بعد الحرب العالمية الثانية، وظهور الدول القومية في العالم الثالث ثم ما حدث بعد ذلك من خلخلة لتلك النظم بفعل الثوراتُ الاجتماعية والسياسية، التي اندلعت في عدد من بلداننا العربية بعد عام 2010م.. واستغلال ذلك من قبل القوى المهيمنة، وإعادة إنتاج بعض النظم السلطوية التابعة على نحو أسوأ.
يُعزي بعض المتخصصين في الدراسات المتعلقة بالفكر الخلدوني أسباب عدم الإفادة من تراثه إلى أن الساسة في العالم الثالث يعتبرون تناوله لنظرية نشأة الدول وسقوطها نذير شؤم.. فهو يرى أن العنف ينشئ العنف، والبطش بالرعية مهما طال يؤذن بالثورة، كما يذهب إلى أن الشعوب لا يسلس قيادها إلا بالعدل والرحمة. يقول ابن خلدون: "إن الملك إذا كان قاهرا باطشا بالعقوبات منقبا عن عورات الناس وتعديد ذنوبهم، شملهم الخوف والذل ولاذوا منه بالكذب والمكر والخديعة فتخلقوا بها".
لا شك أننا نحتاج إلى إعادة قراءة ابن خلدون في ظل المتغيرات التي عصفت بعالمنا العربي بعد ما سمي بثورات الربيع العربي التي كانت نتائجها انتشار الخراب في ربوع الوطن العربي وخروج دول من بوابة التاريخ إلى غير رجعة في المدى المنظور.. إن تلك القراءة الجديدة جديرة بأن تلهمنا حلولا ورؤى لذلك الواقع الذي تشابكت صوره وغمضت أحواله حتى صار حاضره لا يعلم أكثر من غائبه.. حيث صار الالتباس طبيعة لكل الأمور العامة التي غاب عنها الحسم وبعد عنها الوضوح، فصار الناس في زماننا أسرى أوهام استبدلت بالحقائق.. وهو ما حذر منه ابن خلدون الذي غادرنا في مثل هذا اليوم من ستمائة واثني عشر عاما.. وما زالنا نراوح في المكان ذاته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.