محافظ بني سويف يوجّه بحلول وإجراءات عاجلة لمشكلات ومطالب أهالي 4 قرى بمراكز الواسطى وناصر وببا    الرواد الرقميون.. الرئيس السيسي: انتقاء الدارسين في المبادرة بلا أي نوع من المجاملات على الإطلاق    القسام: استهدفنا ناقلة جند إسرائيلية جنوبي غزة    ليفربول يتفوق على تشيلسي في سباق الانتقالات    كريستيانو رونالدو يتلقى عرضًا من نادي إنجليزي    مانشستر يونايتد يراقب لي كانج إن وسط اهتمام أرسنال وتشيلسي    الاستعدادات تقترب من نهايتها.. استلام مخيمات الحجاج المصريين في منى وعرفات خلال يومين    عادل عوض يناقش سينما سبيلبرج في مهرجان القاهرة للسينما الفرنكوفونية    نسرين أسامة أنور عكاشة ل«البوابة نيوز»: مفتقد نصيحة والدي وطريقته البسيطة.. وأعماله تقدم رسائل واضحة ومواكبة للعصر    التأمين الشامل: 41 مليار جنيه إيرادات.. وخطة شاملة لتطوير الخدمات حتى 2030    كوريا الشمالية تهاجم قبة ترامب الذهبية وتتعهد ب"تناسق القوة"    ماكرون: مؤتمر حل الدولتين بنيويورك سيشكل زخما للاعتراف بدولة فلسطين    وزير التعليم: استحدثنا 98 ألف فصل ونجاح خفض الكثافة بنسبة 99.9%؜    ألف جنيه انخفاضا في سعر الأرز للطن خلال أسبوع.. الشعبة توضح السبب    مجلس الوزراء يستعرض خطة الكهرباء للوصول بالطاقات المتجددة إلى 30% حتى 2030    قبل الجولة الأخيرة.. ترتيب هدافي الدوري المصري    «أعظم اللاعبين على الإطلاق».. رابطة محترفي الاسكواش تتغنى ب علي فرج    «اشربوه مصانش نادية».. رسائل نارية من جمال عبدالحميد لمسؤولي الأهلي بسبب زيزو    محافظ المنوفية: الأرض الزراعية خط أحمر.. وإزالة فورية لتعديات على مساحة 175 مترا    حملة أمنية تضبط 400 قطعة سلاح وذخيرة خلال 24 ساعة    العيد عندك الجمعة ولا السبت.. دول تخالف رؤية هلال ذى الحجة.. تعرف عليها    رصاص تحت الدائري.. قرار من الجنايات بشأن محاكمة "الغنتوري"    إدارة الأزمات والتداخلات العاجلةب " الجبهة ": تناقش سيناريوهات الوقاية ومواجهة التحديات    الاتحاد الأوروبي: يجب عدم تسييس أو عسكرة المساعدات الإنسانية إلى غزة    «تقدير الجمهور أغلى جائزة».. مي عمر تعلق على فوزها ب أفضل ممثلة عن «إش إش»    تشييع جثمان والدة المخرج خالد الحجر    حكم صيام الأيام الثمانية الأولى من ذى الحجة.. دار الإفتاء تجيب    «بيت الزكاة والصدقات» يصرف 500 جنيه إضافية لمستحقي الإعانة الشهرية غدًا الخميس    في أول أيام الشهر.. تعرف على أفضل الأعمال في العشر الأوائل من ذي الحجة    حكم صلاة الجمعة إذا جاء العيد يوم جمعة.. الإفتاء توضح الرأي الشرعي    مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية يجري زيارة إلى كييف وروسيا الأيام المقبلة    فريق طبي بمستشفى العجمي بالإسكندرية يُنقذ حياة مريض بعد طعنة نافذة في الصدر    نائب وزير الصحة تشارك فى جلسة نقاشية حول "الاستثمار فى صحة المرأة"    متحدث «الصحة»: بعثة مع الحجاج المصريين لتقديم الرعاية الطبية    هل يوقع أحمد الشرع على اتفاق تطبيع مع إسرائيل؟    بالصور- إقبال على المراجعات النهائية لطلاب الثانوية العامة ببورسعيد    تفاصيل الاحتفال بتخريج دفعة جديدة من "حقوق السوربون" بجامعة القاهرة    افتتاحات مرتقبة لقصور الثقافة في القاهرة وسوهاج وسيناء    «المنشاوي» يفتتح تطوير الصالة المغطاة بالقرية الأولمبية بجامعة أسيوط    لمواجهة الفكر المتشدد.. "أوقاف الفيوم" تنظم دروسًا منهجية للواعظات    وزارة العمل: تخريج دفعة جديدة من برنامج "همم مهنية" على صيانة المحمول    محافظ بنى سويف يستمع لمشاكل واحتياجات أهالى قرية بنى هانئ    الزمالك يفقد خدمات الجفالي في نهائي كأس مصر    القاهرة الإخبارية تكشف تفاصيل الغارة الجوية الإسرائيلية على صنعاء    روبوت ينظم المرور بشوارع العاصمة.. خبير مرورى يكشف تفاصيل التجربة الجديدة.. فيديو    «تمريض بني سويف» تستقبل لجنة الدعم الفني بمركز ضمان الجودة    البليهي يرحب بالرحيل عن الهلال    صندوق النقد يحث مصر بتقليص دور القطاع العام في الاقتصاد بشكل حاسم    الحوثيون: إسرائيل شنت 4 غارات على مطار صنعاء    وزير التعليم: 98 ألف فصل جديد وتوسّع في التكنولوجيا التطبيقية    نائب وزير الصحة: إنشاء معهد فنى صحى بنظام السنتين فى قنا    وزير الثقافة: ملتزمون بتوفير بنية تحتية ثقافية تليق بالمواطن المصري    وزير الخارجية يتوجه إلى المغرب لبحث تطوير العلاقات    قرار من «العمل» بشأن التقديم على بعض الوظائف القيادية داخل الوزارة    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر على حريق مخزن بلاستيك بالخانكة| صور    إصابة عامل بطلق ناري عن طريق الخطأ بسوهاج    وزير الأوقاف يهنئ الشعب المصري والأمة العربية بحلول شهر ذي الحجة    ألم في المعدة.. حظ برج الدلو اليوم 28 مايو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإرث المشترك للعرب والإسبان في النسخة العربية لكتاب 'ابن خلدون' بمكتبة الإسكندرية
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 13 - 07 - 2015

يعتبر ابن خلدون نتاج طبيعي للحضارة الإسلامية العربية، التي توهجت وبلغت ذروتها في القرن الرابع عشر، ونموذج للعولمة والكونية التي نعايشها الآن. فقد تخطي الستار الزمني الذي يفصله عنا وأحدث خرقا أبستمولوجيا فيه وكأنه ينتمي إلي عصرنا هذا ويبحث لنا عن حلول لقضايانا كمفكر حداثي.
وانطلاقًا من دورها في إحياء التراث، قامت مكتبة الإسكندرية بإصدار النسخة العربية لكتاب: 'ابن خلدون.. البحر المتوسط في القرن الرابع عشر، قيام وسقوط إمبراطوريات'.
صدر هذا الكتاب أول ما صدر في إسبانيا ليوثق لمعرض أقيم تحت رعاية السمو الملكي، فخامة الملك خوان كارلوس الأول والملكة صوفيا، تحت عنوان ' ابن خلدون.. البحر المتوسط في القرن الرابع عشر، قيام وسقوط إمبراطوريات ' وذلك علي أرض القصر المدجن أو القصر الملكي في إشبيليه، ما بين شهري مايو وسبتمبر 2006.
وتأتي ترجمة هذا الكتاب إلي لغة الضاد، لتبعث الإرث المشترك للعرب والأسبان حيث ينفض الغبار عن عدة جوانب من حياة ابن خلدون ومحيطه المكاني في حوض البحر المتوسط خلال القرن الرابع عشر، أكثر القرون تحولاً، نحو التفكك والاضمحلال في العالم العربي.. وتحول وازدهار نحو النهوض والانبعاث في العالم الغربي، أي تحول وانتقال بين ضفتي المتوسط، المكان و المجال الذي تنقل من خلاله ابن خلدون ما بين تونس والمغرب والأندلس ومصر.
ورغم رحيل العلامة العربي المنحدر من أصول أندلسية- منذ 6 قرون - إلا أن شعوب العالم تتزاحم للاحتفاء به عرفانا بما خلفته أطروحته الفلسفية من كنوز لن تجد من يثمنها ويجزل لها الشكر المستحق. لقد أثبت أنه عالم الاجتماع الأول بلا منافس وشهدت بذلك الماركسية المعاصرة. بل هو أهم مؤرخ، فقد أصدر أحكامه في الخبرات البشرية التي عايشها، وانتهج نهجاً علمياً في التصدي للتاريخ البشري عاكفا علي بحث العوامل الموضوعية لتقدم المجتمعات. لقد حاولت أعمال أدبية وأكاديمية وتراجم متنوعة تناول الأفكار الخلدونية بيد أن هذا الكتاب يعد دعوة للتمحيص في أفكار هذا العبقري من خلال التركيز علي بن خلدون الإنسان وتحليل أعماله التي اختلطت فيها فلسفة التاريخ بفلسفة المعرفة وفلسفة الحضارة.
يأخذنا هذا السفر النفيس بما يشتمل عليه من مقالات في رحلة تاريخية عبر الزمان والمكان.. وبالأخص إلي القرن الرابع عشر مستعرضا أهم الأحداث والظروف السياسية التي عاصرها ابن خلدون، وما كان يعتري حوض البحر المتوسط من تقلبات سياسية واجتماعية واقتصادية كانت المخاض لولادة عصرنا الحديث. ولعل الفكر الخلدوني كان ومضات النور التي قهرت السديم وانبثقت عنه كل الحركات الإصلاحية العربية والإسلامية.
فقد انكب بن خلدون علي دراسة الظواهر الاجتماعية من خلال اختلاطه بشعوب البحر المتوسط، وكشف القوانين التي تخضع لها الظواهر الاجتماعية الكبري، سواء في نشأتها أو في نموها وتطورها. وقد تجلي فكر ابن خلدون في' المقدمة ' التي ألمع فيها بمغالط المؤرخين وتحدث فيها عن فضل علم التاريخ وتحقيق مذاهبه، معلنا تأسيس علم جديد أطلق عليه علم العمران، ورسخ مبدأ المطابقة أي التأكد من إمكانية أو استحالة وقوع حدث معين فمنطق الضرورة الاجتماعية لكل مرحلة تاريخية هو الذي يفترض قبول خبر متوارث أو رفضه، أمّا الأحداث الفردية الخارقة التي قد تتجاوز هذه الضرورة فهي أمر عارض لا يقدم صورة عن مسيرة المجتمع بأكمله كما دافع عن الدولة المركزية. وانتبه لأهمية المجتمعات البدوية وأهميتها للإنسانية، وقارن بينها وبين المجتمعات الحضرية واعتبرها كلا منهما شكل من أشكال العمران، وقد لخص كل ذلك في مفهوم العصبية.
يجمع الكتاب بين طياته 50 مقالاً علمياً فريداً تمضي بنا إلي عصر هذا العلامة المنحدر من أصول أندلسية بهدف تحليل الجوانب الإيجابية والسلبية بين الشرق والغرب وصولاً إلي خلاصة مؤداها أن الأندلس بما تحمله من عبق الخبرة تمثل السيناريو المثل لتعزيز الحوار بين الحضارات، بعيداً عن دعوات الفرقة والتنابذ التي تسعي للتفريق بين بني البشر. وقد توجت هذه المقالات بمجموعة من الوثائق وصور المقتنيات ذات القيمة الفنية والتاريخية.
لقد حاول هذا الكتاب الإجابة علي العديد من الأسئلة المتشابكة، التي توصي بها سيرة حياة وأعمال مؤلف كتاب 'المقدمة ' في ذكري مرور ستة قرون علي وفاته مبرزاً الدروس المستفادة من خبرته التاريخية، وحاول التأكيد علي المقاربة الإنسانية التي كانت من سمات العلامة بن خلدون في رؤيته للأحداث وفي التدليل عليها بالبرهان، وذلك من خلال 9 أجزاء هي : ابن خلدون وعصره، القرن الرابع عشر: الزمان والمكان، أحوال الدولة، والحروب والدبلوماسية والتوسع، التجار والطرق والبضائع، علم السكان ونهاية العالم والعلاج، لمحة عن حياة ابن خلدون ' 1332 – 1406 '، اشبيليه في القرن الرابع عشر، وأخيراً الخاتمة والمصادر والمراجع.
تقول ماريا خيسوس فيجيرا مولينز من جامعة كومبليتنزي بمدريد ' ينتمي هذا الكتاب إلي أربع من حقب البحث في الينابيع التي لا تنضب لابن خلدون. المرحلة الأولي هي مرحلة الكشف والتقدير والتي بدأت من القرن الرابع عشر وحي القرن التاسع عشر، أما الثانية : فهي جهود المستشرقين في معاودة الكشف عن ' التاريخ العالمي '، و ' المقدمة ' من القرن التاسع عشر وحتي منتصف القرن العشرين، والحقبة الثالثة والتي تتمثل في نشر أعمال ابن خلدون، وتأكيد قيمته في حقول التخصص، وهي مرحلة بدأت من منتصف القرن العشرين، أما الحقبة الرابعة فهي ما يطلق عليها عالمية ابن خلدون وهي التي نعيشها في القوت الحاضر'.
ويطرح الكتاب فرصة للتأمل في أفكار ابن خلدون الإنسانية حول التاريخ والحضارة، بما تنطوي عليه هذه الأفكار من نظريات ودلالات علمية واقعية الأمر الذي يلهم ضمائرنا بمثال فريد عن صلابتها. انه بانوراما تعرض تاريخ مصر، والجزائر، وتونس، والمغرب، وأسبانيا، والممالك المسيحية، وتاج أراغون، وجزر البحر المتوسط، وفرنسا، والمدن الإيطالية، والإمبراطورية العثمانية، جنباً إلي جنب مع ماركو بولو، وابن بطوطة، ودانتي، وبترارك، وأرثيبيستي دي هيتا وأخيراً، ابن خلدون، وسيرته، وأعماله، وأسفاره، والعالم الذي عاش فيه.
ففي مقاله للدكتور عبد السلام الشدادي من جامعة محمد الخامس بالرباط، حول ' عالم ابن خلدون ' والتي ترجمها خالد عزب، يري أن علما التاريخ والاجتماع عند ابن خلدون تمتعا بخاصيتي الكونية والعالمية. وهو من خلال عدة صفحات يعطي ملخصا بسيطاً حول ما يسمي النظرة الشاملة والعالمية عند ابن خلدون. هذه النظرة تستند إلي فكرة الروابط القومية ' الأممية ' التي كانت معروفة في عصره. محاولاً الإجابة علي سؤالين، هما : ما هي الأسس النظرية لعلم الاجتماع في فكر ابن خلدون؟ وما هي العناصر الاجتماعية والتاريخية التي بني عليها نظريته؟
يعد تأسيس علم للمجتمع والحضارة هو العمل البارز الذي قدمه ابن خلدون، هذا العمل بلا شك يحوي أصول فلسفية، تظهر عند استعراض ابن خلدون الخصائص الأساسية للحضارة الإنسانية حسب المفهوم الفلسفي التقليدي، بداية من تعريفه للإنسان بأنه حيوان سياسي، ومن هذا التعريف استخلص ابن خلدون نقطتين أساسيتين لنشوء المجتمعات والحضارات: الولي وهي أن المجتمع ضرورة لحياة الإنسان، الثانية هي أن المجتمع البشري المرتكز علي التعاون من أجل توفير مقومات الحياة والدفاع عن الأفراد لابد من أن يخضع لقوة سياسية.
كل هذه الخصائص الناتجة من روح المجتمع والإنسان، هي خصائص كونية، تبلورت بواسطة الظروف الخارجية للحياة البشرية والاجتماعية المرتبطة بالجغرافية والبيئة. ووفقا للنظرية البطلمية للمناخ التي رددها الجغرافيون العرب، فان الموقع الجغرافي للبلاد وفقا لابن خلدون، يمثل عاملا رئيسيا في تطور المجتمعات والحضارات، إذ يمكن من خلال الظروف المناخية المناسبة، حيث الجو المعتدل الوصول إلي أعلي نقاط التطور، حيث تكون درجات الحرارة ليست بالحارة أو الباردة، ففي المناطق الشديدة الحرارة أو الشديدة البرودة ووفقا لشروط محددة، يتقلص الأداء الحيوي للكائنات بما يؤثر علي الحياة والأنشطة الاجتماعية، لذلك فان المجتمعات التي صنفها ابن خلدون تنتمي إلي المناطق المعتدلة والمتوسطة وهي الوحيدة التي تسمح بظهور الحضارات وازدهارها، حيث يذكر بالتحديد بلاد المغرب وسوريا والعراق والهند الغربية والصين وشبة الجزيرة الأيبيرية والمناطق المجاورة، واضعا كل العراق وسوريا كمركزي إشعاع حضاري في الإمبراطورية العربية الإسلامية، أما البلاد المتوسطية وشبة الجزيرة العربية والجزء الإيراني من آسيا الوسطي فقد وضعه ابن خلدون في نهاية القائمة، في موضع آخر من مؤلفه.
المجتمعات المتماسكة
بداية، تظهر لنا فكرة ابن خلدون كفكرة كونية، هذه الفكرة ترتكز علي الافتراض الفلسفي حول مضمون أن الإنسان حيوان سياسي، والنظرية الحتمية الجغرافية للمناطق المناخية، متعاملة مع المجتمع البشري ' الاجتماع الإنساني' والحضارة ' العمران البشري ' في مجمليها، بتوسع من حيث انتشار المجتمعات مكانياً، ومتعمق من حيث استغراقها زمنيا. وجهة النظر هذه تؤكد علي أن ابن خلدون لم يشعر مطلقا بالحاجة إلي توضيح الرؤية الإنجيلية والقرآنية لنظرية الخلق، المعرفة الجغرافية لدي العرب حول الانتشار الإقليمي للحضارات، والانجازات التقنية، والتنظيمات السياسية والإدارية، أو حركة التأريخ مع التقاليد السياسية، والدينية والتاريخية، إمبراطورياته وممالكه، شعوبه وقبائله، ديانته وطوائفه.
ويري ابن خلدون أن المجتمع في عصره كان مستقرا ومتجانسا مطورا وبشكل تام من الإمكانيات البشرية في المجال الديني والروحي، بالإضافة إلي الخطط التقنية والعلمية. المجتمعات التي تكون عالم ابن خلدون تعتبر في المقام الأول، كيانات عرقية أو أمما، تلك الأمم هي : العرب البربر، والعبرانيون، والروم، والفرنجة، والترك، والأكراد.. إلخ، وهنا يمكن أن نستنتج من الجزء التاريخي من كتاب 'العبر '، أن الأمم تعرف باسمها ونسبها وكذلك لغتها بالإضافة لبعض الخصائص أو الشعائر التي تميزها عن غيرها.
من زاوية تاريخية، حققت الأمم وجودها ' موطنها ' بواسطة احتلال أو امتلاك ارض أو أراضي الآخرين، وتكوين سلطة ' ملك ' ذات نطاق أكثر اتساعاً. يميز ابن خلدون بين المراحل المختلفة في تاريخ المم، تلك المراحل عرفها باستخدام كلمة ' أجيال ' يمكن مقابلتها بكلمة فترات أو عصور، كذلك يمكن تعريفها بمعني طبقات أو فئات.
الثقافة الإسلامية خلال القرن الرابع عشر، كانت ومازالت تعتبر أن شعوب العالم مرتبطة بنسب واحد يرجع إلي آدم عليه السلام. شكك ابن خلدون في تلك النظرية وتساءل' أنه بفرض أن الإنسانية مرجعها إلي أولاد نوح الثلاثة سام وحام ويافث فان ذلك مجرد نقل للتقسيم الجغرافي للعالم ففي الجنوب حيث يوجد نسل سام وفي الشرق نسل حام وفي الشمال نسل يافث'، من وجهه نظره فان الفائدة من علم النساب هي فائدة سياسية واجتماعية. وضع ابن خلدون تاريخه في إطار عالمي، وربط بين تاريخ العرب والبربر بتاريخ الشعوب الأخري، وأعطي اهتماما أكبر إلي الشعوب المسيحية في الشرق الوسط والشعوب الإفريقية لأنهم الأكثر ارتباطا بالشعوب العربية والبربرية، كذلك منح أهمية كبري للتأريخ للبيزنطيين والفرنجة حيث اعتبرهم الأكثر ارتباطا بتاريخ العرب والبربر من الصين والهند.
ويشير إميليو سولا من جامعة قلعة عبد السلام بمدريد، إلي أن عالم البحر المتوسط قد حقق تميزا مرموقا، أفلت به من محنة العصور الوسطي المبكرة، وأرسي القواعد التي ميزت القرن السادس عشر ن بما في ذلك المواجهة بين آل هابسبورج والعثمانيين. وقد خطي كل منهم خطي هامة نحو التصاعد والتفوق كقوي كبري مع فجر القرن الرابع عشر. أما الهيمنة الحقيقة علي حوض البحر المتوسط في القرن الرابع عشر فقد كانت في أيدي الجمهوريتين الايطاليتين التجاريتين : جنوه والبندقية، وفي أيدي ملوك أراغون الذين سادوا علي جزيرة صقلية منذ سنة 1298 علي أيدي القائد لامبادوريا، كانت الكارثة مهولة بحق، فقد وقع الآلاف من البنادقة في الأسر، وتحطم أسطولهم باستثناء ما يقرب من عشر سفن فقط، كما انتحر الأدميرال البحري البندقي داندولو، وفي نفس الوقت مني الجنويون بخسارة فادحة أيضا فلقد قتل الكثير من رجالهم إلي حد أتن اضطروا إلي إحراق السفن التي استولوا عليها من البندقية لنقص في الرجال الذين يمكنهم الإبحار بها.
لقد اكتسب البحر المتوسط في القرن الرابع عشر دفعة حيوية من خل التجارة مع بلدان الشرق، من خلال طرق القوافل التجارية التي تصب في البحر المتوسط نفسه من آسيا الوسطي، الذي كان المغول قد عطلوه أثناء زحفهم المدمر، ثم أعيد ترميمه، وفي نهاية الأمر سهل المسار لقوافل البصرة التي اتخذت الطريق التجاري للخليج الفارسي، الذي يوصل بدوره إلي البحر المتوسط علي الشواطئ السورية اللبنانية. كذلك نشط الطريق التجاري للبحر الأحمر، الذي يوصل إلي الشواطئ المصرية عبر مدينة الإسكندرية.
في مقال معنون ب ' أصول الدولة الحديثة ' للدكتور رفايل ج. بينادو سانتايا من جامعة غرناطة، يقول : إن النظرة الخاطفة علي المسرح السياسي في القرن الرابع عشر تؤدي إلي الخروج بانطباعات سلبية. ولقد لخص الكاتب روبرت فوسييه هذا المعني في عنوان لأحد أعماله هو ' كبح السلطة '، وأيضا في فقرة بليغة في قوله ' يا لها من صورة كئيبة تلك التي كانت تمثلها الدولة آنذاك!هنا باباوات يتمسكون بأهداف الكرامة المشكوك فيها، ثم يتبدد هذا البريق، وينتهي أمرهم إلي حال من الحقارة، وهناك أباطرة أصحاب آمال كبار ولكن أسماءهم مضت إلي طي النسيان، اما ملكيات الغرب الأوروبي فإنها في حال من الفوضي الضاربة، فالبعض منهم طاعن في العمر، أو أطفال قصر، أو أفراد مختلو العقل، أو أشخاص علي وشك الخلل، ثم هنالك أيضا مشاكل من عمد المدن، وأمراء وقادة عسكريون، الذين انصبت همومهم علي تفوق عابر وعلي الهيمنة الآيلة إلي السقوط. ورغم كل ذلك، ففي وسط هذا الزخم المشوش المتهوس، أرسيت بعض معالم الدولة العصرية'.
انصبت النظرية السياسية في القرن الرابع عشر علي تأكيد حق السيادة للملوك، وفي نفس الوقت سخرت من السلطان البابوي، معلية من قدر الإمبراطورية. والواقع أن المفكرين الذين دافعوا عن الإمبراطورية تبنوا مبدأ سمو السلطة الزمنية. وحوالي سنة 1312 كتب الشاعر دانتي في كتابه عن الملكية أن ' السلطة تحل علي الملك مباشرة من المنبع الكوني لسلطان، دون وساطة '.
وبعد ذلك ببضع سنين نادي راهب فرنسيسكاني إنجليزي هو وليم آل أوكهام في كتابه حوار قصير عن الحكومة الزمنية حول القضايا الإلهية والإنسانية، وبصفة خاصة حول الإمبراطورية ورعاياها، والتي اغتصبها بعض كبار رجال الدين أو الباباوات، نادي الشعوب وكل أمم الأرض لكي تهب للدفاع عن حقوقها وأن تتحرر من ظلم وجبروت الجالس علي عرش القديس بطرس – البابا- ويؤكد نفس الكاتب بأنه يتوجب علي خبراء القانون المدني، وليس أهل اللاهوت، أن يفحصوا طبيعة السلطة البابوية، كما عبر عن قناعته أنه من الصواب بل ومن الناسب أن نحكم علي أعمال الباباوات وتصرفاتهم، لئلا نكون علي ضلال.
وتكشف لنا مقالة بعنوان ' مملكة مالي في القرن الرابع عشر وفقا لابن خلدون ومعاصريه'، للدكتور عبد الواحد أقمير من جامعة محمد الخامس بالرباط، عن أن ابن خلدون هو مؤرخ العصور الوسطي الوحيد الذي زودنا بسرد للملوك الماليين، منذ تأسيس السلالة الحاكمة في ثلاثينيات القرن الرابع عشر حتي بداية تدهورها في نهاية القرن الرابع عشر الميلادي. وهو يذكر ثمانية عشر ملكاً ويعطي تقريبا مدة حكمهم كلهم. كما كشف ابن خلدون عن اتساع مملكة مالي.ووفقا له، فقد استطاع الماليون هزيمة كل المالك المجاورة بما فيها غانا، وهكذا تشكلت إمبراطورية واسعة تمتد من الأطلسي غرباً، وتكرور شرقاً، وحتي موريتانيا في وقتنا الحاضر شمالا والغابة الاستوائية جنوباً.
ويذكر المقال أيضا بإسهاب علاقات مالي مع العالم العربي كما حللها ابن خلدون، من حيث العلاقات الدبلوماسية وتبادل الهدايا والسفراء ين الملوك الماليين والمرينيين، وأيضا العلاقات التجارية بينها وبين دول الجوار، والعلاقات الاجتماعية كما ذكرها ابن بطوطة والعمري، والعلاقات الثقافية والروحية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.