الغربية تحتفل بذكرى النصر.. المحافظ يضع إكليل الزهور على النصب التذكاري    في الثانية وخمس دقائق.. كنائس الشرقية تدق أجراسها احتفالاً بذكرى نصر أكتوبر    مجلس "الصحفيين" يهنئ الشعب المصري بذكرى انتصارات أكتوبر ويكرم أبطال الحرب    زيادة جديدة ل سعر الدولار الآن.. أسعار العملات اليوم الاثنين 6-10-2025 بالبنك الأهلي    تم رصدها ليلًا.. محافظة الجيزة تضبط وتزيل 4 حالات بناء مخالف بالوراق وكرداسة    أسعار مواد البناء اليوم الاثنين 6 أكتوبر 2025    استقالة لوكورنو تعمق أزمة فرنسا السياسية    6 فيتو أمريكي.. كيف عزلت حرب غزة إسرائيل دبلوماسيًا؟    اللجنة الدولية للصليب الأحمر: مستعدون لتسهيل إيصال المساعدات إلى غزة    زيلينسكي يعلن العثور على قطع غربية في مسيرات وصواريخ روسية    أحمد سليمان يكشف تطورات الحالة الصحية لحسن شحاتة ويقول : " بخير واحنا معه لحظه بلحظه "    مجلس الزمالك يجتمع مساء اليوم لمناقشة أوضاع فريق الكرة والألعاب الأخرى    35 مليون جنيه سنويًا وحملة إعلانية.. شرط حسين الشحات للتجديد للأهلي    نجم تشيلسي يغيب عن منتخب انجلترا أمام ويلز ولاتفيا    ضبط صانعة محتوى لنشر فيديوهات خادشة للحياء بالجيزة    الأرصاد : انخفاض بدرجات الحرارة غدا وشبورة والعظمى بالقاهرة 32 درجة والصغرى 22    8 مصابين في تصادم ميكروباص برصيف كورنيش الإسكندرية    خالد العناني الأقرب لإدارة «اليونسكو».. المنظمة تستعد لاستقبال المدير ال 12    أفلام لا تُنسى عن حرب أكتوبر.. ملحمة العبور في عيون السينما    الوثائقي «السادات والمعركة».. الرئيس الراحل ينعى رحيل جمال عبد الناصر    حواس يكشف مفاجآت وراء سرقة اللوحة الأثارية: رمموا البشر قبل الحجر    «طقوس السطوح» عرض مسرحي يعلو القاهرة ضمن مهرجان «دي-كاف»    «الصحة»: عبدالغفار يشارك في ختام «مهرجان 100 مليون صحة الرياضي»    فالفيردي يغيب عن معسكر منتخب الأوروجواي    رئيس الاتحاد السكندري: نستعد لضم صفقات قوية في الميركاتو الشتوي.. والجمهور درع وسيف للنادى    محافظ المنوفية يضع إكليل زهور على النصب التذكاري للجندي المجهول    ممثلو «خور قندي الزراعية» يشكرون الرئيس لاستكمال صرف مستحقات أبناء النوبة    التوعية والتمكين وتحسين البيئة للعاملين ..أبرز حصاد العمل بالمحافظات    «الداخلية»: ضبط متهم بالنصب على مواطنين بزعم قدرته على العلاج الروحاني    المديريات توجه المدارس بمتابعة تسجيل الطلاب على منصة تدريس البرمجة    الجامعة العربية وبيرو تتفقان على تطوير التعاون المشترك    الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة: شركات التجارة الإلكترونية ساهمت في تطوير التجارة وأثرت إيجابيًا علي الاقتصاد المصري    متخصصون من معرض دمنهور للكتاب: البحيرة تمتلك مستقبلًا واعدًا في الصناعة    مجلس الوزراء: سيناء.. الإنسان محور التنمية ونهضة عمرانية شاملة تحقق حياة كريمة لأبناء المنطقة    خبير بالشأن الأفريقي: حكومة آبي أحمد توظف سد النهضة دعائيًا وتتجاهل القانون الدولي    3 علماء يفوزون بجائزة نوبل في الطب لعام 2025 (تفاصيل)    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 6 أكتوبر 2025 في المنيا    نجم الزمالك السابق يعتذر لمحمد مجدي أفشة    نائبا رئيس الوزراء يشهدان اجتماع مجلس إدارة هيئة الدواء المصرية.. تفاصيل    بسبب التقصير في العمل.. إحالة الطاقم الإداري لمستشفى كفر الشيخ العام للتحقيق (تفاصيل)    «عبد الغفار» يشارك في ختام «مهرجان 100 مليون صحة الرياضي»    عالم بالأزهر: سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بأهل مصر خيرا    «الداخلية» تكشف ملابسات فيديو يُظهر اعتداء على مواطن وأسرته بدمياط    كجوك والخطيب: القطاع الخاص المصرى مرن وإيجابي وقادر على التطور والنمو والمنافسة محليًا ودوليًا    محافظ البحيرة تضع إكليلًا من الزهور على النصب التذكاري للجندي المجهول بمناسبة انتصارات أكتوبر    رئيس الوزراء الفرنسي بعد استقالته: لا يمكن أن أكون رئيسًا للوزراء عندما لا تستوفي الشروط    نائب وزير الصحة يختتم جولته بالدقهلية بتفقد مستشفيات المنصورة والمعهد الفني الصحي    ما حكم وضع المال فى البريد؟.. دار الإفتاء تجيب    دار الإفتاء: الاحتفال بنصر أكتوبر وفاء وعرفان لمن بذلوا أرواحهم فداء الوطن    العالم هذا الصباح.. السعودية: جميع حاملى التأشيرات بمختلف أنواعها يمكنهم أداء مناسك العمرة.. تصرفات ترامب الغريبة تفتح الباب حول حالته الذهنية.. وناشطة سويدية تثير الجدل بعد احتجازها فى إسرائيل    الرئيس السيسى: أوجه التحية للرئيس الأمريكى على مبادرته لوقف الحرب فى غزة    جمهور آمال ماهر يتفاعل مع سكة السلامة واتقى ربنا فيا بقصر عابدين    أسعار الخضراوات والفاكهة بكفر الشيخ الإثنين 6 أكتوبر 2025    ضبط ورشة لتصنيع الأسلحة البيضاء فى إمبابة والتحفظ على أكثر من ألف قطعة    «العناني» يقترب من منصب المدير العام الجديد لليونسكو    سكته قلبية.. وفاة شخص قبل نظر نزاع على منزل مع زوجته وشقيقه بمحكمة الإسكندرية    منتخب مصر يودّع كأس العالم للشباب رسميًا    اعرف مواقيت الصلاة اليوم الأثنين 6-10-2025 في بني سويف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إصدار طبعة جديدة من كتاب ابن خلدون "البحر المتوسط في القرن الرابع عشر"
نشر في صوت الأمة يوم 16 - 11 - 2014

أصدرت مكتبة الإسكندرية طبعة جديدة من كتاب "البحر المتوسط في القرن الرابع عشر
وأشارت المكتبة إلى أنه يعتبر ابن خلدون نتاج طبيعي للحضارة الإسلامية العربية، التي توهجت وبلغت ذروتها في القرن الرابع عشر، ونموذج للعولمة والكونية التي نعايشها الآن. فقد تخطي الستار الزمني الذي يفصله عنا وأحدث خرقا أبستمولوجيا فيه وكأنه ينتمي إلي عصرنا هذا ويبحث لنا عن حلول لقضايانا كمفكر حداثي .
ورغم رحيل العلامة العربي المنحدر من أصول أندلسية- منذ 6 قرون - إلا أن شعوب العالم تتزاحم للاحتفاء به عرفانا بما خلفته أطروحته الفلسفية من كنوز لن تجد من يثمنها ويجزل لها الشكر المستحق. لقد أثبت أنه عالم الاجتماع الأول بلا منافس وشهدت بذلك الماركسية المعاصرة . بل هو أهم مؤرخ؛ فقد أصدر أحكامه في الخبرات البشرية التي عايشها، وانتهج نهجاً علمياً في التصدي للتاريخ البشري عاكفا علي بحث العوامل الموضوعية لتقدم المجتمعات . لقد حاولت أعمال أدبية وأكاديمية وتراجم متنوعة تناول الأفكار الخلدونية بيد أن هذا الكتاب يعد دعوة للتمحيص في أفكار هذا العبقري من خلال التركيز علي بن خلدون الإنسان وتحليل أعماله التي اختلطت فيها فلسفة التاريخ بفلسفة المعرفة وفلسفة الحضارة .
يأخذنا هذا السفر النفيس بما يشتمل عليه من مقالات في رحلة تاريخية عبر الزمان والمكان ..وبالأخص إلي القرن الرابع عشر مستعرضا أهم الأحداث والظروف السياسية التي عاصرها ابن خلدون، وما كان يعتري حوض البحر المتوسط من تقلبات سياسية واجتماعية واقتصادية كانت المخاض لولادة عصرنا الحديث . ولعل الفكر الخلدوني كان ومضات النور التي قهرت السديم وانبثقت عنه كل الحركات الإصلاحية العربية والإسلامية.
فقد انكب بن خلدون علي دراسة الظواهر الاجتماعية من خلال اختلاطه بشعوب البحر المتوسط، وكشف القوانين التي تخضع لها الظواهر الاجتماعية الكبرى، سواء في نشأتها أو في نموها وتطورها. وقد تجلي فكر ابن خلدون في" المقدمة " التي ألمع فيها بمغالط المؤرخين وتحدث فيها عن فضل علم التاريخ وتحقيق مذاهبه، معلنا تأسيس علم جديد أطلق عليه علم العمران، ورسخ مبدأ المطابقة أي التأكد من إمكانية أو استحالة وقوع حدث معين فمنطق الضرورة الاجتماعية لكل مرحلة تاريخية هو الذي يفترض قبول خبر متوارث أو رفضه، أمّا الأحداث الفردية الخارقة التي قد تتجاوز هذه الضرورة فهي أمر عارض لا يقدم صورة عن مسيرة المجتمع بأكمله كما دافع عن الدولة المركزية. وانتبه لأهمية المجتمعات البدوية وأهميتها للإنسانية، وقارن بينها وبين المجتمعات الحضرية واعتبرها كلا منهما شكل من أشكال العمران، وقد لخص كل ذلك في مفهوم العصبية.
تأتي ترجمة هذا الكتاب إلي لغة الضاد، لتبعث الإرث المشترك للعرب و الأسبان حيث ينفض الغبار عن عدة جوانب من حياة ابن خلدون ومحيطه المكاني في حوض البحر المتوسط خلال القرن الرابع عشر ؛ أكثر القرون تحولاً، نحو التفكك والاضمحلال في العالم العربي .. وتحول وازدهار نحو النهوض والانبعاث في العالم الغربي، أي تحول وانتقال بين ضفتي المتوسط ، المكان و المجال الذي تنقل من خلاله ابن خلدون ما بين تونس والمغرب والأندلس ومصر .
صدر هذا الكتاب أول ما صدر في إسبانيا ليوثق لمعرض أقيم تحت رعاية السمو الملكي ، فخامة الملك خوان كارلوس الأول والملكة صوفيا ، تحت عنوان " ابن خلدون .. البحر المتوسط في القرن الرابع عشر ، قيام وسقوط إمبراطوريات " وذلك علي أرض القصر المدجن أو القصر الملكي في إشبيليه ، ما بين شهري مايو وسبتمبر 2006 .
يجمع الكتاب بين طياته 50 مقالاً علمياً فريداً تمضي بنا إلي عصر هذا العلامة المنحدر من أصول أندلسية بهدف تحليل الجوانب الإيجابية والسلبية بين الشرق والغرب وصولاً إلي خلاصة مؤداها أن الأندلس بما تحمله من عبق الخبرة تمثل السيناريو المثل لتعزيز الحوار بين الحضارات ، بعيداً عن دعوات الفرقة والتنابذ التي تسعي للتفريق بين بني البشر. وقد توجت هذه المقالات بمجموعة من الوثائق وصور المقتنيات ذات القيمة الفنية والتاريخية .
قدم للنسخة العربية إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية، والمنجي بو سنينه المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وسمو الشيخ مشعل بن جاسم آل ثاني رئيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث بقطر . وقد احتوت النسخة العربية علي ترجمة للمقدمات الإسبانية لكل من مانويل شافيز جونثالث رئيس المركز الاجتماعي الحر بالأندلس، والسيد ميجل آنجل موراتينوس وزير الشئون الخارجية والتعاون الإسباني، وكارمن كالفو بوياتو وزير الثقافة الإسباني، وألفريدو سانشيز مونتسرين عمدة أشبيلية .
لقد حاول هذا الكتاب الإجابة علي العديد من الأسئلة المتشابكة، التي توصي بها سيرة حياة وأعمال مؤلف كتاب "المقدمة " في ذكري مرور ستة قرون علي وفاته مبرزاً الدروس المستفادة من خبرته التاريخية ، وحاول التأكيد علي المقاربة الإنسانية التي كانت من سمات العلامة بن خلدون في رؤيته للأحداث وفي التدليل عليها بالبرهان؛ وذلك من خلال 9 أجزاء هي : ابن خلدون وعصره ، القرن الرابع عشر: الزمان والمكان، أحوال الدولة، والحروب والدبلوماسية والتوسع ، التجار والطرق والبضائع، علم السكان ونهاية العالم والعلاج ، لمحة عن حياة ابن خلدون ( 1332 – 1406 )، اشبيليه في القرن الرابع عشر، وأخيراً الخاتمة والمصادر والمراجع .
تقول ماريا خيسوس فيجيرا مولينز من جامعة كومبليتنزي بمدريد " ينتمي هذا الكتاب إلي أربع من حقب البحث في الينابيع التي لا تنضب لابن خلدون. المرحلة الأولي هي مرحلة الكشف والتقدير والتي بدأت من القرن الرابع عشر وحي القرن التاسع عشر ، أما الثانية : فهي جهود المستشرقين في معاودة الكشف عن " التاريخ العالمي " ، و " المقدمة " من القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين ، والحقبة الثالثة والتي تتمثل في نشر أعمال ابن خلدون ؛ وتأكيد قيمته في حقول التخصص ،وهي مرحلة بدأت من منتصف القرن العشرين ، أما الحقبة الرابعة فهي ما يطلق عليها عالمية ابن خلدون وهي التي نعيشها في القوت الحاضر" .
ويطرح الكتاب فرصة للتأمل في أفكار ابن خلدون الإنسانية حول التاريخ والحضارة ، بما تنطوي عليه هذه الأفكار من نظريات ودلالات علمية واقعية الأمر الذي يلهم ضمائرنا بمثال فريد عن صلابتها .
انه بانوراما تعرض تاريخ مصر ، والجزائر ، وتونس ، والمغرب ، وأسبانيا ، والممالك المسيحية ، وتاج أراغون ، وجزر البحر المتوسط، وفرنسا، والمدن الإيطالية ، والإمبراطورية العثمانية ، جنباً إلي جنب مع ماركو بولو، وابن بطوطة، ودانتي، وبترارك، وأرثيبيستي دي هيتا وأخيراً، ابن خلدون، وسيرته، وأعماله، وأسفاره، والعالم الذي عاش فيه .
ففي مقاله للدكتور عبد السلام الشدادي من جامعة محمد الخامس بالرباط ، حول " عالم ابن خلدون " والتي ترجمها خالد عزب ، يري أن علما التاريخ والاجتماع عند ابن خلدون تمتعا بخاصيتي الكونية والعالمية. وهو من خلال عدة صفحات يعطي ملخصا بسيطاً حول ما يسمي النظرة الشاملة والعالمية عند ابن خلدون . هذه النظرة تستند إلي فكرة الروابط القومية ( الأممية ) التي كانت معروفة في عصره. محاولاً الإجابة علي سؤالين ، هما : ما هي الأسس النظرية لعلم الاجتماع في فكر ابن خلدون؟ وما هي العناصر الاجتماعية والتاريخية التي بني عليها نظريته؟
يعد تأسيس علم للمجتمع والحضارة هو العمل البارز الذي قدمه ابن خلدون ، هذا العمل بلا شك يحوي أصول فلسفية ، تظهر عند استعراض ابن خلدون الخصائص الأساسية للحضارة الإنسانية حسب المفهوم الفلسفي التقليدي ، بداية من تعريفه للإنسان بأنه حيوان سياسي ، ومن هذا التعريف استخلص ابن خلدون نقطتين أساسيتين لنشوء المجتمعات والحضارات: الولي وهي أن المجتمع ضرورة لحياة الإنسان، الثانية هي أن المجتمع البشري المرتكز علي التعاون من أجل توفير مقومات الحياة والدفاع عن الأفراد لابد من أن يخضع لقوة سياسية .
كل هذه الخصائص الناتجة من روح المجتمع والإنسان، هي خصائص كونية، تبلورت بواسطة الظروف الخارجية للحياة البشرية والاجتماعية المرتبطة بالجغرافية والبيئة. ووفقا للنظرية البطلمية للمناخ التي رددها الجغرافيون العرب، فان الموقع الجغرافي للبلاد وفقا لابن خلدون، يمثل عاملا رئيسيا في تطور المجتمعات والحضارات، إذ يمكن من خلال الظروف المناخية المناسبة، حيث الجو المعتدل الوصول إلي أعلي نقاط التطور ، حيث تكون درجات الحرارة ليست بالحارة أو الباردة ، ففي المناطق الشديدة الحرارة أو الشديدة البرودة ووفقا لشروط محددة ، يتقلص الأداء الحيوي للكائنات بما يؤثر علي الحياة والأنشطة الاجتماعية ، لذلك فان المجتمعات التي صنفها ابن خلدون تنتمي إلي المناطق المعتدلة والمتوسطة وهي الوحيدة التي تسمح بظهور الحضارات وازدهارها ، حيث يذكر بالتحديد بلاد المغرب وسوريا والعراق والهند الغربية والصين وشبة الجزيرة الأيبيرية والمناطق المجاورة ، واضعا كل العراق وسوريا كمركزي إشعاع حضاري في الإمبراطورية العربية الإسلامية ، أما البلاد المتوسطية وشبة الجزيرة العربية والجزء الإيراني من آسيا الوسطي فقد وضعه ابن خلدون في نهاية القائمة ، في موضع آخر من مؤلفه .
المجتمعات المتماسكة
بداية، تظهر لنا فكرة ابن خلدون كفكرة كونية، هذه الفكرة ترتكز علي الافتراض الفلسفي حول مضمون أن الإنسان حيوان سياسي، والنظرية الحتمية الجغرافية للمناطق المناخية، متعاملة مع المجتمع البشري ( الاجتماع الإنساني) والحضارة ( العمران البشري ) في مجمليها، بتوسع من حيث انتشار المجتمعات مكانياً، ومتعمق من حيث استغراقها زمنيا . وجهة النظر هذه تؤكد علي أن ابن خلدون لم يشعر مطلقا بالحاجة إلي توضيح الرؤية الإنجيلية والقرآنية لنظرية الخلق، المعرفة الجغرافية لدي العرب حول الانتشار الإقليمي للحضارات، والانجازات التقنية، والتنظيمات السياسية والإدارية، أو حركة التأريخ مع التقاليد السياسية، والدينية والتاريخية، إمبراطورياته وممالكه، شعوبه وقبائله، ديانته وطوائفه.
ويري ابن خلدون أن المجتمع في عصره كان مستقرا ومتجانسا مطورا وبشكل تام من الإمكانيات البشرية في المجال الديني والروحي، بالإضافة إلي الخطط التقنية والعلمية. المجتمعات التي تكون عالم ابن خلدون تعتبر في المقام الأول، كيانات عرقية أو أمما ، تلك الأمم هي : العرب البربر، والعبرانيون، والروم، والفرنجة ، والترك، والأكراد..إلخ ، وهنا يمكن أن نستنتج من الجزء التاريخي من كتاب "العبر "، أن الأمم تعرف باسمها ونسبها وكذلك لغتها بالإضافة لبعض الخصائص أو الشعائر التي تميزها عن غيرها.
من زاوية تاريخية ، حققت الأمم وجودها ( موطنها ) بواسطة احتلال أو امتلاك ارض أو أراضي الآخرين ، وتكوين سلطة ( ملك ) ذات نطاق أكثر اتساعاً . يميز ابن خلدون بين المراحل المختلفة في تاريخ المم ، تلك المراحل عرفها باستخدام كلمة ( أجيال ) يمكن مقابلتها بكلمة فترات أو عصور ، كذلك يمكن تعريفها بمعني طبقات أو فئات.
الثقافة الإسلامية خلال القرن الرابع عشر ، كانت ومازالت تعتبر أن شعوب العالم مرتبطة بنسب واحد يرجع إلي آدم عليه السلام. شكك ابن خلدون في تلك النظرية وتساءل" أنه بفرض أن الإنسانية مرجعها إلي أولاد نوح الثلاثة سام وحام ويافث فان ذلك مجرد نقل للتقسيم الجغرافي للعالم ففي الجنوب حيث يوجد نسل سام وفي الشرق نسل حام وفي الشمال نسل يافث" ؛ من وجهه نظره فان الفائدة من علم النساب هي فائدة سياسية واجتماعية.
وضع ابن خلدون تاريخه في إطار عالمي ، وربط بين تاريخ العرب والبربر بتاريخ الشعوب الأخرى ، وأعطي اهتماما أكبر إلي الشعوب المسيحية في الشرق الوسط والشعوب الإفريقية لأنهم الأكثر ارتباطا بالشعوب العربية والبربرية، كذلك منح أهمية كبري للتأريخ للبيزنطيين والفرنجة حيث اعتبرهم الأكثر ارتباطا بتاريخ العرب والبربر من الصين والهند.
ويشير إميليو سولا من جامعة قلعة عبد السلام بمدريد ، إلي أن عالم البحر المتوسط قد حقق تميزا مرموقا ، أفلت به من محنة العصور الوسطي المبكرة ، وأرسي القواعد التي ميزت القرن السادس عشر ن بما في ذلك المواجهة بين آل هابسبورج والعثمانيين . وقد خطي كل منهم خطي هامة نحو التصاعد والتفوق كقوي كبري مع فجر القرن الرابع عشر. أما الهيمنة الحقيقة علي حوض البحر المتوسط في القرن الرابع عشر فقد كانت في أيدي الجمهوريتين الايطاليتين التجاريتين : جنوه والبندقية، وفي أيدي ملوك أراغون الذين سادوا علي جزيرة صقلية منذ سنة 1298 علي أيدي القائد لامبادوريا، كانت الكارثة مهولة بحق ، فقد وقع الآلاف من البنادقة في الأسر ، وتحطم أسطولهم باستثناء ما يقرب من عشر سفن فقط، كما انتحر الأدميرال البحري البندقي داندولو، وفي نفس الوقت مني الجنويون بخسارة فادحة أيضا فلقد قتل الكثير من رجالهم إلي حد أتن اضطروا إلي إحراق السفن التي استولوا عليها من البندقية لنقص في الرجال الذين يمكنهم الإبحار بها.
لقد اكتسب البحر المتوسط في القرن الرابع عشر دفعة حيوية من خل التجارة مع بلدان الشرق ، من خلال طرق القوافل التجارية التي تصب في البحر المتوسط نفسه من آسيا الوسطي، الذي كان المغول قد عطلوه أثناء زحفهم المدمر ، ثم أعيد ترميمه ، وفي نهاية الأمر سهل المسار لقوافل البصرة التي اتخذت الطريق التجاري للخليج الفارسي ، الذي يوصل بدوره إلي البحر المتوسط علي الشواطئ السورية اللبنانية . كذلك نشط الطريق التجاري للبحر الأحمر ، الذي يوصل إلي الشواطئ المصرية عبر مدينة الإسكندرية .
في مقال معنون ب " أصول الدولة الحديثة " للدكتور رفايل ج. بينادو سانتايا من جامعة غرناطة ، يقول : إن النظرة الخاطفة علي المسرح السياسي في القرن الرابع عشر تؤدي غلي الخروج بانطباعات سلبية . ولقد لخص الكاتب روبرت فوسييه هذا المعني في عنوان لأحد أعماله هو " كبح السلطة " ، وأيضا في فقرة بليغة في قوله " يا لها من صورة كئيبة تلك التي كانت تمثلها الدولة آنذاك!هنا باباوات يتمسكون بأهداف الكرامة المشكوك فيها ، ثم يتبدد هذا البريق ، وينتهي أمرهم إلي حال من الحقارة ؛ وهناك أباطرة أصحاب آمال كبار ولكن أسماءهم مضت إلي طي النسيان ؛ اما ملكيات الغرب الأوروبي فإنها في حال من الفوضى الضاربة؛ فالبعض منهم طاعن في العمر ، أو أطفال قصر، أو أفراد مختلو العقل، أو أشخاص علي وشك الخلل؛ ثم هنالك أيضا مشاكل من عمد المدن، وأمراء وقادة عسكريون ، الذين انصبت همومهم علي تفوق عابر وعلي الهيمنة الآيلة إلي السقوط . ورغم كل ذلك، ففي وسط هذا الزخم المشوش المتهوس ، أرسيت بعض معالم الدولة العصرية" .
انصبت النظرية السياسية في القرن الرابع عشر علي تأكيد حق السيادة للملوك، وفي نفس الوقت سخرت من السلطان البابوي ، معلية من قدر الإمبراطورية . والواقع أن المفكرين الذين دافعوا عن الإمبراطورية تبنوا مبدأ سمو السلطة الزمنية. وحوالي سنة 1312 كتب الشاعر دانتي في كتابه عن الملكية أن " السلطة تحل علي الملك مباشرة من المنبع الكوني لسلطان ، دون وساطة " .
وبعد ذلك ببضع سنين نادي راهب فرنسيسكاني إنجليزي هو وليم آل أوكهام في كتابه حوار قصير عن الحكومة الزمنية حول القضايا الإلهية والإنسانية ، وبصفة خاصة حول الإمبراطورية ورعاياها، والتي اغتصبها بعض كبار رجال الدين أو الباباوات، نادي الشعوب وكل أمم الأرض لكي تهب للدفاع عن حقوقها وأن تتحرر من ظلم وجبروت الجالس علي عرش القديس بطرس – البابا- ويؤكد نفس الكاتب بأنه يتوجب علي خبراء القانون المدني ، وليس أهل اللاهوت، أن يفحصوا طبيعة السلطة البابوية ، كما عبر عن قناعته أنه من الصواب بل ومن الناسب أن نحكم علي أعمال الباباوات وتصرفاتهم ، لئلا نكون علي ضلال .
وتكشف لنا مقالة بعنوان " مملكة مالي في القرن الرابع عشر وفقا لابن خلدون ومعاصريه" ، للدكتور عبد الواحد أقمير من جامعة محمد الخامس بالرباط، عن أن ابن خلدون هو مؤرخ العصور الوسطي الوحيد الذي زودنا بسرد للملوك الماليين ، منذ تأسيس السلالة الحاكمة في ثلاثينيات القرن الرابع عشر حتى بداية تدهورها في نهاية القرن الرابع عشر الميلادي . وهو يذكر ثمانية عشر ملكاً ويعطي تقريبا مدة حكمهم كلهم. كما كشف ابن خلدون عن اتساع مملكة مالي .ووفقا له ، فقد استطاع الماليون هزيمة كل المالك المجاورة بما فيها غانا ، وهكذا تشكلت إمبراطورية واسعة تمتد من الأطلسي غرباً ، وتكرور شرقاً، وحتى موريتانيا في وقتنا الحاضر شمالا والغابة الاستوائية جنوباً .
ويذكر المقال أيضا بإسهاب علاقات مالي مع العالم العربي كما حللها ابن خلدون ، من حيث العلاقات الدبلوماسية وتبادل الهدايا والسفراء ين الملوك الماليين والمرينيين ، وأيضا العلاقات التجارية بينها وبين دول الجوار ، والعلاقات الاجتماعية كما ذكرها ابن بطوطة والعمري ، والعلاقات الثقافية والروحية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.