يواصل مجمع اللغة العربية وعلى مدار 3 أيام، بمقر اتحاد المجامع العلمية اللغوية العربية بمدينة 6 أكتوبر، الاجتماع الأول للمجلس العلمي في دورته ال48، والثاني للجنة الخماسية المنبثقة عنه، حيث يناقش أعمال الاتحاد الدورية والإشراف على أعماله العلمية، خاصة المتعلقة بالمعجم التاريخي للغة العربية. وشارك في إعداد المعجم أعضاء المجلس العالمي من الدول الأعضاء بالاتحاد، وهم 15 عضوًا من دول مصر، والسودان، وليبيا، وتونس، والجزائر، والمغرب، وموريتانيا، وسوريا، والأردن، والعراق، وفلسطين، والسعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، ومكتب تنسيق التعريب بالرباط. والسبب الرئيسي، حسبما ذكر مصدر بمجمع اللغة العربية، أن المعاجم التي وصلتنا عن أسلافنا، اقتصرت على جمع مفردات اللغة وتراكيبها وإثبات معانيها، فمثلا الأزهري صاحب كتاب "تهذيب اللغة"، ذكر أنه لم يودع في كتابه من كلام العرب، إلا ما صح له سماعا منهم، أو رواية عن ثقة، أو حكاية عن خطّ ذي معرفة اقترنت إليها معرفته. وعن كتاب "صاحب الجمهرة" لابن دريد، قال إنه سمى كذلك بمعنى الرفيع السامي من كلام العرب، وأيضا الجوهري سمى معجمه "الصحاح"، حيث ألزم نفسه بما صح عنده رواية ودراية وسماعا ومشافهة من أصحاب اللغة الأصلاء، الأمر الذي كشف عن الحاجة إلى معجم تاريخي شامل يضم كافة كلمات اللغة بما مرت به من اندثار بعضها وعودة الآخر إلى الاستخدام من جديد. وأضاف المصدر أن الحاجة أصبحت ملحة إلى هذا المعجم لعدة أسباب على رأسها النقص الظاهر في معظم المعاجم الموجودة، رغم أنها حوت فيضًا من مفردات اللغة، فقد اقتصرت على إثبات معاني المفردات والتراكيب، وذكر اختلاف هذه المعاني باختلاف مبناها الشكلي، إضافة إلى أن كتب التراث، لا نجد فيها إشارة إلى التطور التاريخي لمدلولات الكلمة الواحدة، كما أن النقص الظاهر في المعجمات التي صنفها العرب يرجع إلى أن مصنفيها لم يجمعوا كل مفردات اللغة؛ بل كانوا يجمعون الفصيح منها فقط، كما أن معاجمنا اللغوية القديمة توقفت عن متابعة التطور اللغوي؛ حين أصبح معيار الفصاحة القديم حائلاً دون تسجيل الألفاظ المحدثة التي ولدها الاستعمال، واقتضتها ضرورة الحياة اليومية. وأكمل أن المعجم اللغوي التاريخي يجب أن يحوي كل كلمة تداولت في اللغة، حيث إن جميع الكلمات المتداولة في لغة ما لها حقوق متساوية فيها، وأن تعرض أطوارها التاريخية في معجماتها، كما أن أهمية التناول التاريخي تأتي من أن اللغة دائمة التطور، ولهذا يجب أن يوضح هذا التطور بكل ما لدينا من وسائل، وما يزيد الأمر تعقيدًا أن معاجمنا اللغوية القديمة توقفت عن متابعة التطور اللغوي، حين أصبح معيار الفصاحة القديم حائلاً دون تسجيل الألفاظ المحدثة التي ولدها الاستعمال، واقتضتها ضرورة الحياة اليومية. وذكر أن أوجست فيشر، أحد كبار اللغويين في القرن العشرين، اهتم بالفكرة وحاول تنفيذها، حيث تأثر فيها بمعجم أكسفورد التاريخي، حيث اعتبر فيشر أن من عيوب المعاجم القديمة إغفالها كثيرًا من الآداب النثرية، حيث حوى هذا الأدب المنثور كما ذكر فيشر على كلمات وتراكيبَ كثيرة لا أثر لها في القرآن الكريم أو الحديث الشريف أو الشعر القديم. وقضى فيشر نحو أربعين سنة في جمع مادته وتنسيقها، ووافق مجمع اللغة العربية بالقاهرة على فكرته، ووعدته الحكومة بأن تتحمل نفقات طبع المعجم، وأمدته بمساعدين لمعاونته، لكن اندلاع الحرب العالمية الثانية أجبرته على العودة إلى وطنه، وتوزعت مواد معجمه بين مصر وألمانيا، ثم أقعده المرض، وتوفي عام 1949م، قبل أن يتمكن من العودة إلى مصر مرة أخرى وإكمال تجربته. وأكد أن المعجم التاريخي المنشود يجب أن يسير جنبًا إلى جنب مع تقدم المعرفة، وتسجيل ظهور الكلمة الذي هو غالبًا تاريخ ظهور شيء مستحدث أو تجربة أو ملاحظة طرأت على الناطقين باللغة، ضاربا المثل بتجارب سابقة مثل التجربة الإنجليزية "معجم أكسفورد التاريخي"، والتجربة الفرنسية "المعجم التاريخي للغة الفرنسية"، والتجربة العبرية، وتجربة سيرلانكا، والتجربة الإسبانية.