في عام 2005 حاولت اقتناء جميع مطبوعات سلسلة (الذخائر) التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة، وهي سلسلة كبيرة صدر عنها مئات الكتب الأدبية واللغوية والفكرية والتاريخية والدواوين الشعرية... أتذكر من الكتب المهمة التي صدرت في هذه السلسلة: العقد الفريد، صبح الأعشى، عيون الأخبار، البيان والتبين، الحيوان، الأشباه والنظائر، طبقات فحول الشعراء، الإمتاع والمؤانسة، ديوان أبي الطيب المتنبي، ديوان الحماسة، البرصان والعرجان والعميان، الخصائص، تاريخ ابن خلدون، فقه اللغة، جواهر الألفاظ... وغيرها.
وبالفعل... قد حصلت وقتها بفضل الله على مجموعة كبيرة منها، وكان من بينها هذه الدرة الفريدة؛ أساس البلاغة للزمخشري..
ولم يتح لي وقتها أن آخذ نهمتي وأقضي وطري من هذا الكتاب لظروف وشواغل... إلى أن شاء الله ووفق هذه الأيام لذلك..
كتاب أساس البلاغة للزمخشري معجم عربي عام، يتناول معاني الألفاظ العربية ويهتم بالمجاز والتراكيب السياقية.
ويعنى بطرائق البلاغة العربية في التعبير، والتمييز بين الحقيقة والمجاز، واستعمال الكلمات في التراكيب.
ويعد أساس البلاغة للزمخشري من أهم المعاجم في العناية باستخدام الكلمة المفردة في تراكيب سياقية كثيرة... وهو بالجملة معجم أدبي ولغوي معا...
ويقول الدكتور محمود فهمي حجازي في تقديمه للكتاب: إن أساس البلاغة معجم لغوي بالمعنى المحدد، اهتمامه كبير بدلالة الكلمات، يبين المعاني ويقدم الدلالات المجازية، ويكثر من التراكيب السياقية، ويشرح دلالاتها، ويذكر شواهد شعرية وقرآنية. ويعطي القارئ مادة لغوية طريفة، ويجعل الباحث يفكر في تعدد الدلالة وتغيرها.
وأقول: يميز معجم أساس البلاغة للزمخشري كونه يجمع بين القديم والحديث، لدرجة أن تجد فيه ألفاظا مما نعدها حديثة جدا ونظنها من استعمالات وتوليد المعاصرين... وقد وضعت يدي بسببه على أصول كلمات عامية كثيرة وألفاظ كنت أظنها دخيلة... وقد ييسر الله إخراجها في مقال مستقل إن شاء الله.
وللزمخشري العديد من المؤلفات والكتب الأدبية... ويعد أشهر كتبه تفسير (الكشاف عن غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل) وهو الكتاب الذي كان الشيخ الشعراوي رحمه الله يعتمد عليه كركيزة أساسية في خواطره المسجلة والتي أفاد الناس منها كثيرا.
ولد محمود بن عمر الزمخشري عام 467 ه في زمخشر وهي قرية كبيرة من قرى إقليم خوارزم في الجنوب الشرقي من آسيا، وتوفي عام 538 ه... وقد سمي بجار الله لأنه جاور في مكةالمكرمة زمانا، ثم عاد إلى بلده.
وقد جاءت هذه الطبعة في جزئين تحمل رقمي 95 و 96 من سلسلة الذخائر... أنصح أحبابي المختصين والذين لهم اهتمام باللغة والأدب والشعر بقراءته والإفادة منه...
وأخيرا... أترككم مع جزء مما سطره الزمخشري نفسه عن كتابه هذا في مقدمة الكتاب، إذ يقول: (... كتاب لم تزل نعام القلوب إليه زفافة، ورباح الآمال حوله هفافة، وعيون الأفاضل نحوه روامق، وألسنتهم بتمنيه نواطق، فليت له العربية وما فصح من لغاتها، وملح من بلاغاتها، وما سمع من الأعراب في بواديها، ومن خطباء الحلل في نواديها، ومن قراضبة تجد في أكلائها ومراتعها، ومن سماسرة تهامة في أسواقها ومجمعها، وما تراجزت به السقاة على أفواه قلبها، وتساجعت به الرعاة على شفاه علبها، وما تقارضته شعراء قيس وتميم في ساعات المماتنة، وما تزاملت به سفراء ثقيف وهذيل في أيام المفاتنة؛ وما طولع في بطون الكتب ومنون الدفاتر من روائع ألفاظ مفتنة، وجوامع كلم في أحشائها مجتنة. ومن خصائص هذا الكتاب تخير ما وقع في عبارات المبدعين وانطوى تحت استعمالات المفلقين، أو ما جاز وقوعه فيها، وانطواؤه تحتها، من التراكيب التي تملح وتحسن، ولا تنقيض عنها الألسن، لجريها رسلات على الأسلات، ومرورها عذبات على العذبات...)...
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.