نشرت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" تقريرًا تؤكد فيه أن انهيار داعش في سوريا يجب أن يمثل صدمة لمجموعة الأقلام الصحفية والأبواق الإعلامية، التي تصر لسنوات على أن هذا لن يحدث دون إسقاط نظام بشار الأسد. وأشار التقرير، الذي أعده المحرران ماكس أبراهامز وجون غلاسر، إلى أن التسويق لقضية تغيير النظام في دمشق يذكرنا بالطهي المعد مسبقًا في بغداد في عام 2003، حيث إسقاط إن نظام الأسد كان سيخلق فراغ سلطة يصب في صالح ازدهار التنظيمات الإرهابية، كما حدث في العراق قبل عقد من الزمان. إليكم نص التقرير: تنظيم الدولة الإسلامية في الشام والعراق "داعش" ما هو إلا أحد ظلال التنظيمات الإرهابية السابقة. في عام 2014 بدا أن الجماعة المتطرفة حققت تقدمًا كبيرًا نحو هدفها المعلن المتمثل في دولة "الخلافة". وقد تباهت داعش بعشرات الآلاف من المقاتلين والسيطرة الإقليمية على مساحات أراضٍ يقترب حجمها من حجم كوريا الجنوبية. لكن الآن – بمعظم المقاييس تقريبًا- انهارت داعش في معقلها في سوريا، وكذلك في العراق. وكما اعترف مؤخرًا أحد المقاتلين الأجانب في التنظيم: "انتهى الأمر.. لم يعد هناك داعش". يجب أن يمثل انهيار داعش صدمة لمجموعة الكتاب والمحللين الذين أمضوا سنوات في الإصرار على أن هذا التقدم لن يحدث أبدًا دون إسقاط نظام بشار الأسد – الذي بطبيعة الحال، لا يزال قائمًا حتى الآن. وقد خلص سلسلة من صانعي الرأي حول العالم إلى أن داعش ستزدهر في سوريا مادام حكم الأسد مستمرًّا؛ لأن الجيش العربي السوري كان جزءًا من نفس المرض. في صحيفة نيويورك تايمز أصر جون بولتون، السفير الأمريكي الأسبق لدى الأممالمتحدة في عهد جورج بوش، على أن "هزيمة داعش غير قابلة للتنفيذ ولا مرغوب فيها إذا ظل الأسد في السلطة". وأكد السيناتور جون مكين و السيناتور ليندسي جراهام في صحيفة وول ستريت جورنال أن "هزيمة داعش تتطلب هزيمة بشار الأسد". وركز الباحث كينيث بولاك من مؤسسة بروكينجز البحثية على أن الحل يكمن في "سياسة بناء جيش سوري جديد قادر على هزيمة كل من الأسد والمتشددين". وبالمثل قال الكاتب ماكس بوت في هذه الصحيفة إن "هزيمة داعش لن تكون مثمرة إلا إذا تحركت الولاياتالمتحدة لإسقاط نظام الأسد في دمشق". ومثله مثل بائعي فكرة تغيير النظام في سوريا، قام بشرعنة ضرورة فرض منطقة حظر جوي عبر البلاد؛ لتسهيل الضربات الجوية ضد حكومة الأسد، مع تعزيز المساعدات لما يسمى بالمتمردين المعتدلين. كما ادعى محللون سوريون بارزون أن الأسد هو داعم بل راعٍ لداعش. لفترة من الوقت، في كل مكان، كانت وسائل الإعلام تبيع نفس السرد. وصفت صحيفة ديلي بيست الأمريكية مقاتلي داعش بأنهم "أتباع الأسد". وروجت صحيفة نيويورك تايمز لفكرة أن "قوات الأسد تساعد داعش ليس من خلال تجنب استهدافها فحسب، بل تسعى بنشاط إلى تعزيز موقفها". كانت قضية تغيير النظام في دمشق تذكرنا بالطهي المعد مسبقًا في بغداد في عام 2003: الداعين للتدخل الأجنبي لعبوا على السرد الأمريكي من خلال الادعاء بأن الحكام الأقوياء على علاقة مباشرة بالإرهابيين، ويقولون: الأسد الراعي لتنظيم داعش في سوريا مثل صدام حسين الراعي لتنظيم القاعدة في العراق. كما أشار الخبير السوري، أيمن جواد التميمي، في فبراير 2014، بأن "داعش لديها سجل كبير من محاربة نظام الأسد على جبهات ومواقع مدنية وعسكرية متعددة في حلب وحمص والرقة وغيرها". فكرة أن الأسد لا يحارب داعش ظهر دائمًا عدم صحتها، كذلك الفكرة القائلة بأن "هزيمة التنظيم الإرهابي تتطلب هزيمة الأسد كانت أيضًا خاطئة دائمًا. الآن بعد هزيمة داعش في سوريا، يجب أن يكون واضحًا أن الجيش العربي السوري قد لعب دورًا رئيسيًّا في إسقاط هذا التنظيم الإرهابي في البلاد مع شركائه الروس والإيرانيين. وفي تناقض واضح مع التوقعات والتحليلات المروج لها، كان زوال داعش مرتبطًا عكسيًّا بسلطة الأسد. فقد انخفض وجود وثروات التنظيم مع تزايد قبضة الأسد على البلاد. وعلى النقيض من تنبؤات المحللين، انهارت المجموعة مباشرة بعد تجفيف منابع دعم المعارضة المسلحة المسماة ب"المعتدلة". كان إضعاف تلك المعارضة نكسة كبيرة لداعش؛ لأن الأسد أستطاع أخيرًا أن يركز قوة نيرانه على المجموعة. علاوة على ذلك، فإن دخول شحنات أقل من السلاح على أرض المعركة يعني أن عدد أسلحة أقل في أيدي الجهاديين. الغريب الآن أننا لم نسمع هؤلاء النقاد يعترفون بأخطائهم. هم ليسوا متلهفين للتكفير عن ترويجهم لضرورة تغيير نظام في بلد استنادًا إلى تحليلات ليس لها مصداقية، ولم تكن منبثقة عن أدبيات العلوم السياسية. أظهرت نتائج بعض من أفضل بحوث العلوم السياسية على مدى العقدين الماضيين أن احتمالية ظهور الفصائل المسلحة كرد فعل على المظالم السياسية ليست كبيرة، وأن العنصر الرئيسي في ظهورهم هو توفر الظروف المواتية التي تمكنهم من تنظيم صفوفهم. بالنسبة لداعش، كان "نموذج الفرصة" للإرهاب أفضل دائمًا من "نموذج التظلم". بعد كل شيء، هذه هي المجموعة التي أنشئت بعيدًا عن الجيش السوري، وزرعت فروعًا لها في بلدان، ليس بسبب حكوماتها الفاسدة المناهضة للدين، ولكن لضعف تلك الحكومات أو عدم وجود واحدة تعمل في الأساس. وكما كان الحال في العراق قبل عقد من الزمان، كان من شأن تغيير النظام في سوريا أن يخلق فراغ سلطة يصب في نهاية المطاف لصالح ازدهار داعش. وعلاوة على ذلك، فإن الفكرة القائلة بأن ضخ الأسلحة والمقاتلين إلى سوريا من شأنه أن يخفف من حدة الاضطرابات هو في الواقع عكس ما تأسست عليه وأظهرته نتائج دراسات العلوم السياسية. تظهر أدبيات الصراع بوضوح أن وجود دعم خارجي للمعارضة يميل إلى مفاقمة الحروب الأهلية وتوسيع نطاقها، والتي عادة تتوقف ليس من خلال اتفاقات تقاسم سلطة بين المتقاتلين، ولكن عندما يحقق أحد الطرفين الهيمنة. وعلى الرغم من وفاة دولة الخلافة الداعشية المزعومة، فإن حرب الأسد ضد الإرهابيين في سوريا لا تزال مستمرة وحية جدًّا. دعونا نأمل أن التحليلات المستقبلية لهذا الصراع تتجنب نفس نوع الدعوة الأيديولوجية التي تفتقد الأدلة التجريبية أو المنطقية، والتي ساعدت في المقام الأول في ظهور القاعدة في العراق ثم داعش.