نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، مقالا للكاتب ديفيد هيرست، رئيس تحرير الموقع، قال فيه إن إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل يدفع باتجاه اندلاع انتفاضة أخرى ويجعل الأمر مجرد مسألة وقت، وأكد المقال أن ترامب ما كان يمكنه اتخاذ القرار دون ضمان دعم عربي إقليمي. وجاء نص المقال كالآتي: أخيرا نفذ دونالد ترامب نيته تجاه القدس، وبذلك، نحى جانبا أي مظهر يوحي بأن الولاياتالمتحدة قادرة على التوسط في صفقة بين إسرائيل وفلسطين، وأنه لا يمكن بعد الآن أن يكون هناك "حياد". والحقيقة أنه لا يمكن وجود دولة فلسطينية دون أن تكون عاصمتها القدس، وبذلك تكون المسألة مجرد مسألة وقت قبل أن تندلع انتفاضة أخرى. فقط القدس برمزيتها القوية لديها القدرة على توحيد الفلسطينيين بكل فصائلهم المتعارضة، من محمود عباس القيادي بفتح، إلى إسماعيل هنية من حماس، وفقط القدس لديها قوة توحيد الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية ومخيمات اللاجئين وفي جميع السجون وفي أماكن الشتات والمنفى.. فقط القدس تتحدث إلى مليارات المسلمين في جميع أنحاء العالم. سيتعلم ترامب قريبا، أن الرموز لها قوتها وسلطتها وتستطيع بطبيعتها خلق واقعها، ومع ذلك، فإن ترامب لا يعمل وحده، ومهما كانت الدائرة المحلية التي يسعى لاسترضائها، فإن ترامب أبدا ما كان سيستطيع إصدار إعلانه هذا ما لم يكن ضمن دعم مؤيدين إقليميين له. إن دعم زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو والقوميين الدينيين من حزب البيت اليهودي هو بالتأكيد موجود ومألوف، لكن الدعم المثير والغريب جاء من جيل جديد من حكام الخليج العربي صغار السن الذين لا يكنون احتراما لأي مقدسات، وتجد بصماتهم في كل توتر يحدث في المنطقة. في عهد ترامب، هؤلاء شكلوا محورا للمستبدين العرب، الذين يفوق حجم طموحهم الجيوسياسي حجم محافظهم، ويعتقدون أن لديهم القدرة على فرض إرادتهم ليس فقط على أشلاء الدولة الفلسطينية، بل على المنطقة ككل، ويجري، في أذهانهم على الأقل، إنشاء شبكة من الدول الشرطية الحديثة التي ترتدي "اكسسوارات" الليبرالية الغربية، وكلهم يرون في حزب الليكود شريكا طبيعيا لهم، وفي جاريد كوشنر، محاورا حكيما. التفكير، والتعاون، والتشاور، والتوافق لا يظهر في معجمهم، الديمقراطية يجب تأجيلها، وحرية التعبير ينبغي إدارتها وتقييدها.. العرب موجودون ليتم شراؤهم. هذا هو السبب الذي جعل محمد بن سلمان، ولي العهد والحاكم الفعلي للسعودية، يعتقد أنه يمكن أن يضغط على محمود عباس، الرئيس الفلسطيني المسن، للانصياع لرغباته، ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مصادر متعددة قولها إن بن سلمان، أخبر عباس، أنه "إما أن يوافق على شرط أن لا قدس ولا حق في العودة، أو يفسح المجال أمام شخص آخر على استعداد للموافقة"، وأفاد عدد من المسؤولين أن بن سلمان عرض تحسين الصفقة بدفع أموال مباشرة لعباس، لكن الرئيس الفلسطيني رفض. دعوات التطبيع جاءت تهديدات بن سلمان، متناغمة مع حملات عدد من الكتاب والصحفيين السعوديين الممولين الذين يبتعدون عن القضية الفلسطينية ويدعون إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وعلى رأس قائمة هؤلاء الكتاب الروائي والكاتب السعودي تركي الحمد، وتساءل الحمد، في تغريدة على حسابه على تويتر: لماذا ينبغي علينا دعم فلسطين إذا كان الفلسطينيون أنفسهم قد باعوها؟ لا ينبغي اعتبار فلسطين القضية العربية الرئيسية. وكتب الحمد: "قيل إنني كتبت تغريدة أن القدس ليست القضية، وهذا غير صحيح، ما قلته هو أن فلسطين لم تعد القضية الأولى للعرب بعد أن باعها أصحابها". واستكمل "لديّ قضية بلدي في التنمية والحرية والتحرر من الماضي، أما بالنسبة لفلسطين فلديها رب يحميها بعد أن تخلى عنها سكانها". وأضاف: "منذ عام 1948، نحن نعاني باسم فلسطين، ونُسّقت الانقلابات باسم فلسطين، وعلقت التنمية باسم فلسطين، وقمعت الحريات باسم فلسطين، وفي النهاية حتى إذا عادت فلسطين، فإنها لن تكون أكثر من مجرد بلد عربي تقليدي.. دعونا نوقف الغش". وهناك العديد من الأصوات السعودية الأخرى تغرد في نفس السرب، وغرد الكاتب والمحلل الاقتصادي حمزة محمد السالم، الكاتب على تويتر: "بمجرد التوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل، ستصبح الوجهة السياحية الأولى للسعودية". وغرد سعد الفوزان: "أنا لست مدافعا عن اليهود، لكن اذكروا لي يهوديا واحدا قتل سعوديا وأنا سأعطيكم أسماء ألف سعودي قتلوا أبناء بلادهم بأحزمة متفجرة". وكتب مدير قناة العربية السابق عبد الرحمن الرشيد: "حان الوقت لإعادة النظر في مفهوم التعامل مع فلسطين وإسرائيل". وقال الكاتب محمد الشيخ: "قضية فلسطين ليست قضيتنا، وإذا جاءكم من يدعي التدين ويدعو إلى الجهاد، بصقوا في وجهه". في بلد، يمكن أن ترسلك التغريدة الخاطئة إلى السجن لمدة 3 سنوات، هذه ليست تغريدات عفوية غير منسقة، بل كانت بمثابة الموسيقى التصويرية التي صاحبت إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل. انقسام المنطقة هذا هو المحور الذي يقف وراء إعلان ترامب: أولياء العهد والحكام الفعليون في السعودية والإمارات ومصر والبحرين محمد بن سلمان، محمد بن زايد، عبد الفتاح السيسي، جميعهم يعتمدون على ترامب. الحصار المفروض على قطر، ومحاولة إجبار سعد الحريري على الاستقالة من رئاسة الوزراء في لبنان، وتفكيك مجلس التعاون الخليجي، وتشكيل تحالف عسكري واقتصادي بين السعوديين والإماراتيين، أمور ما كان يمكن أن تحدث دون الضوء الأخضر من ترامب. قام ترامب بتمكين محمد بن سلمان، من تحطيم أساسيات الدولة السعودية، وسرقة ثروات أبناء عمومته، وكل ذلك باسم التحديث والإصلاح، وهم سمحوا لترامب بإعلان فرض حظر على دخول المسلمين إلى أمريكا. الفوضى التي خلقتها هذه المجموعة أوجدت مسافة واضحة مع مجموعة أخرى من حلفاء الولاياتالمتحدة، الذين يشعرون بآثار هذه السياسات على أنفسهم. حاول كل من الملك عبد الله، في الأردن والرئيس الفلسطيني محمود عباس، تحذير واشنطن من مخاطر ما كان ترامب، على وشك الإعلان عنه بشأن القدس. هما يريان أن الأمر يؤثر عليهما بشكل مباشر ويجعلهما محاصرين فاقدين أي مساحة للمناورة. انضمت تركيا، التي حظي رئيسها رجب طيب أردوغان بدعم داخلي متعدد الأطراف، إلى الأردن، في المطالبة بتعليق العلاقات مع إسرائيل. وتتولى تركيا حاليا رئاسة منظمة التعاون الإسلامي التي تضم 57 عضوا. لكن المجموعة التي لا يمكن لترامب، ونتنياهو، وبن سلمان، وبن زايد، أن يصلوا إليها أبدا هم الفلسطينيون أنفسهم. تاريخيا هم يكونون في أقوى حالاتهم عندما تصل عزلتهم إلى أقصاها، وكانت هذه هي القوة التي ظهرت في الانتفاضتين الأولى والثانية، وعندما أجبروا إسرائيل، في وقت سابق، على إزالة الحواجز الأمنية عند مداخل المدينة القديمة. لا يمكن لأي فلسطيني، سواء كان قوميا أو علمانيا أو إسلاميا أو مسيحيا، أن يقبل خسارة القدس عاصمة له، وسنرى بالضبط ما يعنيه هذا في الأيام والأسابيع المقبلة. هناك 300 ألف من المقدسيين المقيمين في القدس، وقد ألقى ترامب قنبلة وسطهم بإعلانه القدس عاصمة لإسرائيل. المقال من المصدر: اضغط هنا