بات الاحتلال الصهيوني يلعب على المكشوف مع حلفائه في المنطقة، فمن سوريا إلى العراق تتنقل الأيادي الصهيونية، وتحاول إيجاد موطئ قدم لها في هذه الدول العربية، وهو ما ظهر منذ زرع التحالف الصهيوأمريكي تنظيم "داعش" في المنطقة العربية، وعلى وجه التحديد في العراق، لكن بعد أن سقطت رهاناتهم على هذه الجماعات الإرهابية، ونجح الجيش العراقي في دحرها، بدءوا في البحث عن حليف جديد، فلم يجدوا أفضل من الأكراد الذين يسعون إلى الانفصال عن الدولة وشرذمتها، لتلتقي أهداف الطرفين، وتصبح جلية وفجة خلال الأشهر القليلة الماضية. قانون يرفع الحواجز تقدمت عضو الكنيست، كسينيا سفيتلوفا، عن المعسكر الصهيوني، ورئيسة الكتلة المؤيدّة للأكراد في الكنيست، باقتراح مشروع قانون في الكنيست من المتوقع طرحه للتصويت عليه في الأسابيع المقبلة، يهدف إلى استثناء جميع المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد في الشرق الأوسط من القوانين التي تحظر على الإسرائيليين السفر إليها أو القيام بأعمال تجارية في دول عدو، ويتضمن الاقتراح أيضًا أن تقوم إسرائيل بتزويد الأكراد بتكنولوجيا زراعية، من شأنها أن تساعدهم على التخلص من اعتمادهم الضروري على الدعم الاقتصادي من تركيا، التي تعارض استقلال الأكراد. أعلنت "سفيتلوفا" عن اقتراحها خلال مؤتمر نادر أجري في الكنيست حول العلاقة بين إسرائيل والشعب الكردي، حضره نواب من الائتلاف الحاكم ومن المعارضة، وأعربوا عن دعمهم العميق للشعب الكردي وحقّه في تقرير المصير، وحضر المؤتمر أيضًا نشطاء مؤيدون للأكراد من إسرائيل وأوروبا والعراق، وقالت "سفيتلوفا" إن "مشروع القانون يهدف إلى تسهيل الوصول إلى الأراضي تحت السيطرة الكردية للإسرائيليين الراغبين في أن يكونوا هناك لأغراض أكاديمية أو تجارية، أو زيارة قبور أعزائهم"، على حد قولها. وقدمت "سفيتلوفا" تقييمًا حذرًا بشأن فرص تمرير المشروع ليصبح قانونًا، وقالت: أنا لا أقول إنّه لن يتم تمريره مائة في المائة، مضيفة أنها تعرف أن الكثير من وزراء الحكومة يتعاطفون مع مبادرتها، وتابعت: ولكن حتى لو لم يتم تمريره هذه المرة، فسيساعدنا ذلك في وضع تعريف هام جدًّا على الطاولة: ما هي كردستان العراق؟ هل بإمكاننا مواصلة التعامل معها مثل بقية العراق؟ وأضافت العضو في الكنيست عن المعسكر الصهيوني أنه: من المهم أن يعرف المواطنون الإسرائيليون المعنيون بمتابعة العلاقة مع الأكراد، أنه عند عودتهم من كردستان لن يكونوا عرضة للملاحقة من قبل وكالات أمنية مختلفة، وهذا للأسف ما يحدث اليوم. التفاف قانوني.. وتوافق صهيوني في ذات الإطار زعم موقع "تايمز أوف أزرائيل" أن عشرات الآلاف من العائلات اليهودية أُجبرت على الهجرة إلى إسرائيل من العراق بعد فترة قصيرة من قيام دولة إسرائيل في عام 1948، لافتًا إلى أنه اليوم يعيش في إسرائيل حوالي 200 ألف يهودي كردي، يقيم حوالي النصف منهم في القدس، وتابع الموقع أن مشروع القانون لا يُميّز بين المناطق الخاضعة للسيطرة الكردية في العراق، أو ما تُعرف باسم "حكومة إقليم كردستان"، حيث يمكن للإسرائيليين السفر بأمان إلى حد ما، ومناطق كردية أخرى، سواء كانت في شمال سوريا أو في إيران. ولفت الموقع إلى أن قلّة الوضوح هذه مقصودة، كما قالت مقدمة مشروع القانون، مؤكدة في الوقت عينه على أن التشريع حاليًّا يهدف إلى الإشارة فقط إلى كردستان العراق، لكن ذلك قد يتغير في المستقبل، ولفت الموقع إلى استفتاء الانفصال الذي أجراه إقليم كردستان العراق في سبتمبر الماضي، مؤكدًا أن معارضة بغداد وجميع بلدان المنطقة باستثناء إسرائيل أحبطت تطلعات الأكراد لإقامة دولتهم الخاصة بهم في شمال العراق في الوقت الحالي، مشددة على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مارس ضغوطًا على قادة في العالم لدعم الاستفتاء الكردي. من جانبه أعرب نائب وزير الدفاع، إيلي بن دهان، عن مشاعر كانت مشتركة بين النواب في المؤتمر، وقال إنّه على الرغم من القيود التي تُواجهها إسرائيل من حيث ما يمكنها فعله من أجل الأكراد، بسبب السياسة في المنطقة، لكن بإمكان المجتمع المدني في إسرائيل إعطاء الكثير للسكان الأكراد، وقالت الوزيرة السابقة، تسيبي ليفني: هناك فجوة كبيرة في كل شيء تقريبًا بين المعارضة والائتلاف، ولكن عندما يتعلق الأمر بالشعب الكردي، فلدينا نفس الشعور، فيما قالت النائبة من "الليكود"، نوريت كورين: علينا أن نبذل كل ما في وسعنا لمساعدة إخوتنا في كردستان العراق. من الدعم السياسي إلى الاقتصادي مشروع القانون الصهيوني الذي اقترحته "كسينيا سفيتلوفا" ما هو إلا خطوة جديدة على طريق محاولات إسرائيل إيجاد موطئ قدم لها في المنطقة بشكل عام، وحشر أنفها في العراق على وجه التحديد؛ في محاولة للاستيلاء على موارد الدولة، وعلى رأسها النفط، الذي يبلغ إنتاجه في إقليم كردستان العراق فقط نحو 650 ألف برميل يوميًّا من النفط الخام، بما في ذلك نحو 150 ألف برميل من مناطق كركوك وحدها. محاولات التقارب الإسرائيلية الكردية لم تنبع من القانون الإسرائيلي فقط، بل يمتلك الأكراد علاقات وثيقة مع الاحتلال الصهيوني منذ أوائل ستينيات القرن الماضي تقريبًا، عندما تبنى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، ديفيد بن غوريون، نظرية ما أسماه "الطوق الثالث" أو "تحالف الأقليات" في المنطقة الذي كان يستهدف بشكل رئيسي اليهود والأكراد. ظهر عمق هذه العلاقات جليًّا مؤخرًا خلال محاولة الانفصال التي استعرت في سبتمبر الماضي، حيث كانت إسرائيل الوحيدة المؤيدة لانفصال كردستان عن الدولة العراقية، وقد أعلنت ذلك علنًا في الكثير من المناسبات، كما مارس رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، الكثير من الضغوط على القادة العرب والأجانب؛ لإقناعهم بتأييد انفصال كردستان، فيما كانت كل دول العالم العربية منها والغربية بما في ذلك الحكومة المركزية العراقية، والحليفة الأمريكية لإسرائيل، رافضه لمحاولات الأكراد شرذمة الدولة وتفتيتها. من جانبهم أظهر الأكراد مرارًا وبشكل علني تقديرهم للدعم الصهيوني، وهو ما اتضح في التلويح الكردي بعلم الكيان الصهيوني خلال مظاهرات انطلقت في الإقليم مؤيدة للاستقلال، مما دفع البرلمان العراقي إلى تجريم رفع العلم الإسرائيلي في أكتوبر الماضي. ويبدو أن انتقال إسرائيل من الدعم السياسي إلى الاقتصادي والتجاري في إقليم كردستان محاولة لتعويض الإقليم عن الحصار الذي فرضته عليه بعض الدول الرافضة لانفصاله عن الدولة العراقية، وعلى رأسها تركيا، وذلك حينما لوح الإقليم جديًّا بالانفصال، وهو الحصار الذي عرقل خطوات الإقليم نحو الانفصال، وأجهض الحلم الصهيوني بإقامة دولة كردية في شمال العراق، تكون نواة لدولة كردية أكبر، يمكن أن تضم لها لاحقًا مناطق الوجود الكردي في شمال وشمال شرق سوريا، وشرق تركيا وغرب وشمال غرب إيران، تسهم وفق الأحلام الصهيونية في محاصرة بعض الدول التي تناصب إسرائيل العداء، وعلى رأسها إيران.