أثارت وثائق مسار مفاوضات انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، جدلا سياسيًا كبيرًا بين الحكومة والمعارضة البريطانية؛ إذ كشفت النقاب عن التكاليف الباهظة للانسحاب. وكان المفاوض البريطاني للخروج من الاتحاد الأوروبي، ديفيد ديفيس، رفض كشف النقاب عن الوثائق التي تتعلق بمفاوضات انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، واعتبر إطلاع الرأي العام عليها، خطرًا على الاستراتيجية التي تتبناها الحكومة البريطانية في مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي. المعارضة السياسية البريطانية اعتبرت الرفض تهربًا من إشراك البرلمانيين البريطانيين واطلاعهم على التفاصيل بحقيقة المدرج في استراتيجية الحكومة، ويصرون على ضرورة الكشف عن مضمون الوثائق، وقالت جاين بيرس، العضوة في حملة التحالف ضد الانسحاب "علينا أن نرى هذه الوثائق حتى ولو لم يكن بإمكان المواطن العادي الإطلاع عليها، لكن البرلمان من حقه أن يرى هذه الوثائق التي تستلمها لجنة فيه بعد حذف فقرات عديدة منها، البرلمان له سيادته، وهذا الأمر يخص أهم قرار يتخذ في تاريخ الدولة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية". بعض التسريبات للوثائق تفيد بأن تكلفة الانسحاب والمستحقات المالية التي ستدفعها خزينة الدولة في الدولة البريطانية تفوق 66 مليار جنية إسترليني، والأرقام لا تتطابق مع تقديرات بعض المؤسسات البريطانية، فبعدما أعلن تليفزيون هيئة الإذاعة البريطانية، الثلاثاء الماضي، أن بريطانيا والاتحاد الأوروبي توصلا إلى اتفاق حول قيمة الالتزامات المالية التي ستدفعها بريطانيا للاتحاد قبل (البريكست)، أو ما يعرف باسم (فاتورة الانفصال)، قالت صحيفة (ديلي تليجراف) البريطانية، إنه من المتوقع أن تتراوح قيمة المستحقات المالية التي يجب على المملكة المتحدة أن تسددها عند الخروج من الاتحاد الأوروبي تتراوح بين 45 إلى 55 مليار يورو. الوثائق المسربة كشفت أيضًا، أن الانسحاب من السوق الأوروبية الموحدة والانتقال لاتباع قواعد منظمة التجارة العالمية سيؤدي إلى هبوط كبير في إجمالي الناتج المحلي، كما كشفت عن استعداد السلطات البريطانية اتخاذ إجراءات صارمة من شأنها منع المهاجرين الأوروبيين إلى دخول بريطانيا حتى خلال المرحلة الانتقالية التي تستمر فيها عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي لعامين كاملين بعد الانسحاب، ورغم العقبات التي تواجه مسار المفاوضات، فإن الحكومة البريطانية تفادت التصعيد في مسألة حدود أيرلندا الشمالية مع جمهورية أيرلندا الجنوبية، بالإعلان رسميًا عن عدم رغبتها في إعادة الرقابة على الحدود بعد مغادرتها للاتحاد الأوروبي. وأظهر التقرير السنوي حول الميزانية، الذي ألقاه وزير المالية البريطاني، فيليب هاموند، أن النمو الاقتصادي البريطاني يشهد تراجعا بسبب القلق من تبعات بريكست، ولدى هاموند هامش ضيق للمناورة لأن مكتب مسؤوليات الموازنة سيخفض توقعات النمو إلى 1,5% بعد أن كانت 2% في مارس 2017، وهي وتيرة قد تستمر حتى نهاية العقد في بلد اعتاد على تقديم أداء أفضل. ويعد أيضا، المعدل الأبطأ بين دول نادي السبع الغنية، وهي كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وبريطانيا وأمريكا، وهبطت بريطانيا من ثاني أعلى موقع في نمو المجموعة عام 2016، إلى ذيل الترتيب حالياً، وكان وزير الاقتصاد البريطاني، طالب الحكومة بضرورة نشر تحليل التأثير الكامل لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ومن جهته، توقع بنك إنجلترا المركزي أن تخسر بريطانيا ما يصل إلى 75 ألف وظيفة في قطاع الخدمات المالية في السنوات التالية لمغادرتها الاتحاد الأوروبي عام 2019، كما تتراوح التقديرات الأخرى للخسائر المتوقعة في الوظائف بين 30 ألفا وما يصل إلى 232 ألف وظيفة، وهو رقم توقعه رئيس بورصة لندن في يناير الماضي. وفي قطاع البناء، قالت صحيفة الإندبندت البريطانية، إن "صناعة البناء في المملكة المتحدة حذرت من سوء الوضع، إذا لم تقدم الحكومة مزيدًا من التفاصيل عن خططها بشأن تنفيذ فترة سماح مدتها سنتان لمواطني الاتحاد الأوروبي الذين يقيمون في المملكة، وحصولهم على وضع مستقر بعد عملية الخروج". بدوره، قال الرئيس التنفيذي لاتحاد عمال البناء، بريان بيري: "قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ترك صناعة البناء في المملكة المتحدة على (حافة الهاوية) بشأن العاملين من مواطني الاتحاد". وتمثل صناعة البناء 10% من إجمالي العمالة في المملكة المتحدة، من بينهم 8% من دول الاتحاد الأوروبي، وتعتبر تلك الصناعة المحرك الرئيسي للعمالة والنمو الاقتصادي في جميع أنحاء البلاد. وحتى اليوم، مازالت الاحتجاجات ضد الانسحاب مستمرة في وقت تسربت فيه حيثيات الوثائق السرية إلى وسائل الإعلام البريطانية، والاتحاد الأوروبي يسعى لرفع فاتورة الانسحاب قبل الشروع في مفاوضات جديدة ستتزامن مع انعقاد القمة الأوروبية في بروكسيل الشهر المقبل.