وسط إقبال ضعيف من الناخبين، وأجواء من الملل وفقدان الأمل نتج عنها عزوف سياسي، تسيطر على أجواء المشهد هناك، شهدت مدن وبلدات الجزائر انتخابات بلدية، الخميس الماضي، وعلى الرغم من أن نتائجها كانت متوقعة، ولم تأتِ بجديد، إلا أنها تعكس الحالة السياسية التي تعيشها الجزائر، وترسم الخريطة لانتخابات الرئاسة المفترض إجراؤها في عام 2019. فوز بطعم الهزيمة تصدرت جبهة التحرير الوطني، الحزب الحاكم في الجزائر، نتائج انتخابات مجالس البلديات والولايات، حيث أعلن وزير الداخلية، نور الدين بدوي، أمس الجمعة، فوز جبهة التحرير بزعامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في 603 من 1541 بلدية، وأفادت النتائج الرسمية بأن جبهة التحرير الوطني حصلت على 30.56% من مقاعد المجالس الشعبية البلدية، و35.48% من المقاعد في مجالس الولايات، فيما فاز الحليف الأقرب للجبهة الحاكمة وشريكها في الحكم "التجمع الوطني الديمقراطي" بزعامة رئيس الوزراء، أحمد أويحيى، في 451 بلدية، بحصوله على 26.21% من المقاعد، أي بزيادة نحو مائة بلدية مقارنة مع عام 2012، في حين حصل على 527 مقعدًا في مجالس الولايات، أي 26.3%. وفازت جبهة المستقبل المقربة من الحكم في 71 بلدية، وجبهة القوى الاشتراكية، وهي أقدم أحزاب المعارضة، في 64 بلدية، والحركة الشعبية الجزائرية المقربة من الحكم في 62 بلدية، وحركة مجتمع السلم الإسلامية في 49 بلدية، وتجمع الثقافة والديمقراطية العلماني المعارض في 37 بلدية، وفازت حركة مجتمع السلم كذلك ب152 مقعدًا في مجالس الولايات، وحصلت باقي الأحزاب على أقل من 5% من مقاعد مجالس الولايات. من جانبه أعلن حزب جبهة التحرير الوطني عن فوزه في الانتخابات البلدية، وأكد الأمين العام للحزب، جمال ولد عباس، أمس الجمعة، أن حزبه فاز بأكثر من 638 بلدية من مجموع 1541 بلدية في الجزائر. وعلى الرغم من فوز جبهة التحرير في هذه الانتخابات، وهو الفوز الذي كان متوقعًا لدى الأوساط السياسية، إلا أن هذا الفوز لم يكتمل فيما وصفه البعض بأنه ممزوج بنكهة تراجع وخسارة واضحة، حيث سجلت الجبهة الحاكمة تراجعًا ملحوظًا في عدد الولايات التي فازت بها، ففي انتخابات عام 2012 هيمنت الجبهة على 1000 بلدية، وبمقارنة هذه النتائج بنتائج الانتخابات الحالية يتضح أن الجبهة قد خسرت تأييد حوالي 400 بلدية مقارنة بنتائج الانتخابات الأخيرة. عزوف شعبي على جانب آخر عكست هذه الانتخابات حالة من العزوف السياسي لدى الشعب الجزائري، فبالرغم من دعوات الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، مواطنيه إلى "المشاركة بقوة" في انتخابات تجديد المجالس الشعبية البلدية والولائية، مؤكدًا أن "المجالس المحلية المنتخبة للسنوات الخمس المقبلة ستكون، ميدانيًّا، أداة لتثمين الموارد العمومية لفائدة المواطنين وخطوة أسياسية لعصرنة الخدمة العمومية التي سخرتها البلاد لصالح مستخدمي الدولة"، إلا أن نسبة المشاركة في الانتخابات البلدية بلغت 46.93%، وفي انتخابات الولايات 44.96%، بزيادة طفيفة عن الانتخابات البرلمانية التي جرت في مايو الماضي. أرجع العديد من الخبراء حالة العزوف والتململ الشعبي التي بدت واضحة خلال الانتخابات الأخيرة التي دُعِيَ إليها 22 مليون جزائري، وحملة الانتخابات التي اتسمت بالفتور وعدم اهتمام المواطنين، إلى تشكيك الشعب الجزائري في نزاهة هذه الانتخابات، حيث أظهرت استطلاعات الرأي مؤخرًا تيقن البعض من أن نتائج الانتخابات باتت محسومة لصالح الحزب الحاكم، خاصة في ظل المشهد السياسي الذي يقتصر على الشخصيات نفسها منذ عقود، ووصفها البعض ب"المسرحية الهزلية"، فيما رأى أخرون أن حملة الانتخابات الحالية هي في الأساس حملة استباقية للتمهيد للانتخابات الرئاسية، فيما أعرب البعض عن فقدانهم الأمل في تحقيق الوعود الانتخابية التي طالما وعد بها المرشحون في مختلف الانتخابات. تراجع جبهة التحرير في الانتخابات المحلية وحالة العزوف غير المسبوقة التي شهدتها هذه الانتخابات يرسمان صورة الانتخابات الرئاسية المقررة في عام 2019، حيث طغى على النقاش السياسي الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهل سيترشح بوتفليقة إلى ولاية خامسة رغم العراقيل التي أمامه وفي مقدمتها تقدمه في السن والمرض الذي يعاني منه منذ عام 2013، خاصة بعدما كشف الرئيس السابق للهيئة الاستشارية لحقوق الإنسان في الجزائر، فاروق قسنطيني، عن رغبة بوتفليقة في الاستمرار في الحكم والترشح للرئاسة ربيع 2019، لكن رئاسة البلاد نفت نفيًا قاطعًا هذه المزاعم لاحتواء الجدل السياسي.