استقال أمس، رياض حجاب، المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات السورية بالخارج، التي راهنت على الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، لكن حدث العكس، ما يؤكد انهيار المخطط الأمريكي بمشاركة قطر والسعودية، بحدوث فوضى في الشرق الأوسط. المحاولات القطرية السعودية ومن خلفها واشنطن لإسقاط النظام في سوريا، اعتمدت على مجموعة من الأساليب كان من أهمها دعم الفصائل السورية المعارضة بالسلاح على اختلاف مشاريعها ومسمياتها معتدلة أو إرهابية، وأكده الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حليف واشنطن، حيث قال قبل أيام إن الولاياتالمتحدة مازالت تدعم داعش بالمال في سوريا. الأسلوب الثاني، الذي كان متبعًا بكثرة خاصة في بداية الأزمة السورية أتى من خلال تدعيم الانشقاقات السياسية في الحكومة والجيش السوري، من أجل زعزعة ثقة المواطن في قياداته، ما يخلق مناخًا مناسبًا وغطاءً لانتشار الفصائل الإرهابية في العديد من المناطق السورية. رياض حجاب لعب دورًا كبيرًا في مهمة الانشقاق لصالح مشغليه، سواء القطريين في السابق أو السعوديين حاليًا، لكن المفارقة بدلًا من أن يطيح حجاب بالأسد، أطاح الأسد به، ففي 6 أغسطس 2012، انشق رياض حجاب عن الحكومة السورية بوصفه رئيسًا للوزراء، الأمر الذي كان مخططًا له أن يخل بالركائز الأساسية التي يستند عليها الرئيس الأسد في حكمه، خاصة أنه رافق أخبارا مزعومة تقول بانشقاق نائب الرئيس السوري، فاروق الشرع. وبعد عملية الانشقاق، كان أمام حجاب خياران، الأول أن يسقط النظام ويستثمره لصالحه سياسيًا في مستقبل سوريا وحتى اقتصاديًا، حيث أشار رئيس وزراء ووزير خارجية قطر السابق، حمد بن جاسم، إلى أن السعودية دفعت لحجاب مبلغ 50 مليون دولار أمريكي مقابل انشقاقه، أما الخيار الثاني ألا يتأثر النظام بالانشقاق ويصبح رياض حجاب ورقة محروقة بيد مشغليه. ومن خلال الوقائع، يبدو أن الخيار الثاني كان من نصيبه، فاستقالته حجاب تأتي قبل يومين فقط من بدء مؤتمر للمعارضة السورية في العاصمة السعودية الرياض من 22 إلى 24 الشهر الجاري، وتأتي أيضًا قبل أيام من انطلاق محادثات جنيف بنسختها الثامنة في 28 من الشهر ذاته، كما أنه لم يكن الوحيد الذي استقال من الهيئة المعارضة، فمن بين من استقالوا أيضًا رياض نعسان آغا، من منصب الناطق بلسان الهيئة العليا للمفاوضات السورية، بالإضافة إلى كلا من سالم المسلط، وسهير الأتاسي، واللواء عبد العزيز الشلال، والمقدم أبو بكر، والرائد أبو سامة الجولاني، وسامر حبوش، وعبد الحكيم بشار. ويهدف اجتماع الرياض2 حسب مصادر سورية معارضة لتقريب بين أطراف المعارضة السورية ومنصاتها، وتوحيد وفدها المفاوض لاستئناف المفاوضات المباشرة في جنيف تحت إشراف الأممالمتحدة، ورغم أن حجاب لم يوضح سبب استقالته من المنصب الذي قضى فيه عامين كمنسق عام للهيئة منذ عام 2015، لكن معارضين يقولون إن بقاء الأسد في الحكم من أهم أسباب الإطاحة به، خاصة أن حجاب كان هدد سابقًا بالانسحاب من الهيئة إذا تم تغيير مطالبها، وعلى مدار عامين في منصبه أصر حجاب على الالتزام بشعار سوريا دون الأسد، الشعار الذي وقف عائقًا أمام بعض أطراف المعارضة التي تدعو إلى قبول بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية. ويبدو أن الإنجازات الأخيرة للأسد والجيش السوري، وإثبات أنهم الطرف الأقوى في المعادلة السورية بشهادة الأعداء حيث قال وزير الحرب الصهيوني، أفيجدور ليبرمان بالأمس، أن الأسد يسيطر على 90% من المناطق المأهولة في سوريا، فرض معطيات جديدة على المعارضة السورية المرهونة في الخارج تقبلها. المعطيات الجديدة تؤكدها أطراف من المعارضة السورية ويتحدثون عن ضغوط تبذلها روسيا على المعارضة السورية عبر داعميها السعودية وتركيا للقبول بتسوية سياسية تعمل على إنضاجها وتضمن بقاء الأسد في منصبه، خاصة بأن الرئيس السوري بدأ يشارك بظهره وبشكل مباشر بالقرب من منطقة المفاوضات الروسية، حيث استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نظيره السوري بشار الأسد، في سوتشي، أمس الاثنين وبحثا المبادئ الأساسية لتنظيم العملية السياسية لتسوية الأزمة السورية، وأشار بوتين إلى أن المهم الآن في سوريا هو الانتقال للعملية السياسية، والأسد مستعد للعمل مع كل من يريد السلام والحل. زيارة الأسد إلى روسيا وما تتضمنه من رسائل، ستجبر المعارضة السورية على إعادة ترتيب أوراقهم أو التوقيع على استقالتهم، حيث قال جورج صبرا، عضو الهيئة العليا، إن الاستقالات جاءت احتجاجًا على ما اعتبرته الهيئة محاولات لإفراغ مفاوضات جنيف من مضمونها، واستبدلها بمحادثات أستانة، وفي علاقة روسيا بالسعودية، قال صبرا إن روسيا تحاول أن تزرع في اجتماع الرياض منصة موسكو، وتابع أن منصة موسكو معارضة مصنّعة روسيًا وتلقى هذه المعارضة رفضًا كاملًا من القوى المعارضة السورية، والسعودية التي كانت ترفض هذه المنصة دعتها إلى حضور مؤتمر الرياض. ويرى مراقبون أن السعودية تعاملت مع المعارضة السورية ببرجماتية، فكانت تستغلهم للقضاء على المحور الإيراني الذي يقض مضجعها، وعندما فشلوا في إسقاط النظام حرقت ورقتهم، الأمر الذي انعكس في استقالة رياض حجاب.