سدد محور المقاومة الضربة القاضية لمشروع داعش في آخر معاقله بسوريا "مدينة البوكمال"، حيث تم تحويل التنظيم الإرهابي إلى فلول فاقدة لمنظومة التحكم والسيطرة. وعند الحديث عن دور حلفاء الجيش السوري في تحرير البوكمال، لابد من التطرق إلى الحليف الروسي الذي أمّن غطاء جويًا عبر نيران طائرته الكثيفة، وعلى المستوى الميداني، كانت البصمات الإيرانية واضحة في مساندة تحركات الجيش السوري، فقائد فيلق القدس، الجنرال قاسم سليماني، أدار بنفسه معركة إحباط محاولة واشنطن نجدة داعش في البوكمال، وبذلك أسقط المحور المقاوم مشاريع التقسيم في سورياوالعراق، مؤرخًا نهاية أحد أخطر مشاريع تقسيم المنطقة وإغراقها في الفوضى والدمار. بالأمس، كانت معركة البوكمال أو كما وصفت بأم المعارك ضد الوجود الأمريكي في سوريا، مختلفة بكل المقاييس؛ فدمشق وحلفاؤها انخرطوا في معركة ضارية، حيث ارتقى عدد كبير من الشهداء منذ بداية المعارك وحتى الساعات الأخيرة، فالعملية العسكرية اتسمت بالسرعة والتنفيذ الدقيق هذه المرة؛ ففي 8 نوفمبر من الشهر الجاري، تمكن الجيش السوري من السيطرة المدينة، ليعلن تنظيم داعش بعدها بأيام قليلة، استعادتها مجددًا، بعد أنباء مؤكدة بمعلومات روسية عن مساعدة أمريكية لداعش لاستعادة زمام الأمور في المدينة، لكن بالأمس، طوى الجيش السوري وحلفاؤه ملف البوكمال بالسيطرة عليها بالكامل. ومن أهم أهداف العملية العسكرية في البوكمال، أنها كسرت إرادة واشنطن وتقنياتها، حيث دخل الأمريكي على خط العمليات العسكرية قبيل انطلاق معركة تحرير المدينة وشوّش على أجهزة اتصال الجيش السوري وحلفائه من محور المقاومة، الأمر الذي يكشف النوايا الأمريكية من المعركة بأن تكون محطة جديدة لاستنزاف محور المقاومة، لكن التدخل الفعال لطهران على خط إدارة العمليات العسكرية كان حاسما، خاصة أنها الأبرز في تحالف المقاومة، الذي يضم سوريا وحزب الله وفصائل عراقية كالحشد الشعبي وغيرها. وتؤكد المعلومات قيادة الجنرال الإيراني، قاسم سليماني، للعمليات العسكرية في البوكمال، ووضعه خطة حصار البوكمال، التي تتألف من ثلاثة محاور؛ حيث دخل الجيش السوري وحلفاؤه من محور السكرية من الغرب، ومحور المحطة الثانية من الجهة الجنوبية، ومن جهة الحدود العراقية انطلاقًا من قرية سويح من الجهة الشرقية، تاركًا منفذًا وحيدًا من الجهة الشمالية، التي انسحب منها داعش إلى مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أمريكيًا، حيث تمكن عدد من مسلحي داعش من تسليم أنفسهم إلى قوات سوريا الديمقراطية بعد عبورهم إلى الضفة الشرقية من نهر الفرات. وفي المعركة كان لابد من تجاوز التشويش الأمريكي على اتصالات القوات المتقدمة، فعمد الجنرال سليماني إلى تخطيط العمليات العسكرية معتمدًا على قيادة منفصلة لقادة المجموعات المتقدمة، حيث يشكل هذا المخطط نموذجًا لتنسيق عالٍ أدركته فصائل المقاومة والجيش السوري في حلب، ومعارك البادية انطلاقًا من تدمر وصولًا إلى الحدود السورية العراقية. التدخل الأمريكي في معركة البوكمال ينبع من أهمية المدينة، فمن يسيطر عليها يمتلك المعبر الرسمي مع العراق مقابل القائم، وبتحرير المدينة يكون الجيش السوري، أفشل المخطط الأمريكي الرامي إلى منعه من استعادة السيطرة على المعابر الرسمية في البلاد. كما يعزز تحرير البوكمال مخاوف الكيان الصهيوني؛ فمن ناحية، أفشل المشروع الصهيوأمريكي لتقسيم المنطقة، ومن ناحية أخرى، أمّن التقاء محور المقاومة، فالقوات السورية التقت بحلفائها من القوات العراقية والحشد الشعبي من جانب القائم العراقية، وسيؤدي ذلك الالتقاء لفتح طريق المحور المقاوم من إيران إلى العراق إلى سوريا ولبنان، الأمر الذي تخشاه إسرائيل، خاصة أن الأخيرة لم تنه بعد مشاكلها مع إيران وحزب الله المتواجدين في الجنوب السوري على الحدود مع فلسطينالمحتلة. ويبدو أن جبهة النصرة ستكون الوجهة الجديدة للقوات السورية وحلفائها بعد دحر داعش من آخر معاقلها، فالقضاء على داعش في سوريا يفتح المعارك لتحرير الشمال السوري في محيط إدلب من جبهة النصرة، وهي عملية عسكرية بدأها الجيش السوري بالفعل بتحرير أكثر من 30 قرية في ريف حماة الشمالي الشرقي، ومعركة الريف في مرحلتها الأولى، تهدف للوصول إلى مطار أبو الضهور، انطلاقًا من محور خناصر، ثم تل الضمان، وصولًا إلى أبو الضهور، وهو المحور الأول، أما المحور الثاني، فيركز ريف حماة الشمالي الشرقي حتى يتقاطع مع المحور الأول في أبو الضهور.