على الرغم من اختلاف علماء الاجتماع في تحديد مفهوم الطبقة المتوسطة، باعتبارها تضم طيفا واسعا من القوى والشرائح الاجتماعية يختلف موقعها من عملية الإنتاج ونصيبها في الثروة، فإن المتفق عليه بين معظم خبراء الاقتصاد أن الطبقة المتوسطة في مصر هي أكثر من تحملت فاتورة الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، التي شهدت أشد خطواتها قسوة مع مطلع نوفمبر من العام الماضي، حين تم تحرير سعر صرف العملة، مما انعكس على زيادة الأسعار زيادة كبيرة. وتعتبر الطبقة المتوسطة العمود الفقري اللازم لاستقرار أي مجتمع، ورمانة الميزان الواقعة بين الطبقتين العليا والفقيرة، وغيابها يمثل خطرا داهما يهدد استقرار الدولة، وتسبب قرار التعويم في دخول شريحة كبيرة من المواطنين تحت خط الفقر، وصار كل من يقل دخله اليومي عن 34 جنيها يوميا يدخل تحت خط الفقر الذي حدده البنك الدولي عند 1.9 دولار لليوم الواحد. الموت فقرًا أم زين، سيدة خمسينية من أبناء الطبقة المتوسطة، زوجها موظف حكومي متقاعد على المعاش، كانت تحرص على شراء علاجها الشهري للضغط والسكر دفعة واحدة وكان يتكلف نحو 280 جنيهًا، وبعد زيادة "تسعيرة الدواء" لم تعد تتحمل شراءه مرة واحدة، وبدأت تحصل على شريط واحد من كل صنف، وحين تنتهي منه كانت تتأخر يوما أو اثنين عن شراء العلاج من جديد رغم أنه علاج لأمراض مزمنة، وحين سألها الصيدلي عن أسباب ذلك التأخير، أشارت إلى أنه نوع من التوفير قائلة "هلاقيها منين ولا منين". أضافت أم زين ل"البديل" أنها في إحدى المرات ذهبت إلى الصيدلية لأخذ شريط من علاجها كان ثمنه 75 جنيهًا، ولكنها لم تكن تملك أكثر من 50 جنيها، لكن الصيدلي حاول إقناعها أن تأخذه وتدفع وقت ما تيسر لها فرفضت، معلنة أنها ترفض أن تستدين وتفضل أن تنتظر الموت في بيتها بدلا من أن يتساقط ماء وجهها وهي تتلقى نظرات الشفقة والعطف على حالها، فمعاش زوجها أصبح لا يتحمل إلا عيشة الكفاف بدون أي أعباء اضافية حتى وإن كان الدواء منها. ويعاني موظفو الحكومة والعاملون بالقطاع الخاص، خاصة أصحاب المعاشات وكذلك العمال والفلاحون وصغار التجار من صعوبة كبيرة في توفير الاحتياجات الأساسية والخدمات، وصار أغلبهم لا يستطيعون توفير الأدوية اللازمة للعلاج، باعتبارهم الفئة العمرية التي تعاني من الأمراض المزمنة. آثار التعويم في السنوات العشر الأخيرة من حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، بدأ تزاوج السلطة برأس المال، ما عجل مع أسباب أخرى بثورة 25 يناير 2011 التي كانت أهم شعاراتها العدالة الاجتماعية، ولكن مع الارتفاع الكبير في الأسعار بدأت الطبقة المتوسطة تعاني بشدة من آثار ذلك مما هدد بتلاشي هذه الطبقة تدريجيا تحت وطأة الغلاء الفاحش الذي سوف يحول المجتمع إلى فقراء بنسبة تتجاوز 90%. كانت الطبقة المتوسطة، حلقة الوصل بين كل من الطبقتين العليا والفقيرة، خاصة أنها تلعب دورا مهما فى تحقيق العدالة الاجتماعية، ولكنها أصبحت أكثر الفئات تضررا من قرار تعويم الجنيه في نوفمبر الماضي، وتشمل الموظفين والمدرسين، والأطباء والصيادلة والصحفيين والمحامين، وأساتذة الجامعات وغيرهم، وأصبح كل من يتقاضى أجرا بالجنيه المصرى يخسر أكثر من نحو 40% من قيمة الراتب، نظرا لارتفاع الأسعار، ففي حالة حصول الموظف على الحد الأدنى للأجور، والذى حددته الحكومة بقيمة 1200 جنيه، أصبح يساوي حاليا وعقب قرار التعويم نحو 600 جنيه حيث انخفضت قوته الشرائية بنسبة 50%. التعويم "أغرق" المواطنين بعد قرار تعويم العملة المحلية خرجت تصريحات المسؤولين في الحكومة لطمأنة المواطنين بعد القرار الرسمي الذي وصفوه بأنه عملية جراحية ضرورية تصب في مصلحة المواطن المصري ولإنقاذ الاقتصاد، وتم تخفيض الجنيه بقيمة 48% مقابل الدولار، فارتفعت أسعار منتجات البترول، وارتفعت قيمة فواتير المياه والكهرباء والغاز والدواء، كما ارتفعت أسعار السلع والخدمات بنسبة تصل إلى 300%، وأصبح التجار يعانون من الركود بالأسواق، كما انخفضت نسب مبيعاتهم في الربع الأول من العام الحالي بنسب متفاوتة وصلت 60% في بعض القطاعات. في الوقت ذاته، فإن مدخرات الطبقة المتوسطة التي كانت تكفي لسد أي عجز بين مدخولاتهم وإنفاقهم صارت تتآكل سريعا ولن تصمد لأكثر من عام واحد قادم، بحسب الخبير الإقتصادي إبراهيم العيسوي في حال ما استمر الوضع على ماهو عليه من حيث مستوى القوة الشرائية للعملة المحلية وثبات معدلات الدخول والإنفاق الحالية للأسر المصرية. وأوضح العيسوي،أن معاناة أبناء الطبقات الفقيرة كانت محدودة قبل قرار تعويم الجنيه، والذين بلغت نسبتهم عام 2015 وفق تقديرات رسمية لجهاز التعبئة والإحصاء 27.8 في المئة، وكانت الطبقة المتوسطة تضم ما بين 40 و48٪ من السكان. وأعلن اللواء أبوبكر الجندي، رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، قبل تعويم الجنيه أن 15٪ من السكان ينفقون أكثر من 50 ألف جنيه سنوياً، ولكن بعد قرار التعويم، يحتاج من ينضم إلى تلك الشريحة أن يتقاضى ما لا يقل عن 74 ألف جنيه سنويا. وأضاف أن 67٪ من أفراد المجتمع المصري ينفقون ما بين 20 و50 ألف جنيه سنوياً، ولكن بعد قرار التعويم، يحتاج مَن ينضم إلى تلك الشريحة المهددة بالإنقراض أن يتقاضى ما لا يقل عن 29.6 ألف جنيه سنويًا. وطالب العيسوي الحكومة بإعادة النظر في قيمة الحد الأدنى للأجور، وقال إن الأجر العادل هو 4 آلاف جنيه شهريا فى ظل قرار التعويم، حتى لا ينفجر الجميع في ظل حزمة الزيادات المتكررة في الأسعار وزيادة معدل التضخم. الديون تلاحق المواطن بعد أسابيع من الموافقة على قرض صندوق النقد الدولي المقدر ب12 مليار دولار خلال 3 سنوات والحصول على قروض أخرى من البنك الدولي وبنك التنمية الإفريقي، اعترف رئيس بعثة صندوق النقد الدولي كريس جارفيس، بأن قيمة الجنيه المصري انخفضت بأكثر من المتوقع بعد تعويم سعر الصرف، وقال جارفيس: "الفقراء سيعانون بشدة، لقد أخطأنا في سياساتنا، والجنيه تدهور بشكل لم نكن نتوقعه". في المقابل ارتفع نصيب الفرد من الدين العام الخارجي للبلاد خلال العام الماضي بنحو 41% مع زيادة إجمالي الدين بنفس النسبة تقريبا، وأظهر التقرير الشهري للبنك المركزي، الذي نشره على موقعه الإلكتروني، أن نصيب المواطن المصري من الدين الأجنبي ارتفع إلى 691.9 دولار في نهاية ديسمبر 2016، وهو ما يعادل حوالي 12.7 ألف جنيه، وفقا لمتوسط سعر الدولار، وذلك مقارنة مع 491.2 دولار في نهاية ديسمبر 2015. وقفز الدين الخارجي للبلاد إلى نحو 67.3 مليار دولار في نهاية العام الماضي من نحو 47.8 مليار دولار في نهاية 2015 وبذلك يرتفع نصيب الفرد من الدين الداخلي خلال العام الماضي إلى نحو 31.4 ألف جنيه مقابل نحو 24.3 ألف جنيه في نهاية 2015، بزيادة أكثر من 7 آلاف جنيه.