اتخذ الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، خطوة ضد الاتفاق النووي الإيراني، وفي 17 سبتمبر الماضي، فرض عقوبات جديدة على إيران، ويصعد لهجته المعادية لطهران، ويضع سياسته الجديدة للتعامل معها. التصديق على الصفقة ليس جزءا من الاتفاق النووي مع إيران، لكن المناهضين لطهران أرادوا تقويض سياسة الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، وخلق عقبات في طريقها. قدم ترامب قائمة طويلة من القضايا المثيرة للجدل حول التأثيرات الخبيثة المزعومة بشأن إيران، وانتهاكها المفترض للاتفاقية، وسط تجاهل سجل الولاياتالمتحدة الطويل في دعم جرائم الحرب وجماعات إرهابية مثل القاعدة وطالبان وغيرها من الجماعات في الشرق الأوسط وخارجه. بموجب القانون، لدى الكونجرس 60 يوما لإعادة فرض العقوبات على إيران، الأمر الذي تجاهله ترامب. وانتقد ترامب كثيرا الصفقة النووية خلال حملته الانتخابية، ووصفها بأسوأ اتفاق في التاريخ، ووعد بأنه سيلغيه، وأكد ذلك في خطابه الافتتاحي في الجمعية العامة للأمم المتحدة في الشهر الماضي. يأتي سلوك ترامب العنيف ضد إيران وسط تهديدات الإرهاب في الشرق الأوسط، وخوضه الحرب على تنظيم داعش، بجانب مساندة السعودية في حربها على اليمن، التي لم يوافق عليها الكونجرس، وتتسبب في مقتل الآف المدنيين في أفقر بلد عربي، بالإضافة إلى تهديده بشن الحرب على كوريا الشمالية والتي ما يزال تهديدها قائما. في خضم كل ذلك، قرر ترامب إضافة صراع جديد لا لزوم له، منتهجا سياسة عزل الولاياتالمتحدة عن العالم، فالاتفاق النووي الإيراني ليس ثنائيا بين واشنطنوطهران فقط، بل تدخل فيه أطراف أخرى هي الدول الخمس الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا. ونتيجة لهذه الصفقة التاريخية، أزالت إيران ثلثي أجهزة الطرد المركزي لديها، وأوقفت بناء أجهزة طرد مركزي أكثر تطورا كانت بدأت في تركيبها، وغيرت المفاعل النووي بالماء الثقيل وقللت قدرتها على إنتاج البلوتونيوم. ومنذ تنفيذ الاتفاق، وافقت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في ثماني مناسبات مختلفة، على امتثال إيران الكامل لالتزاماتها بموجب الاتفاق، وفي المقابل رفع جزء من العقوبات على إيران، وأقامت علاقات اقتصادية طبيعية مع بقية العالم. لم يكلف ترامب نفسه ليقرأ الاتفاق وبنوده، خاصة أنه جاء بعد سنوات عديدة من النقاش والمحادثات المكثفة من قبل أفضل خبراء من سبع دول، بما فيها وزير الطاقة الأمريكي وهو أيضا خبير نووي، حيث يستمع ترامب فقط لبنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي أخبره أنه اتفاق سيئ. يتعارض قرار ترامب مع القوى العالمية الخمس، وكذلك الاتحاد الأوروبي الذي يدعم الصفقة ويوحد جهوده خلفها، ومن المثير للاهتمام، أن غالبية الدول الأوروبية وبقية دول العالم تدعم الاتفاق، ومن يعارضه فقط السعودية وإسرائيل، وهنأ نتنياهو ترامب على قراره الجريء بشأن الاتفاق، بينما التزمت السعودية الصمت في دعمها القرار. اختار ترامب السعودية لتكون أول محطة خارجية له ووقع صفقة أسلحة ضخمة وتلقى الأموال منها، ومن ثم توجه إلى إسرائيل، ليظهر أنه يقف على الدوام بجانب الاستبداديين والأنظمة التي تشن حروبا على جيرانها وتقوض الإنجازات الديمقراطية. الاتفاق النووي ليس أول إنجاز لأوباما يحاول ترامب تقويضه، بل يحاول إلغاء "أوباما كير" قانون الرعاية الصحية الذي أقره سلفه، وكذلك اتفاق باريس للمناخ، والانسحاب من اتفاق الشراكة التجارية عبر المحيط الهاديء. وأعلنت الولاياتالمتحدة وإسرائيل أنها ستنسحب من اليونسكو بسبب التحيز المزعوم المناهض لإسرائيل. إعادة التفاوض على الاتفاق النووي ليس سوى خدعة من أولئك الراغبين في تمهيد الطريق للحرب مع إيران، وأكد المسؤولون الإيرانيون مرارا أنه على الرغم من استعدادهم بحث قضايا أخرى مع المجتمع الدولي، فإن الاتفاق النووي لن يعاد التفاوض عليه. تقف ثلاث قضايا رئيسية على المحك، أولا ما إذا كان السياسيون الأمريكيون على استعداد إنهاء أربعين عاما من العداء مع طهران وحل الخلافات من خلال المفاوضات، وثانيا، هل ستقع الدول الأوروبية وبقية العالم رهينة للسياسات الأمريكية الإسرائيلية، وثالثا، كيف سيسحب إرضاء نتنياهو الشرق الأوسط إلى حرب مدمرة أخرى وربما بداية نزاع عالمي؟ المصدر